تخيّلي أن يُزجّ بكِ في السجن لأن لديك ميولاً جنسية مختلفة، أو لأن ولي أمرك رفع قضية عقوق والدين ضدك لرفضك عريساً على سبيل المثال؟
تخيلي أيضاً أن يكون هذا السجن هو الملجأ الوحيد لكِ، بقرار منك، بعدما اعتدى أحد أفراد أسرتكِ عليك جنسياً، أو تعرضتِ للتعنيف من قبل أحدهم؟
قد تكون الأمثلة درامية للبعض، أو قد يشعر القارئ أنه مُبالغ فيها، لكنها عيّنة عما تتعرض له فتيات هذا السجن الذي يُطلق عليه اسم "دار الرعاية" في السعودية.
تستقبل الدار فتيات من عمر السابعة حتى الثلاثين عاماً، ولا يخرجن منه إلا بموافقة ولي الأمر الذي يكون غالباً سبب هروبهن (بعد سن الـ30، إن كان هناك حكم قضائي ضد الفتاة، تُكمل عقوبتها في سجن نسائي، وإلا فقد تُحال إلى "دار الضيافة" ولا يُسمح لها بالخروج منه).
هذا الموضوع بات حديث تويتر، أو حديث التايملاين السعودي، على الأقل حالياً. سابقاً، خرج إلى دائرة الضوء بين الفينة والأخرى، ولكنه هذه المرة مختلف بعض الشيء بعدما أطلقت الناشطة النسوية السعودية سارة اليحيى حملة "الشريط الأبيض"، تضامناً مع فتيات دار الرعاية.
وسرعان ما انتشرت الحملة عبر هاشتاغ "#الشريط_الأبيض"، شاركت فيه آلاف الفتيات بكلمة لمواساة "السجينات" أو بنشر صورة تظهر وضعهن شريطاً أبيض على المعصم أو على الثياب.
ابتزاز
في حوارٍ مع رصيف22، نقلت سارة صورة واضحة لما يجري في دار الرعاية، مشيرةً إلى أنه يتم استغلال الدعاوى الكيدية كعقوق الوالدين، والتغيّب، والهروب لوضع الفتاة في هذه الدار.
ابتزاز تتعرض له الفتاة السعودية في "دار الرعاية" لتتنازل عن الكثير من الأمور، منها الشكوى التي تكون قد قدمتها ضد معنفها، الأخ أو الأب أو الأم، على سبيل المثال.
وتحدثت عن ابتزاز تتعرض له الفتاة السعودية في "دار الرعاية" لتتنازل عن الكثير من الأمور، منها الشكوى التي تكون قد قدمتها ضد معنفها، الأخ أو الأب أو الأم، على سبيل المثال.
وحمّلت سارة "المتشددين والمتطرفين وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" مسؤولية ما تتعرض له فتيات دار الرعاية، موضحةً أن آراء هؤلاء "مُتحكمة في الدار".
الحرية مقابل الزواج
تطالب سارة والمشاركات في هذه الحملة بإلغاء اشتراط موافقة ولي الأمر لاستلام السجينة، كاشفات أن التخلص من هذه الدار يتم أحياناً بتزويج الفتيات إذا رفض الأهل خروج ابنتهم وتبرأوا منها بموافقة خطية.
تقول سارة: "من يتقدم للزواج غالباً ما يكون متشدداً أو منبوذاً من المجتمع أو من أصحاب السوابق، والسبب هو انخفاض سعر المهر الذي لا يتعدى 3000 ريال (نحو 800 دولار أمريكي) وأقل أحياناً".
وتضيف: "إذا تم الطلاق، يبلغ الزوج دار الرعاية بذلك، فتعود الضحية إليها مجدداً وإن رفضت الفتاة يُقدَّم بلاغ ضدها بحجة التغيّب والهروب، فتغدو مطلوبة لدى الجهات الأمنية".
وتتابع: "لكي تخرج الفتاة من الدار عليها أن تتزوج مرة أخرى. هكذا تتكرر سلسلة استغلال الفتيات باشتراط الخروج من الدار مقابل الزواج".
وتوضح: "لا يتم تزويج الفتاة قسراً إلا بعد التثبت من نبذ أهل الضحية لها وعدم رغبتهم في استلامها".
وتطالب مؤسِسة حملة "الشريط الأبيض" أيضاً بتعويض فتيات دار الرعاية بعد إطلاق سراحهن عن كل سنة ضاعت من عمرهن، وهن ينتظرن موافقة أولياء الأمر لإخراجهن من السجن، مستنكرة: "من غير المعقول أن تُطلب من الذي تسبب بإيداع الضحية دار الرعاية، الموافقة لإخراجها".
وتلفت إلى ضرورة تأمين مأوى للفتيات والسماح لهن بحرية التنقل، قائلة:"أغلب قضاياهن تغيّب وهروب وعقوق، أي 'بلاغ كيدي'، والسبب العنف الأسري واعتداءات الأب والأخ والأم. والكارثة هي عدم معاقبة الجناة الذين تسببوا بهرب الفتيات".
تعذيب
تقول سارة إن تعذيب الفتيات يتم داخل الدار نفسياً بحرمان الضحية من أشياء ضرورية أو عزيزة عليها بهدف أن تعود إلى مُعنّفها وأن تحمد ربها وتصبر، وألا تعترض وإلا فسيواجهها مصير أبشع من مصيرها في بيت أهلها، على حد قولها.
عام 2017، ظهر حساب على تويتر باسم "حقيقة دار الرعاية" لفضح واقع الفتيات في دور الرعاية هذه، ومما كُشف أن هناك كاميرات مراقبة في كل مكان، وأن الأضواء لا تُطفأ حتى ليلاً من أجل المراقبة.
حملة "الشريط الأبيض" انطلقت للتضامن مع ضحايا ما يُعرف بـ"دار الرعاية"، حيث تعيش فيه سعوديات تجربة ابتزاز وتعذيب وإهانة، بإشراف من أولياء الأمور... مؤسِّسة الحملة وإحدى ضحايا الدار تحدثتا لرصيف22 عن "أشياء قبيحة كثيرة تحدث في الداخل"
"كاميرات في كل مكان حتى في الحمامات... تفتيش جسدي بشع، يعاملوننا كأننا فئران"، تخبر "أميرة" عن تجربتها في "دار الرعاية" في السعودية. أُدخلت الدار لأنها "تغيّبت عن المنزل"، وسبب الغياب كان خروجها للتبليغ عن عنف تتعرض له
وكشفت صاحبة الحساب المجهولة الهوية أن الفتاة إذا رفضت فعل ما يُطلب منها كتنظيف العنبر، تُهدد بالسجن الانفرادي أو تُحرم من وجبة الطعام. ولفتت إلى أنه يتم جلد الفتاة 40 جلدة على الأقل عند مقابلتها القاضي، أيّاً تكن التهمة. والتهمة عالباً هي رقص في العنبر، أو محاولة انتحار مثلاً، ويتم الجلد كل خميس، بحسب قولها.
وفي إحدى التغريدات، قالت: "أكبر مخاوفهم تصير علاقة بين بنتين ممنوع اللمس ممنوع أي تواصل بينهما حتى لو بالعين. على طول يقولون شاذات وينكتب عليهم قضية"، وتابعت: "يظلمون البنات حتى لو مزحوا مع بعض بالشذوذ (المثلية الجنسية)، تعرفون وش يصير للبنت المتهمة بالشذوذ؟".
وفي هذا السياق، لفتت المغردة المجهولة إلى أن صاحبة الشعر القصير تُجبر على لبس قبعة لأنها "متشبهة بالرجال"، أما صاحبات الشعر الطويل، فيُجبرن على ربطه لأنهن "يُحاولن إغراء الأخريات".
وكشفت أن معظم الفتيات أُرسلن إلى دور الرعاية بسبب "علاقات عاطفية" أو التعرض للتعنيف من قبل أحد أفراد أسرتهنّ.
فراش وسط الحمام
في حوار مع رصيف22، أكدت إحدى ضحايا دور الرعاية السعودية، أميرة (اسم مستعار)، ما ذُكر في حساب "حقيقة دار الرعاية" على تويتر، موضحة أن من تدخل دار الرعاية ليس الفتاة التي أراد أهلها التخلص منها أو معاقبتها، بل أيضاً الفتاة التي رفض ولي أمرها استلامها من السجن بعد انتهاء عقوبتها.
وقالت أميرة: "هناك كاميرات في كل مكان، حتى في الحمامات"، مؤكدةً أن الفرق بين دار الرعاية والسجن هو المسمى.
وأضافت: "هناك تفتيش جسدي بشع ومعاملة بشعة، يعاملوننا كأننا فئران. هناك أشياء قبيحة كثيرة تحدث في الداخل".
وأشارت إلى استخدام هواتف الفتيات من قبل المُشرفات من دون إذنهن، وتهديدهن بالحبس الانفرادي "لأي سبب"، واصفةً الحبس الانفرادي بـ"الفراش وسط الحمام".
وروت أنها دخلت دار الرعاية بعدما رفع أهلها ضدها قضية "تغيّب" عن المنزل، موضحةً: "أنا أصلاً تغيبت عشان أبلغ على العنف اللي يصير لي، مع ذلك ما سمعوا لي".
يطول الكلام عن انتهاكات دور الرعاية، ولكن لا بد هنا من لفت الانتباه إلى محاولة فتيات عدة الانتحار، منهن لمى ابنة الـ21 ربيعاً التي أنهت حياتها عام 2015 بواسطة قطعة قماش قصتها من سجادة الصلاة داخل حبسها الانفرادي الذي قضت فيه 20 يوماً.
"العار ليس ابنتكم التي في الدار، بل العار أنتم عندما عرّضتم ابنتكم للاغتصاب والتحرش من أبيها أو أخيها أو الغريب".
وتؤكد صديقات لمى أنها دخلت دار الرعاية بعد هربها من والدها الذي كان يعنفها.
رسالة إلى الأهل
ومن خلال رصيف22، وجّهت سارة رسالة إلى أهالي فتيات دار الرعاية المنسيات، مما جاء فيها: "العار ليس ابنتكم التي في الدار، بل العار أنتم عندما عرّضتم ابنتكم للاغتصاب والتحرش من أبيها أو أخيها أو الغريب".
وأضافت في الرسالة: "اخترتم أن تغسلوا عاركم بإلقاء ابنتكم في دار رعاية حتى تُنسى، وحتى تفلتوا من مسؤوليتكم تجاهها. العار هو أنتم بتعنيف بناتكم وتهديدهن بشكاوى كيدية كعقوق وتغيب وهروب بسبب أنهنّ قرّرن الاستقلال بعيداً عن خطر تعنيفكم لهنّ"، مختتمة إياها بـ"لن نفعل مثلما فعلتم بهن: نبذهن".
خرجن من صمت الأمهات والجدات
وقالت سارة إن التفاعل مع الحملة أكد لها تكاتف النساء، وأيضاً الرجال، بشأن قضايا ضحايا العنف الأسري، مضيفةً: "أذهلني مستوى الوعي الذي تتميز به المرأة السعودية التي عُرفت بنضالها المستمر كونها أكثر من ذاق الصعاب مع غياب قوانين تجرّم العنف ضدها وتضمن سلامتها من أي خطر عائلي".
وختمت: "صور طالبات المدارس وهُن مرتديات الشريط الأبيض تشير إلى أن هنالك مستقبلاً مشرقاً بانتظار السعودية"، لافتةً إلى أن ما أعجبها هو أن "الفتيات خرجن من صمت جداتهن وأمهاتهن"، ورفضن ما ورّثنه لهن، وفي مقدمه "صوت المرأة عورة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...