شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"العلاقات بينهما في أسوأ مراحلها"... على ماذا يراهن الأردن في تصعيده مع إسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 6 ديسمبر 201910:24 م

وصلت العلاقات الإسرائيلية - الأردنية إلى أسوأ مراحلها وذلك بحسب تأكيدات ملك الأردن عبد الله الثاني خلال جلسة حوارية استضافها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" في نيويورك قبل عدة أيام، قائلاً إن علاقات بلاده بإسرائيل "في أدنى مستوياتها على الإطلاق".

بموازاة ذلك، أعرب الملك الأردني عن أمله بأن تتمكن إسرائيل من رسم وتحديد "مستقبلها"، خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، في إشارة إلى التعثر في مشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية في أعقاب الانتخابات التي أُجريت قبل أسابيع.

وطالب الملك الولايات المتحدة بـ"إعادة تركيز الجهود على جمع مختلف الأطراف على طاولة المفاوضات" و"النظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس".

مؤشرات وخلفيات لتصاعد التوتر

تعددت المؤشرات حول تدهور العلاقات بين الجانبين، وربما يأتي على رأسها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة عن نيتهم ضم غور الأردن، ومماطلة تل أبيب بتنفيذ مشروع قناة البحرين التي تربط البحر الميت بالأحمر وتفيد عمان بتحلية المياه.

تُرجم التصعيد بإجراء الجيش الأردني تدريبات غير اعتيادية الأسبوع الماضي تحاكي "غزواً إسرائيلياً" للأردن، ما اعتُبر "رسالة سياسية" رفعت من منسوب التوتر.

ومن المؤشرات كذلك على تدهور العلاقة عدم تجديد الأردن اتفاقية تأجير منطقتي الباقورة والغمر على الحدود، وتجاوز إسرائيل صلاحيات عمان بالإشراف على إدارة المقدسات في القدس المحتلة، إضافة إلى تطور العلاقات بين دول خليجية وإسرائيل على حساب الأردن.

يُضاف لما سبق رفض الأردن خطة تصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، وهو الملف الأوسع في تدهور هذه العلاقات.

وتُرجم التصعيد بإجراء الجيش الأردني تدريبات غير اعتيادية الأسبوع الماضي تحاكي "غزواً إسرائيلياً" للأردن، ما اعتُبر "رسالة سياسية" رفعت من منسوب التوتر بين عمان وتل أبيب.

وأطلق الجيش الأردني على المناورات اسم "سيوف الكرامة 2019"، نسبة الى اسم "معركة الكرامة" عام 1968 التي هُزمت فيها إسرائيل أمام القوات المشتركة للجيش الأردني وحركة "فتح" الفلسطينية.

خطر حقيقي أم استهلاك إعلامي؟

أمام هذه التطورات، يُطرح السؤال عما إذا كانت المناورات الأخيرة تشكل خطراً حقيقياً على الأردن أم أنها تأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي لتخفيف توتر واحتقان الشارع الأردني حيال إسرائيل؟

يشير المحلل والخبير الأمني عمر الرداد في حديثه لرصيف22 إلى أن السبب في تأزم العلاقة بين الأردن وإسرائيل يعود للإجراءات التي اتخذتها الأخيرة تجاه عملية السلام منذ ما يزيد على عشر سنوات من قيادة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية، وخضوع رئيس الوزراء لاشتراطات أحزاب اليمين المتحالف معها.

يضيف الخبير الأمني موضحاً أن هذه الإجراءات ضربت الأسس التي قامت عليها عملية السلام مع الفلسطينيين والأردن، وتحديداً في قضيتي القدس واللاجئين، وقد ساهم في ذلك إدارة أمريكية يمينية محكومة لاتجاهات اللوبي اليهودي الأمريكي، وانقسام فلسطيني عميق بين حركتي فتح وحماس.

ولفت الرداد إلى أن التراجع الكبير في العلاقات الأردنية-الإسرائيلية ترجمه الملك الأردني وولي عهده الأمير الحسين بتأدية صلاة الظهر لحظة وصولهما لأراضي الباقورة المستعادة من الاحتلال.

من جهته، يعلق الصحافي والمحلل السياسي الأردني علاء الفزاع على صلاة الملك وولي العهد في الباقورة وعلى المناورة الأخيرة التي أجراها الجيش الأردني باعتبارهما مؤشراً واضحاً واستفزازياً لنتنياهو، وبكونهما محاولات من قبل النظام في الأردن لإظهار "أننا لسنا على وفاق مع إسرائيل"، لافتاً إلى أن توتر العلاقة لم يعد أمراً سرياً خصوصاً في ظل عدم توفر كيمياء شخصية بين عبد الله ونتنياهو.

إضافة إلى ذلك، يبدي الأردن إصراراً غير مسبوق في محاكمة الإسرائيلي كونستانتين كوتوف المتهم بـ "التسلل إلى الأراضي الأردنية بصورة غير مشروعة" و"حيازة مخدرات"، رافضاً إعادته إلى الجانب الإسرائيلي.

في المقابل، يذكر الفزاع في حديثه لرصيف22 باعتقال إسرائيل للمواطنة الأردنية هبة اللبدي والمواطن عبدالرحمن مرعي، من دون توجيه أي تهم لهما، قبل أن يتم الإفراج عنهما الشهر الماضي.

ويرى المحلل السياسي بأن إسرائيل تسعى إلى التركيز على العلاقة الجيدة بينها وبين الدول العربية ومنها الأردن، في محاولة لإحراج السلطة الأردنية أمام شعبها.

من ناحية ثانية، يبدو أن الأردن يسعى إلى استغلال حالة العداء مع إسرائيل لتحقيق مكاسب شعبية في الداخل والتعويض عن نقص الشعبية الناتج عن الفساد وعن الاعتقالات وقمع الحراك الشعبي.

ماذا عن الجانب الاستراتيجي؟

"هذه الأشياء الشكلية في العلاقة مع إسرائيل لا تؤثر على القضايا الاستراتيجية ومن ضمنها التنسيق الأمني والتواصل الاستخباراتي في عدد من الملفات الكبيرة"، بحسب الفزاع الذي يقول إن الحرب الإعلامية لا تعني أي تغير استراتيجي في طبيعة العلاقة بين الطرفين.

كيف ذلك؟ يجيب الفزاع قائلاً: "إذا لم تذهب الحكومة ومعها البرلمان الأردني إلى مراجعة اتفاقية وادي عربة، بالإضافة إلى الاتفاقية المجحفة التي وُقّعت عام 2016 لتزويد الأردن بالغاز من حقل ليفياثان البحري بقيمة 10 مليارات دولار، فإن القضية لا يتم النظر إليها بمنظار صلاة على الحدود أو إجراء مناورة".

من جانبه، يسعى عضو المجلس الوطني الفلسطيني نجيب القدومي إلى تعزيز وجهة نظر الرداد وإلى مخالفة ما يطرحه الفزاع، مؤكداً أن التصرفات الإسرائيلية - خاصة في الآونة الاخيرة - من الواضح أنها تستهين بالأردن وتتجاوز الخطوط الحمراء في العلاقة بين الطرفين.

وصلت العلاقات الإسرائيلية - الأردنية إلى أسوأ مراحلها وذلك بحسب تأكيدات الملك عبد الله الثاني قبل أيام... فكيف يُفهم التصعيد الأخير بين الطرفين وما هي مؤشراته؟ 
تعددت المؤشرات حول تدهور العلاقات بين الأردن وإسرائيل وصولاً إلى "أدنى مستوياتها على الإطلاق"... فهل التصعيد الأخير بمثابة خطر حقيقي أم أنه لمجرد الاستهلاك المحلي؟ وعلى ماذا يراهن الأردن؟ 

ويشير القدومي إلى أن العلاقات بين الأردن وإسرائيل في أسوأ حالاتها بسبب عدة عوامل منها "دعوة إسرائيل لضم الأغوار وزيادة الاقتحامات للمسجد الاقصى والحرم الابراهيمي ومحاولة تعزيز وجود سلطات الاحتلال في الخليل، خاصة بعد أن نقل ترامب سفارته للقدس واعترف بها عاصمة موحدة للكيان الاسرائيلي الغاصب وشرعن المستوطنات وحارب الأونروا وتآمر على حق اللاجئين بالعودة".

من المعني بالتصعيد؟

في خضم هذا التوتر، يحضر السؤال حول رهان الطرفين على إطالة أمد التصعيد، وإلى أي مدى ممكن أن يستمر بينهما، وهل التصعيد فعلي أم أن الأمور تصب في خانة شعارات إعلامية للاستهلاك المحلي؟

يجيب الرداد، المقرب من دوائر صنع القرار الأردنية وخاصة الأمنية منها، بالقول إنه رغم التصعيد الذي تشهده العلاقة بين الجانبين إلا أن هناك حالة إدراك في الدولة العميقة لدى الجانبين على أهمية الالتزام بمعاهدة السلام، خاصة بالنسبة لإسرائيل وذلك لأسباب مرتبطة بالأمن القومي الإسرائيلي.

من هنا، حسب الرداد، من الصعب القول إن التصعيد الحالي سيؤدي إلى تبعات تصل حد إلغاء معاهدة السلام، لكن ذلك لا يعني بالضرورة توقف مظاهر التصعيد، مشيراً إلى أن الأخير يتم من قبل الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو في سياق محاولاته تحسين مواقعه في الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، خاصة مع الضغط الذي يواجهه بتهم ارتكاب قضايا فساد.

على ماذا يراهن الأردن؟

يظل رهان عمان صعباً وغير محسوب النتائج في تصعيدها المباشر مع إسرائيل، فما هي الأوراق التي يراهن عليها الأردن في ظل توتر العلاقات مع دول إقليمية ومحورية مثل السعودية والإمارات؟

يجيب الرداد بأن "القيادة الاردنية تدرك حجم التحولات والتغيرات الدولية على صعيد التحالفات وتبدلات موازين القوى، إلا أنها تستند لرأي عام داخلي يؤيد وبشدة الإجراءات الأردنية في مواجهة اسرائيل".

ويضيف: "خارجياً على الرغم من الحملة الإعلامية المرافقة لصفقة القرن ومضامينها، بما في ذلك ما تردد حول إمكانية مشاركة أطراف عربية فيها، إلا أن كافة الدول العربية والإسلامية ما زالت ملتزمة بحل الدولتين، إضافة إلى أطراف دولية ممثلة بالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين تؤكد التزامها بحل الدولتين، ناهيك عن أوساط فاعلة داخل الدولة الأمريكية العميقة وفي اسرائيل تكن احتراماً وتقديراً للأردن".

لكن الفزاع يذهب إلى مخالفة الرداد في رؤيته تماماً، مشيراً إلى أن الأردن لا يحوز أدوات سياسية ضد إسرائيل لذلك لا يوجد تصعيد حقيقي بل هو تصعيد إعلامي وحسب، مشيراً إلى أن التصعيد الأخير من قبل الأردن سببه شعوره بأن صفقة القرن يتم تنفيذها بفعل الأمر الواقع من دون علمه وموافقته وعدم قدرته على التأثير.

مستقبل غير واضح المعالم

يبقى مستقبل العلاقات الأردنية - الإسرائيلية أمراً غير واضح المعالم، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، خصوصاً في ظل مستقبل غامض وغير محسوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

الضغوط الجماهيرية في لحظة معينة قد تدفع الملك الأردني لإجراءات بخصوص معاهدة وادي عربة وبالذات إذا أصبحت الخسائر كبيرة على الساحة الداخلية.

وهنا يلفت الرداد إلى أنه لا يمكن تجاوز حقيقة أن غياب نتنياهو عن المشهد السياسي ربما يفتح آفاقاً جديدة لعملية السلام، دون أن يعني ذلك العودة إلى ما كان يوصف بالسلام الدافئ.

وفي نهاية الأمر يذهب الفزاع إلى موافقة وجهة النظر التي يتبناها  الرداد والقريبة من الرؤية الرسمية، معتبراً أن مستقبل العلاقات الأردنية-الإسرائيلية، يتجه اتجاهاً صعباً على جميع الجهات، بسبب البديل الآخر المتمثل في رئيس الأركان الأسبق لجيش الاحتلال بني غانتس، فهو بمثابة نتنياهو جديد يرتدي ثوباً مختلفاً لا أكثر.

ويختم الفزاع حديثه بالتأكيد على أن تصاعد المد الشعبي والضغوط الجماهيرية في لحظة معينة قد تدفع الملك الأردني لإجراءات بخصوص معاهدة وادي عربة وبالذات إذا أصبحت الخسائر كبيرة على الساحة الداخلية، فـ"سيحاول أن يعوض ذلك عن طريق مكاسب شعبية تخص اتفاقية وادي عربة، وهذا يعقد الأمور ويجعلها تتجه إلى حال أسوأ من كل الفترات الماضية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image