شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
شحنة المكان والحدث في أعمال 13 فناناً وفنانة من الجولان

شحنة المكان والحدث في أعمال 13 فناناً وفنانة من الجولان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 23 نوفمبر 201912:36 م

"مياه التاسعة والنصف" هو عنوان المعرض الجماعي الذي يجمع للمرة الأولى منذ 52 عاماً، فنانين وفنانات من الجولان السوري المحتل ونازحين منه، في معرض فني مشترك، في غاليري فتوش في مدينة حيفا الفلسطينية.

في 10 حزيران 1967 عند تمام الساعة التاسعة والنصف، أعلن سقوط القنيطرة، وفرض خط وقف إطلاق النار فوق مجرى مياه "عين التفاحة"، شرقي الشريط الفاصل، ومن هنا يأتي عنوان المعرض "مياه التاسعة والنصف" الذي يشارك فيه 13 فناناً وفنانة، ليقدموا لوحات، منحوتات، فيديو، وفنون تجهيز، تستلهم مفهوم المكان، وتطرح أسئلة عن تأثير الجغرافيا الطبيعية والسياسية على الهويات الاجتماعية والثقافية وآثارها النفسية.

المكان السياسي

العمل الفني كوسيلة لتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية تحديداً، هذا ما نتلمسه في فيديو "قيد النظر، رندا مداح". تنشر الفنانة على سطح منزلها الموجود على خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري المحتل، مجموعة من المرايا التي تعكس من خلالها، ومن خلال عدسة الكاميرا، صورتي الموقعين العسكريين المتقابلين على الجبهة، من خلال انعكاسها إلى المرايا وتمريرها عبر الفيديو إلى عين المشاهد: "في محاولة للتعبير عن تشتت المكان بين عدوين يتخاصمان ويتشاركان في ظلم الإنسان"، حسب تعبير الفنانة. لا يعكس هذا الفيديو خصوصية المكان الجغرافية وحسب، بل أيضاً يبرهن على كون العمل الفني وسيلة لتجاوز الحدود العسكرية والسياسية المفروضة على مكان إقامة الفنانة. تكتب رندا في تقديم عملها: "أعتقد أن سكان هذا المكان يتعرضون إلى ظلم مزدوج، الأول من جهة الاحتلال الذي يصادر إرادة السكان ويحتل أرضهم ومواردهم، والثاني من جهة الحكم الوطني الذي يتجاهل هموم ومطالب مواطنيه، عدا عن الممارسات الوحشية التي يقوم بها تجاه السوريين".


في مجال المكان السياسي أيضاً، نتابع "بيوت دمرتها الحرب، فهد حلبي" وهي سلسلة لوحات إكريليك على قماش، يهدف منها الرسام إلى التوثيق عبر اللوحة، لبيوت في قرى الجولان المهجورة، دمرها الاحتلال الإسرائيلي في حربي 1967 – 1973، ويسقطه الفنان على الكارثة السورية اليوم، فيعتبره جزءاً من نبوءة حلول الخراب على كامل الجغرافيا السورية. يبرر الفنان خياره في اقتصار اللوحات على لوني الأبيض والأسود: "لأن هذا الخراب والحزن لا يحتاج للألوان ودرجاتها حتى يتم التعبير عنه. إنه ضرب من التقشف في الكلام عمن ماتوا أو هاجروا أو تركوا ورائهم هذا الركام الرمادي"، كما يقدم فهد حلبي لوحة "فضاء"، وهي جزء من مشروع يتناول عالم البناء وورشات البنائين في اسرائيل كدولة رأسمالية كولونيالية، تظهر اللوحة بلاطة من الإسمنت المسلح، تسبح في الفضاء الأزرق، معلقة برافعة كأنها تتعالى على الزمان والمكان، يرغب الفنان من خلالها أن يعبّر عن فوقية الإسمنت على الواقع من حوله، وهيمنته على الفضاء وكأنه مادة أيقونية مقدسة في ثقافة الاحتلال الاستيطانية.


