"خمسة أيام، هو الوقت الذي تبقى للحكم بطلاق نورة من جمال المسجون بتهمة السرقة. نورة التي تحلم بالحرية، تستطيع أخيراً أن تعيش كما تريد مع عشيقها لسعد. غير أن جمال يطلق سراحه قبل نهاية حكمه، والقانون التونسي يعاقب بصرامة على الخيانة الزوجية، وعلى نورة أن توفّق بين عملها، أطفالها، زوجها، عشيقها... وأن تتحدّى القانون..". كانت تلك المقدّمة الإعلانية التي صاحبت إطلاق فيلم "نورة تحلم" للمخرجة التونسية هند بوجمعة (تونس، 2019، 90 دقيقة)، غير أن المتفرج (التونسي خصوصاً) وهو يغادر صالة العرض سيجد فروقات أساسية بين النقطة الإشكالية التي يؤكد عليها التقديم (صراع نورة مع القانون التونسي)، والوقائع التي يعرضها الفيلم.
صحيح أن نورة (هند صبري) التي تعاشر عشيقاً منذ سنوات تجد نفسها حيال تلك اللحظة/المنعطف مع خروج زوجها من السجن، وهي التي سبق ورفعت قضية طلاق دون أن تخبره. إلى هنا الحبكة موفقة وكثيفة – ضمن ذلك المثلث الكلاسيكي: امرأة، زوج وعشيق، من أجل إضاءة صراع الحريات الشخصية مع مجمل الواقع الاجتماعي، وليس مع القانون فحسب كأحد تمظهراته. لكن هذا الصراع بقي، على المستوى السينمائي، في هامش الصورة، أو باستعمال عبارة تقنية، ظل خارج النطاق، وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا ركّزت الدعاية على عنصر ليس أساسياً داخل الفيلم؟
ربما علينا هنا أن نضع في حسابنا أكثر من متلقٍ: متلقي قاعات السينما التونسية مثلاً ومتلقي قاعات السينما الفرنسية، كل واحد منهما ينطلق من صورة مختلفة عن السينما التونسية، وعن الواقع التونسي الراهن، وهو موضوع الفيلم، ومن هنا يبدو نص الدعاية موجّهاً إلى المتلقي الفرنسي، بل تحديداً إلى مسلماته، ومنها ذلك التقسيم بأن الغرب فضاء الحريات الشخصية، في حين أن الشرق أو الجنوب، لا يزال الناس فيه يناضلون من أجل امتلاك الحد الأدنى من الحريات الشخصية.
"خمسة أيام، هو الوقت الذي تبقى للحكم بطلاق نورة من جمال المسجون بتهمة السرقة. نورة التي تحلم بالحرية، تستطيع أخيراً أن تعيش كما تريد مع عشيقها لسعد. غير أن جمال يطلق سراحه قبل نهاية حكمه، والقانون التونسي يعاقب بصرامة على الخيانة الزوجية... فيلم "نورة تحلم"
حبكة موفقة وكثيفة – ضمن المثلث الكلاسيكي: امرأة، زوج وعشيق، من أجل إضاءة صراع الحريات الشخصية مع مجمل الواقع الاجتماعي في تونس... قراءة لفيلم "نورة تحلم"
لن نعثر في الفيلم عن صراع مباشر بين نورة والقانون التونسي، فالشريط يسرد أساساً اضطراب البطلة وكيفية إدارتها لواقعها الجديد مع خروج زوجها من السجن. كانت لحظة التأسيس للعالم التخييلي للفيلم هي ترتيبات أخرى مع العشيق لسعد (حكيم بومسعودي)، حول إجراءات الطلاق، قبل أن تدخل نورة في دوامة جديدة مع إطلاق سراح زوجها جمال (لطفي العبدلي) المفاجئ. تتسارع الأحداث على وقع محاولات إخفاء ماضٍ قريب، ما يصطنع عالماً مأزوماً نجحت المخرجة بوجمعة في بنائه إلى حد كبير، لكنها فشلت في استدراج المتفرج إلى بناء مصداقية لهذا العالم، بسبب تكرّر وتشابه نوعية الأحداث وإمكانية توقعها، إضافة لهيمنة شخصية نورة على الفيلم، في حين أن الصراع كان يمسّ شخصيات كثيرة لم تصلنا منها إلا لمحات وجزئيات.
جميع شخصيات وأماكن الفيلم يمكن أن نضعها ضمن خانة "القاع الاجتماعي"، شخصيات تتحرك في أحياء الهامش في تونس العاصمة: المهن يدوية بأغلبها، الظروف المادية تبدو مضطربة، والعلاقات انفعالية في معظمها. إضاءة هذا الفضاء الاجتماعي كان نقطة قوة مفترضة بالنسبة للفيلم، لكنه بقي مجرد قاع مسطح، لا نعثر ضمن الفيلم على ارتباطات له مع بقية البنية الاجتماعية في تعقيدها وتفاعلاتها. في أحد المشاهد، ينتقم الزوج من العشيق فيجري القبض عليه وتحضر الأطراف الثلاثة إلى نقطة شرطة. الغريب هنا أن نفس الضابط الذي يتابع خطوات جمال، ويقاسمه من حين لآخر غنائم سرقاته، هو من يتدخّل لتسوية النزاع بين المتخاصمين. هكذا يبدو القاع التونسي في الفيلم مغلقاً تماماً.
مرة أخرى علينا أن نعود إلى حسابات التلقي، هل تلك الصورة التي يقترحها الفيلم تقارب فعلاً الواقع التونسي في نفس الفضاء الاجتماعي؟ ربما علينا أن ننتبه إلى أن السيناريو قد وضعته بوجمعة إلى جانب السيناريست والمخرج اللوكسمبوغي لوران برادنبورغر، وليس من المستبعد أن اليد الأجنبية قد أدارت الكثير من الأحداث بما تمليه عليها توقعاتها، توقعات السوق والحسابات الثقافية النمطية الكثيرة. لا ننسى أن إنتاج الفيلم مشترك: تونسي – فرنسي – بلجيكي.
ملاحظة قد تبدو عابرة لمن يطلع على التفاصيل التقنية للفيلم، ولكنها في "نورة تحلم" تتحوّل إلى معطى أساسي. وفي سياق ذلك قدرة الفيلم على الحضور في أكثر من مهرجان عالمي، ربما لولا الكثير من "التصرف" في الواقع التونسي لم يكن للفيلم أن يحقق بعضاً مما حققه من الحضور في قاعات أوروبا ومهرجاناتها. صورة قريبة من الواقع التونسي، وخصوصاً الجدل العميق الذي يدور فيه حول مسألة الحريات الشخصية ومأسستها، يبدو أنها ليست على هوى سوق السينما اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع