شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
جلسة مع رجال ليبيبن يتشاركون قصص

جلسة مع رجال ليبيبن يتشاركون قصص "رحلاتهم الجنسية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 25 نوفمبر 201905:30 م

لا يوجد في ليبيا قوانين تنظم العمل الجنسي أو الخدمات الجنسية للعاملين أو العاملات في هذا المجال، فالتركيبة المجتمعية المحافظة والأعراف الليبية المتجذرة تمنع تقديم هذا النوع من الخدمات بشكل علني، أما الحرب فجعلت إمكانية الوصول إليها أو رصد وجودها في غاية الصعوبة، ما يدفع شباب ليبيين للتوجه إلى دول قريبة جغرافياً كمصر وتونس وأحياناً المغرب لممارسة الجنس مقابل بدل مادي أو عيني.

مصادفة عفوية مع صديق جمعتني بعدد من رفاقه، وضعتني على تماس مع تفاصيل كثيرة يحكونها ويتباهون بها في سياق حديثهم عن "رحلاتهم الجنسية".

في بادئ الأمر ظهروا بشكل محافظ ورصين، لكن بدا أن وجودي باغتهم واضطرهم لإقفال حديث كان قد بدأ قبل "اقتحامي" لجلستهم المريحة. تغيّر الأمر عندما طلب منهم صديقي ألا يخجلوا، لكوني صحافية أولاً ومعتادة على سماع روايات مماثلة، ولأن "هناك من يعتبر هذه التجارب محتوى ثرياً لعمل مكتوب أو قيمة فنية ما"، وكان يقصدني بكلامه.

هنا مجموعة رجال ليبيين تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والأربعين. يواظبون على مقهى معروف للنرجيلة في مدينة طرابلس، وقد اعتادوا مشاركة قصصهم وتجاربهم الجنسية التي يخوضونها خارج إطار زواجهم وخارج حدود وطنهم.

تبادل أرقام وحسابات 

مع تقدم الوقت في الجلسة وتدافع التفاصيل كانت صدمتي تزداد، حتى علّق أحدهم بالقول إن اللقاء أصبح "رطباً" بالحكايات.

يتبادل هؤلاء أرقاماً وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض عاملات الجنس اللواتي تعاملن معهن في السابق.

ومع الخدمة التي يقدمها أحدهم للآخر، يتفاخر بعدد المرات التي أفقد فيها فتاة عذريتها وبما في حوزته من أرقام لفتيات. يقول إنه لا يتردد في مشاركتها مع غرباء ومع معارف راغبين في التعامل المستقبلي معهن دون الحفاظ على أدنى خصوصية لمهنتهن أو لطبيعة نشاطهن.

الفضول الصادر مني جعل من هذه الجلسة تأخذ منحى أكثر جدية. أسئلتي الموجهة بشكل مباشر ومحدد لهم ساهمت في تأطير الحوار والنقاش ضمن الحريات الفردية بمعزل عن الحظر الديني والعرفي لها.

يروي أحد الحاضرين وفضّل أن يسمي نفسه صالح عمار (31 سنة) أنه يعمل في سوق العملة في طرابلس ويمضي معظم وقته في مجموعات المحادثات السرية على تطبيق فايبر.

يتعامل "صالح" بشكل "خبيث" (حسب وصفه لنفسه)، إذ يقدم على تصوير نساء كـ"ضمانة" يهددهن بها في حال تهربن أو امتنعن في كثير من المرات عن لقائه أو قضاء الوقت معه.

يواظب صالح على الحديث مع نساء مغربيات وتونسيات، ويحاول التودد لهن بشكل ذكي ليكتسب ثقتهن، مستفيداً من إتقانه للهجات عديدة - كونه تاجر عملة - ومن شبكة علاقاته الواسعة التي يتيحها له عمله.

يعلق صالح بأنه يعتمد "استراتيجية" معينة للتعرف على عاملات الجنس والقوادين لهن في تونس.

يقول إنه غالباً ما يقبل على تنظيم جلسات ليلية وسهرات خاصة في شقق أو فلل مستأجرة عن طريق أشخاص آخرين تربطه بهم علاقة صداقة أو معرفة معينة، ويحرص على دفع مبلغ شبه مضاعف لصاحب المكان كي يتفادى أي نوع من المشاكل معه.

يتردد صالح على هذه الأحياء بشكل دوري ( مرتين إلى ثلاث مرات شهرياً) من خلال عقد اتفاق مسبق مع هؤلاء العاملات من حيث المبلغ الذي يرغبن في استلامه في حالات مختلفة (الرفقة فقط، أو الرفقة والخروج، السهرات الخاصة، أو ممارسة الجنس).

يقول: "تختلف الأسعار لكل خدمة تقدمها تلك النساء حيث تبدأ من 10$ لليلة وترتفع في حال تقديم خدمات أخرى، فالكثير منهن يعتذرن عن الذهاب للسهر خارجاً كالذهاب للملاهي الليلية أو الحانات، ولكن يفضلن البقاء مع شخص أو اثنان في مكان خاص بهما، ولكن هناك نساء أخريات يفضلن الرفقة والتعرف على الرجال في أجواء صاخبة وراقصة بدل التواجد معهم في أماكن خاصة".

"الفتيات المرغوبات" 

يتفاخر صالح بـ"قوة" قضيبه أمام أصدقائه، بينما يتناقشون جميعاً حول الأسعار فيعتبر أحدهم أن عشرة دولارات أو أقل مبلغ لا تستحقه الكثيرات اللواتي يُعتبرن بنظر هؤلاء الرجال "مستهلكات" أو "عاملات رخيصات"، أما "العذراوات" أو "الفتيات المرغوبات" كما يقولون هن اللواتي يستحققن مبالغ أكبر.

يعتبر أحدهم أن عشرة دولارات أو أقل مبلغ لا تستحقه الكثيرات... هنا مجموعة رجال ليبيين، يواظبون على مقهى معروف للنرجيلة في مدينة طرابلس، حيث اعتادوا مشاركة قصص تجاربهم الجنسية التي يخوضونها خارج الحدود

لا يذكر صالح وأصدقاؤه النساء بأسمائهن وحسب، بل يتعمدون إقرانها بمصطلحات الوصم كـ"القحبة" و"الرخيصة"، شاعرين بتفوقهم عليهن... جلسة مع رجال ليبيين يتشاركون قصص "رحلاتهم الجنسية" 

يتعامل "صالح" بشكل "خبيث" (حسب وصفه لنفسه)، إذ يقدم على تصوير نساء كـ"ضمانة" يهددهن بها في حال تهربن أو امتنعن في كثير من المرات عن لقائه أو قضاء الوقت معه ومع أصدقائه.

يعلّل صالح ما يفعله بـ"صعوبة الحصول على رفيقات أو عاملات للجنس بشكل دائم على مدار السنة"، لكنه يستدرك بأنه يقوم فقط بتهديدهن شفهياً لا أكثر ويستبعد فكرة نشر ما يصوره على الإنترنت لما قد يشكله الأمر من خطورة على كلا الطرفين.

في الجلسة، لا يذكر صالح وأصدقاؤه النساء بأسمائهن وحسب، بل يتعمدون إقرانها بمصطلحات الوصم كـ"القحبة" و"الرخيصة، شاعرين بتفوقهم عليهن، وهو شعور يتشاركه شباب كثر في الدول العربية إزاء عاملات الجنس.

بعض من في الجلسة حاول موازنة الأمر، فقال إن سبب انخراط النساء في العمل الجنسي هو الفقر والبطالة وسوء الوضع المعيشي، وقد تكون حاجتهم إلى مواكبة الحياة العصرية مثل أقرانهن من هواتف ذكية إلى ملابس جديدة يدفعهن لاستسهال تقديم الخدمات الجنسية والعمل الليلي بشكل عام عن بقية الوظائف المكتبية أو المهن الحرفية.

يرد صالح مستنكراً: "هؤلاء الفتيات لسن ضحايا كما يعتقد البعض فهن يحصلن على هدايا مسبقة ودعوات عشاء فاخرة أكثر من حصولهن أحياناً على مقابل مادي أو مبلغ مالي، فالكثيرات يطلبن شحن رصيدهن الهاتفي أو دفع تكلفة البنزين كما يطلبن أيضاً شراء بعض الحاجيات الخاصة بهن كالعطور والماكياج قبل إقدامهن على تقديم أي خدمة".

يتدخل أيمن بقوله: "عاملات الجنس بشر مثلنا ويقدمن خدمات كالطهاة والأطباء وغيرهم، فالعمل الجنسي شاء المجتمع أو أبى مهنة مرغوبة ومطلوبة".

يقاطع صديق صالح الذي أطلق على نفسه اسم أيمن فيصل (38 عاماً)، وهو محامي وناشط في العمل المدني، الكلام معترضاً، ويجيب: "عاملات الجنس وفتيات الليل هن ضحايا لمجتمع جعل منهن عاملات في الخفاء، هن ضحايا للفقر والاستغلال والرأسمالية فالعميل الذي سيوفر لها هاتف أو دعوة عشاء فاخرة لن تجد مثيلاً له في عمل حكومي أو أي حرفة تمتهنها في مكان آخر، كما أن جسدها هو ملكية خاصة لها ولا يحق لأي شخص أن يحاسبها على تصرفها به حتى وإن كان والدها أو أخيها".

تشتد النقاشات حول هذا الأمر ويبقى جزء من المجموعة مناهضاً لفكرة العمل الجنسي أو التصرف الشخصي بالجسد كونه عمل مخالف للأعراف المجتمعية والأديان، فيما تبقى المفارقة أن الرجال يمارسون العمل الجنسي بنفس الكيفية والكم ولكن "رجولتهم" تجعلهم غير مذنبين وكأنهم ليسوا طرفاً في هذه المعادلة، بينما يذهب جزء آخر للدفاع عن حق النساء في امتهان ما يحلو لهن طالما أنهم لا يتسببن في ضرر شخص بعينه.

يتدخل أيمن بقوله: "عاملات الجنس بشر مثلنا ويقدمن خدمات كالطهاة والأطباء وغيرهم، فالعمل الجنسي شاء المجتمع أو أبى مهنة مرغوبة ومطلوبة ولا يحق للأعراف الاجتماعية التحريض ضد هؤلاء النسوة كونهن يمتهن عملاً غير قانوني أو غير شرعي".

الخفاء أهون

ثم يتساءل أيمن: لماذا يعد العمل الجنسي غير قانوني؟

أتت الإجابات متضاربة بخصوص هذا السؤال، فالبعض ذهب إلى أن العمل الجنسي كلما كان خفياً كلما كان أصلح للمجتمع، لأن رواج هذا النوع من الأعمال علناً وبشكل عادي يساهم في إفساد المجتمع.

"نحن بلد مسلم ويجب علينا أن نحترم الدين مهما كانت أفعالنا محرمة ولكن خفاءها يبقى أهون كثيراً من علنيتها"، قال أحدهم.

الجملة استفزت أيمن وذهب إلى تسمية هذا بالنفاق واعتبار أن كل الأفعال التي يقومون بها في الخفاء ولا يستطيعون إبرازها في العلن تدل على طبيعتهم المنافقة و"ليست احتراماً أو تقديراً للمجتمع المسلم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image