المكان الثقافي

في العام 1992، قدم النحات الإيرلندي موريس هارون التمثال العمومي "يدان فوق الانقسام"، وهو تمثال يشير إلى الانشقاق الحاصل بين الكاثوليكية والبروتستانتية في شمال إيرلندا، وضعت المنحوتة في الساحة العامة لتمثل رجلين يقفان بمواجهة أحدهما الآخر، ويمدان ذراعيهما دون أن تلتقي الكفان. بعد 11 عاماً، أي العام 2013، يلهم هذا الفراغ المتروك بين الكفين، الفنان خالد بركة لتحقيق عمله الفني "المصافحة"، الذي يقوم على تحويل الفراغ القائم بين اليدين إلى كتلة ملموسة، وذلك عبر استخدام كاميرا ثلاثية الأبعاد لالتقاط الفراغ العصي، ومن ثم تحويله إلى كتلة عبر الطباعة الثلاثية الأبعاد، وصبها بالخزف.

في 10 حزيران 1967 عند تمام الساعة التاسعة والنصف، أعلن سقوط القنيطرة، وفرض خط وقف إطلاق النار فوق مجرى مياه "عين التفاحة"، شرقي الشريط الفاصل، ومن هنا يأتي عنوان المعرض "مياه التاسعة والنصف" الذي يشارك فيه 13 فناناً وفنانة من الجولان

الفنانة رندا مداح نشرت على سطح منزلها الموجود على خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري المحتل، مجموعة من المرايا التي تعكس من خلالها، صورتي الموقعين العسكريين المتقابلين على الجبهة، تعبيرا عن تشتت المكان بين عدوين يتخاصمان ويتشاركان في ظلم الإنسان

الكتلة النحتية الناجزة مشحونة بمفاهيم الاندماج، الانصهار والامتزاج، وهي كلها مفاهيم تتعلق بالتواصل، وبالتالي فإن هذا العمل الفني يتجاوز مجرد المكان الفيزيائي إلى ما هو متعلق بالتفاعل الثقافي. من حول المنحوتة الخزفية يقدم الفنان أيضاً، وعن طريق الطباعة الرقمية الملونة، مقاطع مما يحيط بالتمثال الأصلي في المدينة الأيرلندية، حيث نجد انعكاسات للشوارع، للمنطقة، للمارة، وللسقالات المعدنية، لينقل الفضاء المديني المحيط بالتمثال الأصلي.

في مجال المكان الثقافي أيضاً، يظهر فيديو "أحمر أبيض، ميس صفدي"، فيديو يصور المكان وقد تبخر منه الوقت، صامت وساكن، حسب تعبيرها. كل أحداث ولقطات الفيديو تتعلق بالحياة اليومية في منزل يسكنه زوجان متقدمان في العمر. نتابع السكون والثبات في حياتهما: العجوز تخيط ملابس جولانية، تطوي الشراشف، تقشر الفواكه. الستائر في المكان لا تتحرك. الزمان بثبات مستمر. العجوز يقف أمام الكاميرا بحالة جمود بين الحركة واللاحركة. تصور الأجساد البشرية بحالة جمود في الفيديو الذي يعرض أفعالاً يومية في زمن متجمد، نتابع تزيين العجوز لامرأة شابة، تنقل إليها تراث الزينة المتعلق بالجولان. عمليات مثل تمشيط الشعر، ارتداء الملابس كلها تتم بصمت منقطع النظير، أرادته المخرجة عاملاً ينقل المتلقي إلى ذلك الزمان/المكان، حيث الزمن ساكن لكنه يراكم أفعالاً ثقافية تدل على المنطقة.

المكان الطبيعي

في عمله "حجر محلي" يتجه الفنان حسن خاطر إلى باطن الأرض للتعبير عن المكان، فيقدم أنواعاً مختلفة من الصخور، يكتب عنها: "هذه الأعمال النحتية الصغيرة هي جزء من مشروع بحث عن أنواع وأشكال الحجارة الموجودة في محيط قرية مجدل شمس". يرى الفنان خاطر أن التكوين الجيولوجي لهذه المنطقة أضفى على هذه الأعمال خصوصية جمالية وصيغاً فنية تتعلق بالتكاوين التي شكلتها الطبيعة. في عمل حسن خاطر تصبح الأرض مولدة للعمل الفني، الجيولوجيا كمبدع، وحسب تعبيره، فإنها تفرض شروطها وذائقتها الفنية الخاصة.

وإذا كان الفنان حسن خاطر يتجه إلى باطن الأرض لاستلهام عمله الفني، فإن فيديو "وشوش نجوم السما، أكرم الحلبي" يتجه إلى السماء ليجعلها جزءاً من طريقة التعبير عن المكان، فيحولها إلى مكوّن هندسي ديجتالي، شكل دائري لا نهائي متحرك، لتصبح السماء والنجوم موضوعاً لدائرته الهندسية الرقمية، مضيفاً إليها شريطاً صوتياً مغنى بصوت زكي ناصيف.

https://vimeo.com/301249476

أيضاً يشارك الرسام أكرم الحلبي بلوحة بعنوان "تحولات"، حيث المكان مختلف عما سبق، إنه يعيدنا إلى قدرة اللوحة على تمثيل المكان السرمدي، مكان ضائع بين الماء والهواء، الأرض والغيم، بينهما ينتصب جسد أنثوي عار بحالة النهوض. هي قدرات تشكيلية تملكها اللوحة في التعبير عما هو متجاوز للواقعي والمتجسد. مازال انعكاس المياه التي خرج منها الجسد الأنثوي ظاهراً على البشرة، بينما تخترق الأنثى بأعلى جسمها غيمة، تحتها ما يشبه السهل الأرضي الأخضر. ذراع الأنثى الأيمن عبارة عن أجنحة يعسوب، ومن هنا يأتي مفهوم التحول، حيث الجسد البشري في حالة التحول إلى حشرة، أو بالعكس، فالجسد البشري يخرج من الشرنقة ليحضر في الوجود.

المكان الاجتماعي

يتألف "زورق، حمادة مداح" من ثلاث منحوتات من الطين والجص، يتطرق الفنان من خلالها إلى ظاهرة الهجرة عبر البحر، التي هي ظاهرة اجتماعية وسمت تاريخ المنطقة في المرحلة القريبة والحالية، أي رحلة العائلات الهاربة من البطش، العنف، والحال الاقتصادي، عبر قوارب الموت في البحر المتوسط. المنحوتات الثلاث هي أجساد بشرية لأب، أم، وطفل، لكن عند التأمل في وضعياتها التشكيلية نتلمس أيضاً أنها توحي بهندسية الزورق، يكتب الفنان: "جنت العاصفة، اشتد الموج وانقلب القارب. خارت قوى الأب ولم يعد قادراً على المجابهة. حضنت الأم ابنها وحولت جسدها إلى زورق نجاة"، هذا التحول للأم من جسد إلى زورق يتجسد على مستوى التشكيل النحتي الذي يوحي بثنائية الجسد- الزورق. لا يحضر البحر في هذا العمل الفني كونه المكان الطبيعي المحيط بهذه المنحوتات الثلاث، لكن ثنائية الزورق – الجسد في كل منحوتة على حدة تصبح هي الإحالة الرمزية وحتى البصرية إلى الارتحال، وبالتالي الانتقال من مكان إلى آخر.

المكان كذاكرة شخصية

في "تحديق 3، شذى صفدي" تقدم الفنانة قطعة بليكسي محفورة ومطوية بفعل الحرارة، تكتب الفنانة عن عملها: "فكرة الطوي محاولة لتقريب المسافة وتجميدها"، بطريقة التفكير هذه يتحول التباعد أو المكان إلى معطى فيزيائي، قابل للطوي للتعبير عن فكرة التواصل، إنه يقارب إلغاء مساحات الفراغ الموجودة في عمل "المصافحة" السابق لخالد بركة، وبينما خالد يعمل على التقارب بين عضوين من أعضاء الجسد البشري (اليدين)، فإن منحوتة البلكسي المطوي عند شذى صفدي تحيلنا إلى المساحة أو الفضاء، هي القابلة للانطواء عند فهم رمزية هذا العمل الفني.

يتألف "تحديق 3" من قطعة أخرى أيضاً، وهي إطار معلق على الجدار ومن فوقه شال أزرق، يرجعنا هذا العمل إلى ذكرى شخصية لدى الفنانة في موقع عين التينة، أو ما يسمى "تل الصيحات"، على خط وقف إطلاق النار عند الحدود المنفصلة، هناك كان يتم اللقاء بين الأهالي على طرفي الحدود، كانت والدة الفنانة تلوح بالشال الأزرق، تصبح الذكرى الفردية والسياسية الاجتماعية في الآن عينه، متمثلة بالشال الأزرق. الشال هنا حامل لشحنة المكان والحدث، حيث الشال الأزرق في المنحوتة هو الذاكرة البصرية التي ترغب من خلالها الفنانة أن تحيلنا إلى هذه الحكاية، حكاية لقاءات الأهالي من بين طرفي الحدود، ومحاولاتهم للتواصل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image