كثير من الناس يتماثلون مع حالة الشاعر الفرنسي بول فيرلان من ناحية أنهم مرهقون تحت وطأة "سلطة الأرداف"، وخاضعون دائماً لها، "بوقاحتها الهائلة وانتصارها لبلاغة الجسد"، ومنهم من "يندفع في كمين الظلام ونكهات الفلفل، باحثاً عن الروائح المخمرة، مثل الميادة الراكدة التي سخَّنتها الشمس"، كما يُنقل لنا الصفحي جان ليك هينيج Jean-Luc Hennig في كتابه المثير للدهشة "موجز تاريخ الأرداف".
وبين من يرى أن الأرداف وحدها كفيلة بإبعاد "قوى الشر"، كما كان شائعاً في ألمانيا العصور الوسطى، ومن يعتبرها "المكان الأمثل للموت" كما يقول جان جينيه، وبين من ينظر إليها على أنها مسكينة لا تستطيع أخذ دور الفاعل، إلا في قليل من اللمحات الهزلية ضمن مسرحيات العصور الوسطى، عندما أصرت أن تحتل مكان الرأس، بحسب هينيج، فإنه من المؤكد أن حجم العاطفة التي استهلكتها من قبل العشاق والتشكيليين والشعراء والروائيين منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن، كفيلة لتجعلها في مقدمة اهتمام الباحثين في الجمال، والمهتمين بعلم نفس الجسد والأنثروبولوجيا الجنسية.
نقطة الإثارة الأولى
يقترح عالم النفس الجنسي ألفريد كينسي أن الأرداف شكلت نقطة الإثارة الأولى عند الثديات، ومنهم الإنسان الأول، وذلك كما جاء ضمن موسوعة ويكيبيديا تحت عنوان Cultural history of the buttocks، ويضيف لدرجة أن المرأة ذات الردفين الكبيرين أصبحت جزءاً من تاريخ بدايات البشرية، وخير دليل على ذلك التماثيل في العصر الحجري القديم منذ أكثر من عشرين ألف عام، وهي لا تزيد حجماً عن بذرة الفاكهة مثل فينوس ويلندورف Venus de Wilendort (النمسا)، المرأة من دون رأس لسيروُيّ دوردوني Sireuil Dordogne، أو فينوس كوستينكيVenus de Kostienski (روسيا)، والأكثر غرابة النساء لحميّات المؤخرة، بينهم فينوس ليسبوغ Venus de Laspugue التي تم نحتها في قالب من العاج. هذه الأرداف التي تنثر قواها في كل مكان كانت مصدر جاذبية وإغراء كبيرين لرجال تلك الحقبة.
ويطرح الكاتب البريطاني ديزموند موريس، كما جاء في كتاب "موجز تاريخ الأرداف"، فرضية بشأن هذا التراكم من الدهون في الإليتين. ويقول إنه "مثل جميع الحيوانات التي تمشي على أقدامها، فإن رجال تلك المرحلة يضاجعون من الخلف، بحيث إن المرأة كانت تطلق إشاراتها الجنسية من العجيزة، تماماً مثل القرود. وكلما كانت العجيزة كبيرة، كلما كانت المرأة مغرية أكثر. ولكنها كانت أيضاً معيقة إلى حد كبير، لدرجة أن الرجال انتقلوا إلى المجامعة وجهاً لوجه. نتيجة لذلك، انتفخ الثديان ليعيدا رسم أشكال أنصاف الكرة الردفية".
الأنثى تملك أردافاً في جميع أنحاء جسدها
هذا ما يؤكده الأنثروبولوجيون، بحسب "هينيج"، إذ يرون بأن الأرداف المستديرة تجد صورة شبيهة لها في النهدين، وليس النهدين فقط، بل هناك الكتفان والركبتان الممتلئتان أيضاً، خاصة في وضعية الركبتين المتعانقتين، أو عندما يكون الكتف مرفوعاً إلى حد يلمس فيه الخد، بحيث يمكننا القول مع جان ليك هينيج بأن "الجنس البشري هو الفصيلة الوحيدة من المقدمات التي تملك الأنثى منها أردافاً في جميع أنحاء جسدها".
ومع ذلك تبقى الإليتين، كما يرى الباحث جوزيف ميسنجر في كتابه "لغة الجسد النفسية"، هما "الموضع الرمزي للاستفزاز والعنف بأشكاله المتعددة كالقسوة والسادية والشر والاضطهاد والاستبداد، لكن الأهم أن إظهارهما على الملأ هو اعتراف ودعوة مبطنة إلى الإيلاج وليس مجرد استفزاز لإبعاد الشيطان".
رسالة إيروسية قوية
ويضيف ميسنجر: "إن المؤخرات الكبيرة منذ مرحلة القنص في عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحجري وحتى الآن ما زالت لها حظوتها في المجامعة، فقدامى اليونان يرون في مؤخرة المرأة إثارة جنسية للغاية، بحيث كانوا يشيرون إليها بكلمة callipyge (ذات المؤخرة الجميلة)، لا بل إنهم شيدوا معبداً لآلهتهم أسموه "أفروديت ذات الإليتين الجميلتين" Aphrodite callipyge ولم يترك تمثالها شيئاً من مفاتنها خافياً، ويمكننا مشاهدته اليوم في متحف نابولي".
ومنذ ذلك العصر لم يكف الفنانون عن تصوير موديلاتهم من النساء بأسلوب يبرزون فيه الردفين، مع إخفاء تفاصيل الجهاز التناسلي، والتفاصيل الخلفية للشق الذي يفصل الإليتين، مؤكدين على الخصوصية الجمالية لحوض المرأة، وعلى أن شكل الإليتين بحد ذاته ينقل رسالة إيروسية قوية، تعود إلى العصر الذي كان فيه الذكر يأتي المرأة من الخلف، وبما أن هذه الرسالة الإيروسية احتفظت بكامل قوتها، فإن هذه الوضعية لم تفقد شيئاً من جاذبيتها، وتشتهر بكونها أشد إثارة للنشوة الجنسية من الوضعية المعروفة "الرجل فوق المرأة".
المؤخرة تضحك
ولعل المؤخرات الكبيرة، منذ مرحلة القنص في عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحجري، مروراً بالعصر الفيكتوري الذي يبرز مؤخرة المرأة عن طريق حشو الثوب عند أسفل الظهر بصورة مبالغ فيها لموقع تشريحي مثير ومحفز على الصعيد الجنسي، جعل الكثيرين يحكون عن "انتصار المؤخرة المرفوعة" وأنها "تقليد لمؤخرات ما قبل التاريخ" من خلال الأزياء، والأمر ذاته دفع هينيج للحديث بأن "الوجه بدأ يتلاشى والعجيزة تضحك"، في مقاربة جديدة بين الأرداف والخدود، وبين المهبل والفم، إذ يقول: "بعض الأرداف تبقى شابة لفترة أطول.
كما لو أنها لا تشيخ بالوتيرة ذاتها التي تتعاقب فيها الظروف في حياة الإنسان: المنحنى ما زال جميلاً، والفخذان أيضاً، ومن الخلف، يمكن أن تستمر الجاذبية بسبب النتوء المركزي للقفا والوصلة بين الردفين والفخذين، وهذه الثنية الردفية تشبه الابتسامة في ركن الفم"، وكأن القفا انتصر في النهاية، بعدما باتت الارتكاز الرئيس في عالم الجنس والشهوة، وربما هذا ما يُفسِّر ارتفاع سعر التأمين على مؤخرة جينفير لوبيز إلى الثلاثمئة مليون دولار، وكيم كردشيان إلى 21 مليون دولار، وأيضاً يُقدم تبريراً لاهتمام مصممي الأزياء بإبراز جماليات حوض الأنثى، سواء وهي واقفة أو أثناء المشي، ما يجعلنا نتحدث عن انتقال المؤخرة من المفعول به الأزلي، إلى دور الفاعل الحاضر، فمن منا لم يشاهد عيوناً تخرج من الوجوه، بكل معنى الكلمة، عندما تمر من أمامهم أنثى بردفين جميلين؟!
خاصةً أن طريقة المشي لها دلالاتها "النفسجنسية"، بحسب كتاب "لغة الجسد النفسية"، فعندما تهتز المؤخرة بطريقة عمودية فإن صاحبتها تريد أن تغوي الناظرين إليها، بينما اهتزازها الأفقي يكشف عن عدم شبع المرأة على الصعيد الوجداني أو الجنسي، كما يعبر عن رفضها للغواية، وكلا الحركتين ترتبطان بالمناخ العقلي الآني للمرأة، يقول ميسنجر، كما يقول علماء النفس، مع تأكيدهم على أن الأنثى التي تضع كل جاذبيتها الجنسية في ردفيها من الصعب تجاهلها.
كما أن هناك مؤخرات ضاحكة، وأخرى مكشرة كالتي في لوحات روبنز، وثالثة دسمة كما في أعمال رينوار، ورابعة عطوفة، وخامسة شرسة، فهناك أيضاً الأرداف الهانئة والمؤخرات السعيدة
المرأة التي تضع كل جاذبيتها الجنسية في ردفيها من الصعب تجاهلها...
هل ثمّة أرداف سعيدة؟
وكما أن هناك مؤخرات ضاحكة، وأخرى مكشرة كالتي في لوحات روبنز، وثالثة دسمة كما في أعمال رينوار، ورابعة عطوفة، وخامسة شرسة، فهناك أيضاً الأرداف الهانئة والمؤخرات السعيدة، وتصبح كذلك ببساطة من خلال الرقص، حيث يرى صاحب "موجز تاريخ الأرداف" بأن "انفعال الرقص هو أكثر انفعالات الأرداف لطفاً، والأكثر تأثيراً وصموداً، حينئذ فقط يشعر الردف بشهيته وشهية الآخرين، وينتفخ بدغدغات لطيفة.
يقول هينيج "في خضم إيقاع الرقص يصبح الردفان أكثر جموحاً وصخباً وأكثر يأساً أيضاً، ومليئين بالاحتكاك والألم والشهوة. وهو ما جعل الكنيسة تعتبر الرقص عود الثقاب الذي يشعل الفسق"، لكن يا للمفارقة، إذ إن المؤخرات التي أثارت حفيظة رجال الدين ما زالت مستعصية على وحوش الظلمات، و"لهذا اشتهر الشيطان في الكثير من المعتقدات بعدم امتلاكه مؤخرة"، كما يقول جان ليك، ويضيف ويروي الباحثون أن "الناس في العصور الوسطى كانوا على اقتناع بأن الشيطان على الرغم من مقدرته على التحول إلى هيئة إنسان، فإنه لا يستطيع بتاتاً أن يُتم تحوله الكامل، لأنه عاجز عن تقليد مؤخرة الإنسان المستديرة.
كانت تلك هي المنطقة التشريحية الوحيدة التي استعصت على سلطاته الشريرة. وقد زعموا أن الشيطان يعرف بنقطة الضعف هذه، فكانوا يجدون فيها فرصة ذهبية لتعذيبه، كان يكفي إظهار الإليتين أمامه حتى يحس بالغيرة. وبالتالي الإنسان الذي يكشف مؤخرته كان محمياً ضد الشرير"، ولعل في ذلك انتصار آخر للأرداف حتى على الغيبيات.
الرسم العالمي للحب... مؤخرة
وكما داعبت المؤخرات أخيلة الشعراء والروائيين والرسامين والنحاتين فإنها فعلت الفعل ذاته بالنسبة للمصورين، فالمصور جانلو سيف، بحسب "موجز تاريخ الأرداف"، يُعلن بأن "الوجه أصبح قناعاً خبيثاً يمكن أن نجعله يعبر تقريباً عن كل ما نريد، لذلك أهتم بالمؤخرة، الجزء الأكثر حماية وسرية، والذي حافظ على براءته الطفولية، فهو الأكثر إثارة حتى من الناحية التشكيلية، إذ إنها مكونة من تكورات ووعود"، والأمر عينه ينطبق على الباحثين في التاريخ الثقافي، ومنهم الكاتب البريطاني ديزموند موريس، الذين أوضح أن الرسم العالمي للحب، أي القلب المرسوم، مستوحى من "ردفي امرأة يُنظَر إليها من الوراء"، وهو ما يُعرَف عن البعض بـ"مثلث ميخائيل" نسبة إلى طبيب التوليد الألماني غوستاف ميخائيل، ويتموضع بين حفيرتي العجز، وما زال هناك الكثير من الذين يتمعّنون به أو يتحسسونه بأيديهم.
ويتميز هذا المثلث على الصعيد الإيروسي العملي بحساسيته الشديدة للمداعبة، وهو ما يفنِّده الباحث في علم النفس الاجتماعي جوزيف مسينجر بالقول: "غالباً ما تكون المؤخرة أكثر حساسية للمس من الصدر، وإن الرجل الذي يضع يده على مؤخرة شريكته يؤكد على حقه في الحيازة، دون طلب الانتقال إلى الفعل الجنسي مباشرة، أما الذراعان اللتان تمسكان بالعنق أو الظهر أو المؤخرة فلا تطلقان الرسالة نفسها. فهما في العنق تشيران إلى طلب الحنان، وفي الظهر إلى الرغبة في الأمان، وفي المؤخرة تدعوان للانتقال إلى الفعل".
وإن أفضل ما نختم به هذه الجولة هو ما قاله هينيج من أن "مؤخرتنا تبقى الجزء الغريزي والبهيمي لدينا، فلا يمكنه أن يخدعنا، كما ليس بالإمكان إخفاء طبيعتها الحقيقية واندفاعاتها وعذاباتها. فهي إذن، في أكثر من جانب، الوجه الخلفي لشخصيتنا، سواء أكان الأمر متعلقاً بفرد أم منزل أو مدينة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...