أثار تدخل إدارة جامعة "النجاح" الفلسطينية في نابلس لوقف عرض فني على مسرحها استياء العديد من الناشطين الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما بعد تبرير المسؤولين في الجامعة ما حصل بأن "ملابس الصبية وحركاتها لا تتناسب مع المجتمع النابلسي المحافظ".
كانت الفنانة الشابة عشتار معلم فد فدمت عرضها "انهيدوانا"، على خشبة مسرح تركي بن عبد العزيز بالجامعة الفلسطينية، في 10 كانون الأول/ديسمبر. وهو عمل فني معاصر يجمع الرقص والسيرك والشعر والموسيقى ويركز على المرأة ورفع قيمتها وعُرض في مناسبات وأماكن عدة.
العرض الذي حضرته وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية آمال حامد، كان قد انطلق بستاند آب كوميدي للشابة إيناس عباهرة، ومشهد غنائي لفرقة DAM.
وعندما بدأ عرض "انهيدوانا" ضمن فعاليات الحفل الختامي لحملة "كلنا ضد العنف" التي نظمت بالتعاون بين وزارة شؤون المرأة الفلسطينية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والجامعة، تدخل 3 أشخاص قالوا إنهم من المسؤولين في الجامعة لوقفه.
تمسك مدير مسرح عشتار، إدوارد معلم، بورود قرار رسمي من مجلس الجامعة لوقف العرض، ليُفاجأ بتدخل عميد كلية الفنون الجميلة في الجامعة، غاوي غاوي، وتوجهه إليه وطلب إيقاف العرض "بالقوة".
ووفق ما أظهرته مقاطع مصورة متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع محلية، لم يكتف عميد كلية الفنون الجميلة بوقف العرض، إذ اعتلى المسرح وقال: "هذه الجامعة تحترم نفسها، ولها قوانينها... اللي عاجبه عاجبه، واللي مش عاجبه ميجيش (لا يأتي) إلى الجامعة".
وسبق إيقاف العرض إطفاء الأنوار 3 مرات في المسرح وتصويبها نحو الجمهور، وهذا ما أدى إلى تشويش العرض وأثار استياء الحضور.
"خصوصية المجتمع"
العميد غاوي برر ، في تصريحات لمواقع محلية لاحقاً، تدخله لوقف العرض برغم الموافقة عليه، بأنه "لم تكن تتوفر لدى إدارة الجامعة رؤية كافية لشكل العرض" معتبراً أنه "يتنافى مع خصوصيات المجتمع في نابلس وقوانينه وأنظمته التي تتناسب مع عاداته وتقاليده".
وأضاف: "الجامعة في نابلس والمجتمع محافظ. ما يصلح عرضه في الناصرة وفي حيفا قد لا يصلح في نابلس وفي غزة. عندما ظهرت الفتاة بلباس وحركات غير محتشمة بالمفهوم الذي ذكرته، توجهت إلى مدير العرض وطلبت منه أن يختصر العرض إذا أمكن، بناء على طلب إدارة الجامعة، فقال لي بفظاظة وبعصبية ‘أخرج من هنا، لا أسمح لأحد بأن يتدخل في العرض‘".
وتابع: "هذا التصرف لم يكن لائقاً، إنه يطردنا من بيتنا. عندها توجهت إلى غرفة التحكم وطلبت منه إشعال الأضواء وعدم الاستمرار في العرض"، مشيراً إلى استكمال برنامج الحفل وعدم حدوث إشكالية سوى في عرض عشتار.
ونوه غاوي بأنه "نصير الحريات بشكل مطلق ولدي ثلاث بنات أسمح لهن باختيار ما يردن من لباس عند الخروج من البيت في الناصرة" لكن "لا أجد فتاة واحدة في نابلس تخرج من بيتها بالشورت (لباس قصير). هذه هي العادات والتقاليد في المجتمع النابلسي. إذا كان في الجامعة 24 ألف طالب، فإنهم قد لا يوافقون على هذا العرض".
لكن تبريره زاد الطين بلة كما يقول المثل الشعبي، إذ أثار غضب الكثيرين واعتبروا أنه يكشف عن "جهل".
إيقاف عرض فني تعبيري في جامعة النجاح الفلسطينية بسبب "خصوصية المجتمع النابلسي" يثير استياء ناشطين فلسطينيين من "البؤس الثقافي" و"تمادي العنف والفكر المتسلط ضد المرأة" في بلدهم
عشتار معلم عن توقيف عرضها: "الاعتذار الحقيقي الوحيد هو إعادة برمجة العرض مرة أخرى لتقديمه في جامعة النجاح. الأمر يتعلق بقمع حرية التعبير وصوت المرأة وليس مجرد عرض"
عنف ضد المرأة في فعالية تكافح العنف
وعبر حسابها في فيسبوك، أوضحت عشتار معلم أنها كانت متحمسة لأداء العرض أمام "800 متفرج، بينهم طلاب ومدرسون وممثلون عن المؤسسات المحلية والدولية".
وأضافت: "ما إن ظهرت المرأة الفلسطينية على خشبة المسرح وهي تتسلق حرير السيرك مذكرةً الحضور بالوقت الذي كانت فيه النساء آلهة، حتى ظهر رجل وقمع العرض بحجة أنه لم يكن مناسباً".
روت عشتار بكلمات مؤثرة كم تحملت الأجواء المتوترة وحرصت على أداء ما استطاعت من مشاهد العرض في ظل تفاعل كبير وحماسة وتصفيق من الحضور، قبل أن يأتيها صوت والدها معلناً "الجامعة توقف العرض".
ولفتت إلى أنها تعرضت لتجربة مشابهة في نابلس أيضاً عام 2013 وكان المبرر نفسه "التقاليد المجتمعية".
وعبرت عن مشاعرها لدى صعود عميد كلية الفنون المسرح واعتباره العرض "غير مناسب لعقلية الجامعة"، فقالت: "سالت دموعي بغزارة وشعرت باضطهاد كبير".
وفيما أعربت عن امتنانها للدعم الذي حصلت عليه من الفنانين الفلسطينيين ومن الجميع عبر الرسائل والمكالمات، بينت أن الأمر ليس متعلقاً بوقف العرض فحسب، بل كذلك بـ"حرية التعبير في فلسطين، وصوت المرأة، والرقابة، ودور الفن في إحداث التغيير".
وختمت: "الاعتذار الحقيقي الوحيد هو إعادة برمجة العرض مرة أخرى لتقديمه في جامعة النجاح".
"جهل وبؤس ووصاية"
أما الناشطة النسوية الفلسطينية صفاء عبد الرحمن ماضي، التي كانت في عداد شهود العيان على إيقاف العرض، فقد دانته عبر حسابها في فيسبوك معتبرةً أنه "عنف وانتهاك لحقوق وحريات كل من حضر/ت الحفل".
وكتبت ماضي: "شاهدوا واستمعوا لما جرى والمبررات التي استخدمت، وزج بتاريخ الجامعة الوطني وتخريج المناضلين في تبرير العنف الذي مورس في منع العرض"، مردفةً "جسد عشتار النحيل والقوي والمعبر والمحترم فضح ذهنيتكم الذكورية المتسلطة التي تستخدم سلطتها وموقعها في الرقابة على عقول الطلبة".
لكنها لفتت في الوقت نفسه إلى أن منع استكمال العرض "ليس غريباً (على المجتمع الفلسطيني)، فالعنف يطل علينا من كل حدب وصوب". ودعت ختاماً إلى محاسبة كل من تدخل لوقف العرض.
الإدانة لم تكن نسوية فقط، إذ رأى الشاعر الفلسطيني غسان زقطان أن وقف العرض مسرحي و"التبرير البائس" للمسؤول في الجامعة، غاوي، "يعكس جهلاً محزناً لقيمة أي عمل فني، وإهانة جديدة في سلسلة اهانات طويلة من هذه المؤسسة وغيرها للمنجز الثقافي الفلسطيني بتنويعاته. ما جرى هو تعبير عن البؤس الثقافي الذي ترتع فيه مؤسساتنا".
ونبه إلى أن ذلك التصرف "يتطلب تدخلاً من وزارتي التعليم والثقافة وموقفاً من المؤسسات الثقافية (الفلسطينية)" لأنه "من المحزن حقاً أن يتحول الجهل إلى وصاية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...