يحبّذ أهل إب العيش بهدوء بعيداً عن أجواء الحرب والخراب، ورغم تفضيلهم للحياة في قراهم، إلا أن التغيرات المناخية، وارتفاع تكلفة الزراعة، والحرب الأهلية، وانعدام العدالة الاجتماعية، دفعت العديد منهم إلى البحث عن عمل في دول الخليج الغنية بالنفط، خاصة السعودية البلد المجاورة لهم.
تشهد معظم المحافظات اليمنية مواجهات بين الحوثيين والقوات الموالية لهادي، إلا أن محافظة إب، التي يطلق عليها سكانها اسم "مدينة السلام"، ظلت محافظة على مكانتها وأمنها، وفتحت أبوابها لنازحين من المحافظات الأخرى.
يطلق اليمنيون على إب لقب "اللواء الأخضر"، بسبب اتساع الرقعة الخضراء في أراضيها، و"عاصمة اليمن السياحية"، وتبلغ مساحتها حوالي 5,552 كم2 تتوزع في عشرين مديرية متباينة المساحة، تعد البلدة الزراعية الرابعة في البلاد، بعد سهل تهامة، وصنعا،ء ومأرب، وتغلب قراها الريفية على المدينة، فتتمتع بمناخ معتدل طول العام، وأمطار موسمية تتساقط في فصل الصيف، ويعتمد سكانها بدرجة أولى على المنتجات الزراعية والحيوانية.
"لا أمطار ولا قات"
في المرتفعات والمناطق الجبلية والوديان الخصبة، يتوزع الآلاف من السكان في العشرات من القرى، لا يسمعون كثيراً أخبار الحرب والصراع في البلاد، لكنهم يلتمسون آثارها في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانعدام المشتقات النفطية، أو في وصول جثة لأحد أبنائهم قتل خلال المواجهات.
"ينهمك أبناء المناطق الريفية في زراعة حقولهم، وتربية حيواناتهم، ويترقبون بصمت أي شيء جديد عن مستقبل بلدهم، ويتفاءلون بوقف الحرب"، يقول طاهر أحمد، أحد سكان ريف إب.
ويمتلك طاهر (35 عاماً) الذي ينتمي لـ"عزلة الشهلي"، التابعة إدارياً لمدينة جبلة التاريخية، ثلاث أبقار، وعشر أغنام، وعدة حقول من الذرة، وشجرة القات.
"لا يوجد ذلك الطابع المتشدّد الذي تعيشه المدينة بالنسبة للاختلاط، فالحقول تجمع النساء والرجال، يتشاركون السعادة والحزن ويقتسمون لقمة العيش فيما بينهم".
تحب صفية حياتها الريفية، زوجها وبيتها ومواشيها، وتسعد كثيرا بالجلوس مع زوجها ليلا على ضوء الفانونس، وتمضغ القات، وتقطف وردة من حديقتها، تضعها على رأسها لتتزين، فلا وجود للمكياج.
حياة طاهر وأسرته بسيطة، مثل معظم أبناء قريته، يأكلون مما يزرعون في حقولهم، وما توفره لهم البقرات من ألبان وسمن، ويعتمدون على الحطب الذي يجلبونه من الجبال في طبخ الطعام، ويجنون المال أيضاً من بيع محصول شجرة القات لتوفير الاحتياجات الأخرى.
في الصباح الباكر يذهب طاهر لجلب الماء على ظهر الحمار، ويعود إلى منزله لتناول وجبة الإفطار، ثم يخرج برفقة زوجته إلى الحقل، يستمتعان بشمس ما بعد الظهيرة، وينشغل بأمور الزراعة، وتعمل زوجته على رعاية الأبقار ومساندته في أعمال الزراعة.
كان طاهر يحتفظ بمحصول الذرة في براميل حديدية، حتى يحافظ عليها لعدة سنوات، لكن هذا العام، لم يجن أكثر من برميل، ولن يكون كافياً له ولأسرته، ولا يستمر معه حتى لشهرين.
يضطر طاهر وغيره من المزارعين لشراء الدقيق من السوق، فلم تعد المحاصيل كافية لإطعامهم.
يقول طاهر لرصيف22: "كنا نجمع من هذه الأرض أكثر من 30 قدح من الذرة (كيس حبوب يزن 40 كيلو)، أما خلال السنوات الأخيرة لا يزيد المحصول على خمسة أقداح".
يعاني طاهر وأبناء قريته كثيراً في الحصول على الحطب والماء، بالإضافة إلى تراجع كمية المحاصيل الزراعية بنسبة تصل إلى 60%، بسبب شح الأمطار ونضوب عيون المياه، "بالإضافة إلى أن حراثة الأرض وزراعتها تكلفنا الكثير من المال"، يضيف طاهر.
وتابع طاهر: "يتجاوز ما ندفعه لحراثة الأرض ودفع إيجار العمال، قيمة المحصول الذي بات قليلاً جداً، حتى الدنيا باتت شمس وريح، لا أمطار ولا قات".
في ريف محافظة إب، يعتمد السكان على الزراعة بشكل أساسي، بالإضافة إلى حوالات المغتربين من خارج البلاد، معظمهم يرحلون إلى السعودية، فبعدما تراجعت نسبة المحاصيل الزراعية، ويبس الكثير من الأشجار، مثل حقول البن التي تحولت إلى حطب، بسبب قلة الأمطار والجفاف.
"لا صحة ولا تعليم"
حياتهم تحت ظلال أشجار البن والطلح والسدر، فمع هذه الأشجار ومع الأبقار والحمير والأغنام التي يعتمدون عليها في توفير الغذاء، يعيشون حياة ريفية خالصة بعيداً عن المدنية، رغم ملامستهم للحياة الحديثة، عبر استخدام الطاقة الشمسية في الإنارة والهواتف المحمولة، والسيارات في التنقل بين الريف والمدينة، لكنهم يعانون كثيراً في الحصول على الخدمات.
"لا توجد مراكز صحية وكوادر مؤهلة في الأرياف لعلاج المرضى، ويضطرون للذهاب إلى المدينة للعلاج"، يقول حسن الرفاعي.
حتى المدارس الثانوية قد تكون غير موجودة في الكثير من المناطق الريفية، ما يجبر شباب الريف على قطع عدة كيلومترات بين الحقول والجبال من أجل الوصول إلى المدرسة، فيما يترك الكثير منهم الدراسة في سن مبكر، يضيف الرفاعي.
وبيّن الرفاعي، وهو معلم في إحدى المدارس الحكومية في قرية خباز التابعة لمديرية العدين، لرصيف22، أنه لا يوجد اهتمام من قبل الدولة بالمزارعين الريفيين، لا بصحتهم ولا بتعليم أبنائهم، فحتى الطرقات الجبلية الواصلة بين القرى والمدن وعرة جداً، ويفقد الكثير من السكان حياتهم في سقوط مركباتهم في تلك الطرقات.
"حياة بسيطة تمنحكم السعادة"
"كنت أحسبك ملكي والملك لله
واليوم قنع قلبي والحمد لله
كنت أحسبك خاتم بناني الخمس
واليوم يا بعد القمر من الشمس
كنت أحسبك ملكي ومامعيا
واليوم تقلب صورتك عليا
سميتني لك سم بين صبوحك
العافيه لي والمرض لروحك
ياللي جرح قلبي له الجرايح
له الجذام ينزل عليه صفايح
ياللي جرح قلبي له الجريحه
له الجذم بعينه الصحيحه"
تجسّد تلك المقطوعة التي يرددها سكان "مدينة السلام" في الحقول، الحياة البسيطة، وحالة الحب والوجد.
لا يوجد ذلك الطابع المتشدّد الذي تعيشه المدينة بالنسبة للاختلاط، فالحقول تجمع النساء والرجال، يتشاركون السعادة والحزن، ويقتسمون لقمة العيش فيما بينهم.
الكرم سمة عامة في ريف إب، يستقبلون الضيف ويقتسمون معه قطعة الخبز، وعلبة اللبن، حتى في أحلك الظروف التي تمر بها البلاد، يقول ماجد علي.
ويضيف علي (28عاماً) وهو خريج كلية تربية، يسكن في منطقة السيف التابعة لمديرية السياني: "الحياة في ريفنا بسيطة تمنحك السعادة، والمشاركة في الأعمال الجماعية، والتعاون في زراعة الحقول، ونصرة المظلوم، ومساعدة المسكين والضعيف، فسكان القرى متماسكون ومتحدون فيما بينهم".
من جهة أخرى، لاتزال القبيلة هي وحدة الانتماء في إب، يقول علي: "ما دمت من نفس العشيرة، يحق لك أن تحب وتتزوج الفتاة التي تهواها ويتيح لك الريف أن ترمقها من وراء الأحجار والأشجار، وما دمت قادراً على الزواج منها لن يحول بينك وبينها أحد".
لا وجود لأشكال الرفاهية الحديثة في إب، فرفاهية السكان العمل بالحقول، والعيش مع الطبيعة، ومن أبرز الأوقات الممتعة اليومية، بعد تناول وجبة الغذاء، حيث يجتمع الرجال في مجلس واحد لتناول نبتة القات حتى المساء، وخلال اجتماعهم يخوضون في أحاديث السياسة والدين، ويتناولون قضاياهم ومشكلاتهم، ويضعون الحلول المناسبة لها، بحسب بلال مجلي، أحد سكان قرية الجبجب التابعة لمديرية بعدان، في حديثه لرصيف22.
صفية عبده مهدي (55 عاماً) متعلقة كثيراً بالحياة الريفية وبمنزلها ومواشيها، وتسعد كثيراً بالجلوس مع زوجها ليلا على ضوء الفانوس، ومضغ نبتة القات، فهي الحياة التي نشأت عليها منذ شبابها.
تقول صفية أنها تفضل الحياة في قرية "المفحارة" التابعة لمديرية "جبلة"، ببراءتها، وجمالها الطبيعي، وعندما تحب أن تتزين، تقطف وردة من حديقة بيتها، وتضعها على رأسها، وتستخدم الكحل الذي يجلبه زوجها لها من المدينة، بحسب حديثها لرصيف22.
تحب صفية حياتها الريفية، زوجها وبيتها ومواشيها، وتسعد كثيرا بالجلوس مع زوجها ليلا على ضوء الفانونس، وتمضغ القات، وتقطف وردة من حديقتها، تضعها على رأسها لتتزين، فلا وجود للمكياج.
وأضاف مجلي: "النساء هن الأخريات يعقدن مجالسهن، ولا تغيب نبتة القات أيضاً، وفي المجالس تحضر الأغاني الشعبية والتقليدية والعربية، من خلال سماعهن لأشرطة الكاسيت أو 3MP، للترويح عن النفس والاستراحة بعد يوم شاق من العمل في الحقول أو مطاردة المواشي في الجبال".
"سلطة المشايخ على الضعفاء"
تبقى سلطة الشيخ هي الأعلى في الريف، وهو المخوّل بحلّ القضايا والنزاعات في القرية، لكنه في المقابل يفرض إرادته على الرعية ويتحكم بكل شيء، حتى في شؤون الأسرة الخاصة.
تحررت بعض المناطق الريفية من سلطة المشايخ، بعد ثورة الشباب السلمية في 2011، لكن ما زالت لهم سلطة قوية ونفوذ كبيرة، فهم يمتلكون معظم الأراضي في المناطق الريفية، يقول الناشط الحقوقي هشام محمد.
ويضيف محمد في حديثه لرصيف22، أن سلطة المشايخ مفروضة على "الضعفاء" وخصوصاً، الذين لا يمتلكون الأرض، فيكون كل شيء ملك للشيخ، (البيت والماشية والأرض)، ويجب على الرعية تنفيذ أوامر الشيخ حتى لا يطردهم من منزلهم".
"الكثير من الأسر اضطرت أن تترك كل شيء وتغادر إلى المدينة، بسبب الظلم المفروض عليها، وبحثاً عن الحرية"، يقول محمد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع