"قلبي مكسور. أبكي على المستقبل الذي فقدناه، ولكنني ممتنّ للماضي ولذكرياتنا معاً. رحيلك لم يكن عادلاً، ولكن ستكون هناك تبعات له، ورُوحك ستظلّ حيةً بيننا".
بهذه الكلمات، رثى زاك زوجته الناشطة الحقوقية، أو كما يُطلق عليها "ناشطة السلام" الصومالية-الكندية ألماس إلمان، ليلة 22 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد يومين من رحيلها هي وطفلها الجنين، عقب إطلاق رصاصة، مجهولة المصدر حتى اللحظة، في رأسها في العاصمة الصومالية مقديشو.
وفي سلسلة تغريدات أطلقها زاك على تويتر، قال: "فقدت حب حياتي، وصديقتي، وتوأم روحي. فقدت زوجتي وطفلي غير المولود. مسكتِ وجهي في زفافنا منذ سنتين، بينما مسكت وجهك أنا اليوم حينما نزلت معك إلى القبر".
وتمنى في رسالته أن تحظى زوجته التي عملت في مجال العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة وإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من النزاعات في الصومال بـ"أعلى مكانة في الجنة"، وأن "يجتمع بها قريباً"، منهياً رسالته بالقول: "أحبك إلى الأبد".
وتنحدر ألماس من أسرة مهتمة بتعزيز السلام في الصومال. اغتيل والدها أيضاً وهو ناشط السلام إلمان أحمد علي عام 1996. وتم ترشيح شقيقتها إلواد لجائزة نوبل للسلام عام 2019. أما والدتها فارتون آدان، فقد أسست مركز إلمان للسلام، وهي منظمة تعمل على تعزيز السلام في الصومال.
تعيدنا رسالة الرثاء التي كتبها زاك لزوجته الراحلة إلى رسائل أخرى تحمل بين سطورها الألم ذاته، ألم الرحيل الذي يصعب تخطيه، خاصةً أنه يزداد مع الأيام في غالب الأحيان.
كثيراً ما تجف الدموع عند الموت، وتُحبس الكلمات، فماذا يُقال بالتحديد؟ وهل تستطيع الكلمات أن تُعبّر عن كمّ الحزن أو الغضب من دون أن تخون المشاعر؟
حاول كثيرون كتابة المشاعر المرافقة لرحيل الحبيب لعلّ رسائل الرثاء هذه تخفف من حدة الموت، أو تصل بطريقة ما إلى الشخص المعني. من يعلم؟ في هذا التقرير، نورد بعضها.
قتلوا الرسولة
في عام 1981، فقد الشاعر السوري الراحل نزار قباني زوجته العراقية بلقيس الراوي أثناء وجودها في السفارة العراقية في بيروت نتيجة تفجير بسيارة مفخخة أودى بحياة 60 شخصاً.
وكان قباني مغرماً ببلقيس التي رفض أهلها تزويجها منه، حتى تدخل كبار الشخصيات في العراق. وبعد مرور عشر سنوات على زواجهما، وجه لها قصيدة قائلاً فيها إن لم تتقن أي امرأة اللعبة سواها، ولم تحتمل أي امرأة حماقته، غيرها، كما لم تُدخله أي امرأة روضة الأطفال، إلا هي.
وبعد رحيلها، أطلق القباني قصيدة رثاء طويلة مدتها 18 دقيقة مُسجلة، بعنوان "بلقيس"، هذه بعض كلماتها:
شُكراً لكم
فحبيبتي قُتِلَت... وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ
وقصيدتي اغْتِيلتْ
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ
- إلا نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟
سَأَقُولُ في التحقيق:
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ:
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ
حتّى العيونُ الخُضْرُ
يأكُلُهَا العَرَبْ
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي
إنّي لأعرفُ جَيّداً
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي
نامي بحفْظِ اللهِ... أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ
قَتَلُوا الرسُولَةْ
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
من زوج ناشطة السلام الصومالية التي اغتيلت حديثاً إلى عاشق أم كلثوم أحمد رامي والشاعرين محمد الماغوط ونزار قباني وغيرهم... كيف رثى هؤلاء زوجاتهم/حبيباتهم؟
"شُكراً لكم، فحبيبتي قُتِلَت... وصار بوُسْعِكُم أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ"... عن رسائل رثاء وجهها رجال إلى زوجاتهم/حبيباتهم، من بينهم عاشق أم كلثوم أحمد رامي ونزار قباني ومحمد صبحي وأحمد السعدني
هنا ترقد آخر طفلة في العالم
بعد بلقيس الراوي، بأربع سنوات، رحلت الكاتبة والشاعرة السورية سنية الصالح في باريس إثر تعرضها لأزمة صحية، تاركةً زوجها الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط يتخبّط في حزنه على فراقها.
ورثاها الماغوط قائلاً إنها "أمه ومرضعته وحبّه ومرضه"، لافتاً إلى أن رأيها في أعماله كان أساسياً، فإن ترددت أمامه ولو للحظة، يُمزق ما بين يديه، ويبدأ من جديد، "أما إذا قالت 'حلو' فكنت أحس باطمئنان كبير، إنها قارئتي الأولى ومعلمتي الأولى في الشعر وفي الحياة"، يقول الماغوط.
وفي كتاب "اغتصاب كان وأخواتها- حوارات حررها خليل صويلح"، قال الماغوط: "حين كانت مريضة جلست بقربها وهي على فراش الموت أقبل قدميها المثقوبتين من كثرة الإبر، فقالت لي عبارة لن أنساها 'أنت أنبل إنسان في العالم'"، أما هو، فكتب على قبرها: "هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم".
وكشف أنه لم يزر قبرها في مقبرة "الست زينب" إلا مرة واحدة، وأن حزنه عليها لا يعرضه في المقاهي والشوارع، واصفاً إياه بـ"إحساس شخصي جداً ومدفون في الأعماق دون شاهدة". وباح بأن سنية "هي المرأة في كل ما كتب، وإنها كعروق الذهب في الأرض"، مضيفاً: "كل النساء من بعدها نجوم تمرّ وتنطفئ وهي وحدها السماء… والآن نادراً ما أراها في أحلامي".
ولام نفسه بعض الشيء، قائلاً إن سنية "شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها"، مرجحاً أن يكون أسمه قد أذاها وطغى على حضورها. ولفت إلى أن النقّاد لم يعطوها حقّها قائلاً بشيء من العتب والسخرية: "النقاد لم يأتوا على ذكرها في مسار الشعر العربي المعاصر أكثر مما يأتي الملحدون على ذكر الله".
وخلص إلى أن "سنية كانت شاعرة كبيرة في وطن صغير، وبين نقاد صغار".
محمد الماغوط
هل تأخرتِ؟ أم أنا الذي تأخر عليك؟
"زوجتي الحبيبة الغالية، اليوم مرّ عامان لفراقنا. هل تأخرتِ عليّ؟ أم أنا الذي تأخر عليك؟ لم تفارقي عيني وعقلي وذاكرتي فأنتِ ما زلت من يقويني. أدعيتي لك لم تنقطع إلى أن ألقاكِ".
هذه كلمات الممثل المصري محمد صبحي لزوجته نيفين رامز في ذكرى وفاتها الثانية في 6 ديسمبر 2018. رحلت في عام 2016 بعد معاناتها سرطان الثدي، تاركةً إياه يُعبّر عن حزنه كلّما شاء وكيفما شاء. فكثيراً ما ظهر في مقابلات تلفزيونية وهو يبكي فراقها، ولا يُضيّع فرصة للتعبير عن حبّه واشتياقه لها عبر حسابه على فيسبوك.
وفي ذكرى رحيلها الأولى، نشر كلمات كان قد كتبها قبل 20 عاماً، مؤكداً أن زوجته أحبت هذه الكلمات آنذاك: "إذا كانت المرأة قد خرجت من ضلع آدم فأنت وكل الرجال خرجتم من رحمها، فكن قوياً لتحتويها لا لقهرها. كن عذباً رقيقاً صادقاً صديقاً لا لامتلاكها. هي ستمنحك صكاً بحياتها ثمن، وإذا هي رحلت عن الحياة قبلك فستترك لك الحصن والوطن"، متابعاً: "زوجتي الحبيبة لا تزالين بيننا".
رسالة ندم؟
قد يسبق الموت الاعتذار، أو أي خُطوة مؤجلة، وهذا ما حصل مع الممثل المصري أحمد السعدني الذي لم يتوقع أن ترحل طليقته أمل سليمان بشكل مفاجئ في أغسطس/آب الماضي إثر تعرضها لأزمة قلبية حادة، مودعةً طفلين.
في فراقها، كتب السعدني رسالة قال فيها إنه وزوجته تطلقا لأنه "كغيره من شباب كثر، لا يعرف كيف يتحمّل المسؤولية".
واعترف أنه كان ينتظر بلوغه عُمراً معيّناً ليعود إليها مجدداً، وذلك لـ"يكبر وينضج"، ولكن "ملحقتش"، حسب تعبيره.
وقال في رسالته التي كتبها بالمحكية المصرية: "ماتت ومشيت وقررت تسبني للأبد. كنت فاكرها حتستناني ومتأكد من ده، مستحيل تحب حد غيري، مجاش في بالي أنها ممكن تموت دلوقتي صغيرة وأكتر واحدة في حياتي شفتها بتحب الحياة".
وتابع: "ماتت وسابتلي الولدين والندم… بحبك يا أمل حياتي اللي اتهد (تدمّر)"، متوعداً هذه المرة بأن يحمل مسؤولية طفليه، مطالباً إياها بالسماح.
اليوم أسمعني أبكي وأبكيها
لم تجمعهما قصة حب، أو ما يمكن تسميته حباً من طرف واحد. نتحدث هنا عن الشاعر أحمد رامي الذي أحب أم كلثوم وكتب الغالبية العظمى من أغنياتها بما في ذلك "حيّرت قلبي معاك".
كان يقول إنه يحب أم كلثوم كما يحب الهرم. لم يلمسه ولم يصعد إليه ولم يدخل فيه ولكنه كان يشعر بعظمته وشموخه والفن العجيب الذي صنعه، متسائلاً: "هل سمعت عن رجل تزوج الهرم أو تزوج نهر النيل؟".
قال نجل أحمد رامي إن والده كانت لديه طقوس خاصة لدى حضور حفلات أم كلثوم، إذ كان يذهب متأنقاً كالعريس ولا يجلس إلا في مقعده المحجوز دائماً (المقعد الرقم 8)، من دون أن يصطحب أحداً معه ولا حتى زوجته التي كانت تعلم بحبه لها ولم تعترض.
وكانت في غرفة نوم رامي وزوجته صورة لأم كلثوم، كما كان يخصص يوم عطلته الأسبوعية (الاثنين) لقضائه معها. ومما قيل إنه لم يرد الارتباط بها خوفاً من انطفاء مشاعره، وانطفاء أم كلثوم نفسها، إذ كان سيُعارض امتهانها الفن "كرجل شرقي".
وفي فراقها، كتب وألقى هذه الكلمات:
ما جال في خاطري أنّي سأرثيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسمعني أبكي وأبكيهـا
وبي من الشَّجوِ من تغريد ملهمتي
ما قد نسيتُ بهِ الدنيا وما فيها
وما ظننتُ وأحلامي تسامرني
أنّي سأسهر في ذكرى لياليها
يا دُرّةَ الفنِّ يا أبهى لآلئهِ
سبحان ربّي بديعِ الكونِ باريها
مهما أراد بياني أن يصوّرها
لا يستطيع لها وصفاً وتشبيها
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين