بقيت الكاتبة إسراء أبو زيد 8 سنوات تراسل دور نشر باحثة عن عرض مناسب لنشر كتاباتها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. فكل دار نشر، كبيرة كانت أو صغيرة، تطلب مبلغاً مالياً نظير طبع الكتاب، الأمر الذي دفع الكاتبة إلى البحث عن أقلّهم تكلفة.
تقول إسراء لرصيف22: "كانت الردود من دور النشر استغلالية وذلك بأن أتحمَّل تكاليف الطبع والنشر، إذ طلبت إحدى دور النشر 8 آلاف جنيه مقابل طبع 500 نسخة، ودار أخرى 25 ألف".
تنقسم دور النشر إلى ثلاث فئات، إمَّا دور تتحمل تكاليف النشر، أو تكون التكاليف مناصفة بين الدار والكاتب، وأخرى يتحمل فيها الكاتب تكاليف النشر، والأخيرة أصبحت الأكثر انتشاراً ورواجاً.
تعاقدت إسراء في عام 2017 مع دار نشر، لكن بنود العقد "كانت مجحفة بالنسبة للحقوق"، بحسب إسراء، فليس من حقها إعادة نشر الكتاب ذاته مع دار أخرى خلال 5 سنوات، وليس من حقها الحصول على عائد البيع، وخلال تعديل بنود في نسخ العقد، وصلت إسراء إلى أقرب صيغة يمكن أن تحصل بها على حقوقها حينها، ألا وهي نسبة 50% من بيع الكتاب، كما خفضت إسراء حقوق طبع الرواية مع دار أخرى إلى عام واحد فقط.
العقد الذي تمَّ تحريره، كان من بنوده أن تتحمّل هي تكاليف الطباعة مقابل 50% من الإيرادات، توضح إسراء: "ماكانش في حل غير العقد ده، وبالفعل وُزِّعت الطبعة الأولى بالكامل".
نفدت الطبعة الأولى من المجموعة القصصية "حكاية ملاك"، واختلفت مع دار النشر، وتم فسخ العقد، وصفت إسراء التجربة بأنها كانت سيئة ومزعجة، تقول: "طبعت الطبعة الثانية على حسابي وقمت بتوزيعها على المكتبات، وساعدني الأصدقاء بعمل حفل توقيع ما ساهم في تسويق الكتاب بشكل جيد".
"الشهرة مقابل الفلوس"
حرَّرت الحكومة المصرية سعر صرف العملة الأجنبية مقابل الجنيه المصري في بداية شهر نوفمبر 2016، ما جعل سعر الدولار يرتفع من 8 جنيهات تقريباً إلى نحو 18 جنيهاً خلال أيام، وأثر ذلك على أسعار الطباعة والورق والأحبار، وبالتالي قلَّصت دور النشر فرص طبع كتب جديدة.
"دور النشر المصرية باتت تحصل على مقابل مادي نظير طبع الكتاب، وتلعب على مشاعر شباب يريدون شهرة سريعة، ويفرحون بلقب كاتب"
"دور النشر في مصر تبدأ في نشر الوهم بخصوص نشر الكتاب وتسويقه وعرضه في معارض دول عربية، إلا أن ذلك في الغالب لا يحصل، فالدار لا تهتم بتسويق الكتاب عقب الحصول على أموال الطبع"
كان للكاتب أحمد عبد الرحيم، صاحب رواية "بيت القطة"، وصدر له ديوان شعر، تجارب مع دور نشر عدة، ويوضح في حديث لرصيف22 أن دور النشر باتت تحصل على مقابل مادي نظير طبع الكتاب، وتلعب على مشاعر شباب يريدون شهرة سريعة ويفرحون بلقب كاتب، ويوهمونهم بذلك.
دفعت الكاتبة سارة بيصر نحو 2500 جنيهاً (ما يقرب 190 دولار) مقابل طبع كتابها "أنثى في رقصة مع الحياة" الذي صدر في 2018، من أجل طبع نحو 500 نسخة، وعلى الرغم من ذلك لم تستطيع بعد مرور نحو عامين أن تحصل عوائد بيع كتابها.
وتقول سارة لرصيف22 إن الدار ماطلت في دفع المقابل المادي، فبين الحين والآخر يتم تأجيل موعد الدفع.
"مادام الناشر خد الفلوس خلاص لا يهتم بتسويق الكتاب أو حتى دفع أموال الكاتب".
ترى بيصر أن دور النشر بدايةً تبدأ في "نشر الوهم" بخصوص نشر الكتاب وتسويقه، وعرضه في معارض دول عربية، إلَّا أنَّ ذلك في الغالب لا يحصل، فالدار لا تهتمّ بتسويق الكتاب عقب الحصول على أموال الطبع، موضحة: "مادام خد الفلوس خلاص لا يهتم بتسويق الكتاب أو حتى دفع أموال الكاتب".
وتابعت: "دار النشر تسعى إلى توفير مستحقاتها، وعادة يكون هناك كتاب جدد، ويعتمدون على عقود احتكار حتى يجبروا الكاتب على الاستمرار في الطبع مع الدار".
"بيزنس رائج"
ترى الكاتبة ميرفت البلتاجي، أن طباعة الكتب أصبحت "بيزنس"، وأنه بالرغم من ارتفاع أسعار الورق لأرقام فلكية تطبع العديد من دور النشر كتباً كثيرة كل سنة، موضحة: "بالتأكيد هم شايفين أن هذا العمل فيه مكسب كبير وإلا ليه المخاطرة".
تعاملت البلتاجي مع دار نشر منذ 2014، طبعت معهم ثلاث روايات: "أماليا"، و"حارسة القصر"، و "ناريسا"، وترى أنَّ بعض دور النشر تعتمد على دفع الكاتب في بداية تعاملاته أموالاً مقابل طبع روايته من أجل الشهرة.
تضيف البلتاجي لرصيف22: "كل كاتب لا يحصل على مستحقاته من دار النشر يحق له هذا الاعتقاد، خاصة إذا أبلغته دار النشر بنفاد الطبعة ثم تراوغه في دفع مستحقاته، أو تساومه أن يأخذ حقه نسخاً، مثل ما تفعل غالبية دور النشر بالفعل".
تقول البلتاجي، إن أول رواية طبعتها كلفتها نحو 1500 جنيه (حوالي 90 دولار) لطبع 500 نسخة وتم تحرير عقد بذلك.
"النشر الذاتي هو الحل"
ترى إسراء، التي صدر لها ثلاث روايات، أن تحمل الكاتب تكاليف طباعة كتابه يحدث من دور النشر الكبيرة أيضاً، وأنها تطلب مبالغ أكبر بحجة أن الكاتب ليس مشهوراً ويكفي أن يكون اسم الدار على كتابه، أما الدور الناشئة فالأمر بالنسبة لها "مجرد بيزنس".
استطاعت إسراء أن تتخطى الإخفاقات التي مرت بها في كتابها الأول، خلال طبع روايتها الثانية "بداية بمنتصف الطريق" وتقول: "كانت بمجهود ذاتي، تكفلت بكل فلوس النشر ووزعت على المكتبات في طنطا وكفر الشيخ والمنصورة والمحلة والقاهر، وعملت حفلات توقيع وكانت النتيجة أحسن، استطعت طبع 500 نسخة، ولسه موجود 100 في المكتبات".
تقول إسراء إن أفضل الحلول للكتاب الذين يريدون طبع روايتهم حال عدم توافر فرصه مناسبة من دور النشر، أن يطبع كتابه بمجهود ذاتي، وذلك بعد الانتهاء من الكتاب، وتحويله لملف ورد، وبعد ذلك التنسيق والمراجعة اللغوية والإعداد للطباعة، وهذا يتم بالمطبعة، ثم البحث عن مطبعة بسعر مناسب، ويعقب ذلك تصميم غلاف مناسب، وتؤكد الكاتب على أن خطوة المطبعة هي الأهم، ثم يحصل الكاتب على رقم الإيداع والترقيم الدولي لحفظ حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالعمل الأدبي.
وتضيف: "بعدها يفتح عالم التسويق والترويج لكتابك أمام عينك، من خلال المكتبات والموزعين المختلفين، الكاتب يقوم بدور كبير ومجهود مرهق اعترف بذلك، ولكن هو الحل الأمثل في حال أنك لم تصل لعرض مناسب من دار النشر".
"غلاء الطباعة يضر القارئ"
يقول سيف أحمد، مدير دار "يافي" للنشر، إن "غلاء الطباعة لا يضر أحداً سوى القارئ، وأنا كناشر عندما أطبع كتاب ما يكلفني قرش سأبيعه بقرشين وإذا طبعته بقرشين أبيعه بثلاثة، وهكذا فمكسبي سيأتيني بفضل الله وسأعوض الغلاء عند البيع".
ويضيف خلال حديثه لرصيف22، من يتقاضى مقابلاً من الكاتب ليس "نصاباً" بالضرورة، لكن من الممكن أن نقول إنها قلة خبرة أدت إلى ذلك، وظهوره في ثوب المحتال، ناصحاً الكاتب الذي يرى في نفسه موهبة تستحق العناء ألا يستعجل أبداً، وأن تعجله هو ما يوقعه في هذا الموقف.
يتكرر الأمر مع عدد من الكتاب في روايتهم الأولى، ما يجعل البعض يبتعد عن تلك التجربة ويتجه إلى النشر الإلكتروني، بعيداً عن الربح المادي، من خلال جلسات التوقيع أو حضور معارض الكتب في مصر أو الدول العربية، الأمر الذي يجعل فرص الانتشار أصعب نسبياً.
يعلق صاحب دار "يافي" على لجوء البعض إلى النشر الإلكتروني بأن تأثيره ضئيل، موضحاً: "لا غنى عن ملمس الورق ولكننا لا ننكر أن الكتب الإلكترونية حلت أزمة التوزيع في الخارج بعض الشيء والتوزيع في المناطق النائية".
أما اقتراح بعض القراء طبع طبعات شعبية، بورق رخيص يشبه ورق الجرائد، من أجل محاربة الكتاب المزور من جهة، وتقليل تكاليف الطبع على الكاتب والدار، فيعلق على ذلك بأنه "مبدأ تجاري وتسويقي سليم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع