تنتشر العديد من النداءات للعودة إلى الطبيعة ولحمايتها من تسلط الإنسان ومن آثار نمط حياته الاستهلاكي المبدد للموارد، واختار بعض البشر الابتعاد عن المجتمعات وعيش حياة خاصة في قلب الغابات، أي في أحضان الطبيعة.
قريباً من غابات الأمازون، وبالتحديد في مدينة لينسويس البرازيلية، اختار الزوجان السوريان عروة وآية، ومعهما طفلهما ورد، العيش في حضن الطبيعة والهروب من نمط الحياة المدينية التي عاشوها في سوريا ودبي ومن ثم تركيا.
إيجابيات الحياة في الطبيعة
يرى عروة الفهد (34 عاماً) أن الناس التي قررت العيش في الطبيعة اجتمعوا على قرار واحد، وهو الحاجة إلى الطبيعة.
ويضيف المهندس المعماري لرصيف22 أن "العيش بالقرب من غابات الأمازون يعطينا إحساساً بأننا كبشر لا شيء، وبأننا صغيرون جداً في حركة الكون. وهنا يستطيع الإنسان التخلص من أنانيته ومن العنجهية البشرية التي أدمنت نمط الحياة الاستهلاكي الذي تحوّل إلى مارد كبير وحدّ حياتنا كبشر بالأكل والشرب والنوم واستهلاك كل شيء فقط".
الطبيعة، بحسب عروة، "تعطيك إحساساً مختلفاً. حتى ردود أفعالنا كبشر تنحو نحو الإيجابية بسبب الطبيعة".
الحياة في الطبيعة، بنظر الشاب السوري، "اختيار سليم للبعد عن الحياة الاستهلاكية المتعبة، والتي يكون فيها الإنسان في سباق دائم مع الزمن، وفي قتال مستمر مع الحياة من أجل لا شيء".
تعود الأسرة السورية إلى اختبار أساليب عيش قديمة فقدها معظم البشر المتمدنين، منها نظام المقايضة. يقول عروة إن سكان المكان الذي يتواجدون فيه يعيشون بنظام المقايضة أو المبادلة، و"هو الطاغي على المعيشة، والناس الذين يعيشون هناك برازيليون وأجانب قدموا ليعيشوا بجانب السكان الأصليين".
حتى النفايات والفضلات لا يرمونها، ويعملون على الاستفادة منها. يشرح عروة أنهم يقسمون النفايات إلى ثلاثة أقسام: الأول، هو الأكل وبقاياه، وتوضع في حفرة بعمق نصف متر ثم توضع فوقها أوراق شجر يابسة فتراب، وبعد تحللها تستخدم التربة الممزوجة بها لزراعة النباتات؛ والثاني هو البلاستيك، ويجمع في وعاء ويمكن استخدامه لاحقاً في أعمال البناء؛ والثالث هو الزجاج ومنه تصنع ديكورات.
يتحدث عروة عن الاعتداءات على غابات الأمازون ويرى أن الهدف من الحرائق المفتعلة فيها هو محو آثار الطبيعة وتعزيز نمط الحياة الاستهلاكي، فمن المعروف في تلك المناطق أن الحرائق تفتعل من أجل بناء معامل وشركات صناعية.
خبرة عملية جديدة
استفاد عروة من الحياة في الطبيعة والغابات لزيادة خبرته في مجال العمارة. يقول: "خبرتي في الهندسة استفدت منها بشكل آخر. عملياً، كنت أعمل في الهندسة في سوريا ودبي كهندسة حديثة ومبانٍ عالية وأدراج وما إلى ذلك، واختبرت قمة الحياة الاستهلاكية في دبي ورأيت كيف تُصنع الأبراج الوهمية. أما هنا، فأمتلك أدوات مختلفة طبيعية لها علاقة بالشجر والطين والخشب والكلس الطبيعي، وهي مواد طبيعية وتشعر بتأثيرها المباشر على الشخص، فالعمارة خلقت لأشخاص أحياء، وبالتالي يجب أن تكون عمارة حية لتعطيك إحساساً بالحياة مثل البيت الدمشقي المبني من أحجار ومواد طبيعية".
عمل المهندس السوري في العمارة في الكثير من الأماكن، سواء كمتطوع، أو كمسؤول عن العمل، وبنى العديد من البيوت بالطين، ويقول إن "هذه العمارة ليست معروفة بتفاصيلها في العالم العربي حالياً، وكانت منتشرة في الماضي".
من وجهة نظره، العمارة المستدامة هي الأقرب إلى الإنسان، وهي مستدامة باستدامة الإنسان، "فيكون الإنسان خفيفاً على الأرض، وعلاقتنا كبشر تجبرنا على ذلك الموضوع، لأن إحساسك يقل بأنانيتك فتصبح كبشري لا تريد الأذية".
المكان المثالي للمرأة والأسرة
تشارك آية عروة حياته وشغفه في الحياة بالطبيعة، سواءً بطريقة الحياة أو بعملها كمهندسة جيولوجيا، وترى أن المعيشة كأسرة وتربية الأطفال في ذلك المكان هو شيء إيجابي وأفضل من حياة المدن.
تقول لرصيف22: "تكوين الأسرة في الطبيعة أفضل من المدن لأنه لا يوجد فيها التلوث المنتشر بكثافة في الحياة المدنية، والمعلومات التي نتلقاها في تلك الحياة كبيرة لا يمكن استيعابها، وقد تكون معلومات خاطئة آتية من العادات والتقاليد المجتمعية، وكثرة المعلومات يوجد جانب منه إيجابي، مثل تلك التي يمكن أن نحتاجها إذا مرض الطفل، وفي الوقت نفسه نتلقى معلومات خاطئة مثل طريقة تربية الطفل".
وعن خطورة الحياة على الأطفال في ذلك المكان، تؤكد آية أنه لا توجد مخاطر من الطبيعة على الطفل، فالحيوانات والحشرات نستطيع السيطرة عليها من خلال انتباهنا للطفل، واستخدام أساليب بسيطة مثل "الناموسية"، و"استيعاب الطبيعة للطفل أكبر من استيعاب المدن له".
برأيها، "عندما لا يكون لديك خوف من الطبيعية لا تجد شيئاً يجعلك تخاف منها وبالتالي لن تضطر لأذيتك"، وتضيف: "توجد حالات نادرة لأذية الطبيعة مثل بعض أنواع الحشرات المؤذية لكنها نادرة، والأفاعي والحيوانات تفهم الطفل أكثر مما يفهمه الإنسان بكثير، ونجد الطفل سعيداً وهو يلعب مع العصافير والقرود، والمكونات الطبيعية والحية صحية هنا أكثر للطفل، لأنه يوجد فيها حياة أكثر من اللعب بالألعاب البلاستيكية المنتشرة في الحياة المدنية، والطبيعة تزيد الطفل دهشة".
"هنا يستطيع الإنسان التخلص من أنانيته ومن إدمان نمط الحياة الاستهلاكي الذي تحوّل إلى مارد كبير وحدّ حياتنا كبشر بالأكل والشرب والنوم والاستهلاك فقط"... تجربة أسرة سورية قررت العيش في قلب غابات الأمازون
"لم أضطر أن ألتزم بلباس ونمط حياة مغلق كالذي كنت أعيشه في المغرب. هنا عشت الحرية ورأيت أن الناس لا يهتمون بشكلي وجسدي ولا يعلقون على تصرفاتي"... تجربة شابة مغربية في حضن الطبيعة قرب غابات الأمازون
وتضيف آية أن الطبيعة هي المكان المثالي للمرأة في عصر الاستهلاك والسرعة، فهناك الكثير من المعلومات الخاطئة التي تأتيك من الحياة المدنية بالنسبة لتربية الطفل، وحتى بتفاصيل حياة المرأة خصوصاً في مجتمعاتنا العربية.
السياحة الجيولوجية
بحكم أن آية مهندسة جيولوجية، وتحب الطبيعية والحجارة تتحدث عن المنطقة التي تسكن فيها وتقول إن "طبيعتها تعود لأكثر من 200 مليون سنة عندما انفصلت وحدث الانشراخ عن القارة الإفريقية وظهرت هذه الجبال في البرازيل، والدليل على ذلك أنه توجد نفس الطبيعة في إفريقيا، وذلك مهم جداً بالنسبة إلى عملي ودراستي في الجيولوجيا".
وتضيف أن السياحة الجيولوجية في الطبيعة هي نمط جديد من السياحة، ولكن العيش والتجربة أفضل، فـ"السياحة الجيولوجية تحافظ على المناطق الطبيعية وتلفت الانتباه إليها وتساعد الناس على الوصول والتعرف على الطبيعة بأقل شكل من الإضرار بها، وفي الوقت نفسه تفيد المجتمعات المحلية، وتساعد في إحيائها وتظهر للناس أهمية المنطقة التي يعيشون فيها".
نتيجة خبرتها المكتسبة في السياحة الجيولوجية، تقول آية إنها تعمل حالياً على عدة مشاريع في سوريا وتأمل أن ترى النور في المستقبل.
الحب والسلام... قيم من رحم الطبيعة
تقول الشابة المغربية فاطمة (32 عاماً) إن حياتها انقلبت رأساً على عقب عندما قررت إنهاء حياتها الاستهلاكية المدينية في المغرب والتوجه إلى البرازيل للعيش في غابات الأمازون والطبيعة.
تركت فاطمة المغرب قبل سبع سنوات، لأنها شعرت بأن حياتها كانت عبارة عن عمل متواصل من دون فائدة، فكانت تعمل في وظيفتين كي تستطيع دفع إيجار منزلها ومصاريف المعيشة الغالية في المغرب، وبعد وفاة والدتها أصابها نوع من الاكتئاب الحاد والعزلة، فقررت الهروب من بلدها والعيش في الطبيعة بعد أن حدّثتها صديقتها منى التي تعيش هناك ونصحتها بأن تغيّر حياتها.
"شعرت بأن جسدي وروحي يتلاشيان بفعل الحياة الاستهلاكية التي عشتها في المدينة، وفي البرازيل عشت السلام والطمأنينة وراحة البال، ورميت بأدويتي النفسية في القمامة مرة واحدة وإلى الأبد، وبدأت العيش بسلام في الغابات مع بشر يشبهونني ولا يميزون بين إنسان وآخر بحسب الجنس أو الدين أو العرق"، تقول فاطمة.
منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى حضن الطبيعة، "لم أضطر أن ألتزم بلباس ونمط حياة مغلق كالذي كنت أعيشه في المغرب، هنا عشت الحرية ورأيت أن الناس لا يهتمون بشكلي وجسدي ولا يعلقون على تصرفاتي، بل على العكس، عشت قيم المحبة من خلال تعاملهم اللطيف والإنساني معي ومع غيري".
وتتابع: "في هذا المكان برازيليون وعرب وأوروبيون وأشخاص من جنسيات متعددة، يجمعنا الحب والسلام والطمأنينة، حتى أني لم أفكر أبداً بالعودة إلى بلدي، وأمضيت هنا ست سنوات وسأظل في هذه الحياة حتى إشعار آخر، فأنا مرتاحة ومتأقلمة مع حياتي بين الأشجار والحيوانات، ولا حاجة للمال للحياة في الطبيعة، ولا تشغل تفكيرك طوال اليوم والشهر والسنة مواضيع مثل كيف تشتري الطعام والماء كما في حياة المدينة الاستهلاكية. الطبيعة تعلمك وتهذبك وتجعلك مسالماً ومحباً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون