شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
سرقة حقوق النشر ووقاحة بعض الدور العربية

سرقة حقوق النشر ووقاحة بعض الدور العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 16 نوفمبر 201611:48 ص
"بدأت القصة مثلما تبدأ كل القصص الجميلة؛ فكرة بدت مجنونة للوهلة الأولى، وأكثر انتماء إلى الرغبات منها إلى مفهوم المشروع، ثم ازدادت تبلوراً ووضوحاً مع الوقت، إلى أن أصبحت هدفاً قابلاً  للتنفيذ. عندما أرسل إليّ پول أوستر رسالته الجميلة بخط يده، تلك التي يوافق فيها أخيراً على إجراء المقابلة، لا أخفي أني شعرت بشيء من الفرح يوازي انبهار الطفل بهدية غير متوقعة. فصحيح أني كنت أعمل منذ مدة ليست بقصيرة على نيل الحوار، إلا أنني فوجئت رغم ذلك، وربما كان جزءٌ مني يشك في أن يوافق، وهو الذي يضنّ بالأحاديث حتى على أكثر الصحف والمجلات الغربية شهرة وانتشاراً. "عزيزتي السيدة حداد"، قال، "لم أكن أعرف البتّة أن لي قرّاء في العالم العربي. يا له اكتشافاً رائعاً! بأي لغة تقرأونني يا ترى، بالإنجليزية أم بالفرنسية؟". "بالاثنين"، أجبته بافتخار، "فنحن اللبنانيين نتقن لغات كثيرة". طبعًا آثرت أن لا أعترف له بأن "ثلاثية نيويورك" و"في بلاد الأشياء الأخيرة" قد تُرجمتا إلى العربية منذ نحو عشر سنين على غير علم منه، وصدرتا في بيروت بالذات. كانت هذه افتتاحية اللقاء الصحفي الذي أجرته السيدة "جمانة حداد" مع الروائي الأمريكي العظيم "پول أوستر"، والذي كان بالإضافة إلى عدد من اللقاءات المميزة، مادة كتابها "صحبة لصوص النار"، في كناية عن رمزية النار للحكمة. الجدير بالذكر أن "ثلاثية نيويورك" و"في بلاد الأشياء الأخيرة" ليستا الوحيدتين اللتين تُرجمتا إلى العربية. فأكاد أجزم بأنه، ومنذ وقت اللقاء الصحفي الذي جمع حداد مع أوستر، قد تم توفير أغلبية أعمال أوستر للقارئ العربي، بأكثر من ترجمة، وبعدد وافر من الطبعات. لم يكن أوستر هو الكاتب الوحيد الذي تُرجمت أعماله إلى العربية دون علمه. ففي مطلع سنة 2014، استضاف النادي الأدبي بمدينة الدمام في المملكة العربية السعودية، المترجم القدير الأستاذ "صالح علماني". وبطبيعة الحال، لم يكن التغيب عن مثل هذا اللقاء مطروحاً. أن تستمع لأحاديث علماني الروائية، هي فرصة لن يكررها التاريخ. ومن منا يجهل الأستاذ صالح علماني وتعبيراته المتقنة؟ وهو الذي قدّم للقارئ العربي الأدبَ اللاتيني على طبق من ذهب؛ فإذا ما قصدت عالم "غابرييل ماركيز" أو "إيزابيل الليندي" أو "يوسا" أو آخرين من صانعي العوالم اللاتينية، وأصحاب الواقعية السحرية، فستجد اسم صالح علماني يزيّن غلاف الكتاب، لتُبحر في صياغته للجُمل والجمال بقية الصفحات. بالإضافة إلى ترجمته للكثير من كتّاب اللغة الاسبانية من غير أمريكا اللاتينية.
قبل سنوات، قامت دور نشر عربية بملاحقة كتبها المقرصنة على الإنترنت بدعوى أن حقوق النشر محفوظة، وإن كانت أحياناً مسروقة!
ومن النقاط التي أثارها الأستاذ علماني هي انزعاجه من ترجمة كثير من الكتب والأعمال الروائية إلى اللغة العربية دون حق النشر أو إذن من الكاتب. حتى أنه ذكر اشتراطه على دور النشر، حصولها على حقوق النشر من قِبل المؤلف قبيل البدء بالطباعة والتوزيع، إلا أن أغلب الدور ترفض له شرطه، أو تطمئنه زورًا بأن ذلك ما حصل. والمؤسف أن بعضها تُعد من أضخم دور النشر العربية. ليس هذا هو الحال مع جميع الكتب المترجمة للعربية. العديد من الدور العربية تقوم بنشر صورٍ على مواقعها الرسمية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، للكاتب حاملاً نسخة أولى من الترجمة العربية. إذا ما نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظرٍ مادية، بما أننا نعيش عالماً رأسمالياً ضخماً، فقد يكون الكتاب المترجم بغير رخصة، أقل سعراً للقارئ. فبين كتابين متساويين في عدد الصفحات وجودة الورق والطباعة، سيكون الكتاب المرخَّص بينهما أعلى سعراً ببنحو الضعفين أو أكثر. مما يقف كعائق أمام حجم المبيعات. لكن، وفي الوقت ذاته، فإن أغلبية الروائيين والكُتّاب، عربياً وعالمياً، يمتهنون الكتابة كمهنة أولى، (پول أوستر) مثلاً. من النادر جداً أن تجد كاتباً ناجحاً، يشغل وظيفة أخرى في الوقت ذاته. وبذلك يكون نشر الكتب وترجمتها بغير تصريح، هو سرقة مشهودة. يُقال بأن القرّاء لا يسرقون. ويتناسى مرددو هذه الكلمة بأن القراء، وبطبيعتهم البشرية، قد يلجؤون لطرق ملتوية إذا ما شعروا بالتهديد، وهذا كان الحال مع كثير من دور النشر العربية التي دفعت ثمن الإعراض عن كتبها غالياً. بعض من دور النشر غيّرت اضطراراً من منهاجها حسب اهتمام عامة القراء، من الفلسفة إلى الروايات مثلاً. إلا أن كل ذلك لا يبرر سرقة مجهود أي إنسان، فهذا الفعل يُعتبر رذيلة مستقبحة، أخلاقياً ودينياً، وعلى جميع المقاييس عُرفية كانت أو وضعيّة. وبغض النظر عن الدافع المسبب لها. هي سرقة، أولاً وآخراً، ولا يمكن تسميتها بغير ذلك. قبل عدة سنوات، قامت عدد من الدور العربية بملاحقة كتبها المقرصنة على الإنترنت، والتقدم بطلبات للمواقع المستضيفة، لحذف روابط تلك الكتب المتاحة بالمجان للقارئ العربي. وكل ذلك بدعوى أن حقوق النشر محفوظة... وإن كانت في بعض الأحيان مسروقة!
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image