ألم كبير فطر قلوب المصريين والوسط الفني لدى شيوع نبأ وفاة الفنان الشاب هيثم أحمد زكي في الساعات الأولى من صباح 7 تشرين الثاني/نوفمبر.
هذا الألم ليس مبعثه الصدمة فحسب، بعدما كثرت وفيات الشباب، ولا حتى لكونه فناناً، بل لأنه رحل وحيداً بلا أهل وأقارب تماماً مثلما عاش وحيداً.
حزن الجميع على هيثم "الإنسان" وتعاطفوا مع معاناته القاسية، و"حظه القليل" في الدنيا برغم ما ملكت يداه.
ولد هيثم في 4 نيسان/أبريل عام 1984، وهو الثمرة الوحيدة لزواج الفنانين الراحلين أحمد زكي وهالة فؤاد. حسده كثيرون طوال حياته لأنه نجل وحيد لاسمين بارزين في عالم الفن، وجدّه المخرج الكبير أحمد فؤاد وخاله المخرج المعروف هشام فؤاد.
وعندما دخل عالم التمثيل، عدّ البعض ذلك "توريثاً للفن"، وهاجموه وكأنما يحاسبونه على ولادته في عائلة فنية بعدما كانوا يغبطونه على ذلك.
مأساة إنسانية
سطران لا غير قد يكونان كافيين لسرد السيرة الفنية لهيثم، لكن معاناته ربما لن تكفيها كتب، وقد تختصرها في الوقت نفسه كلمة واحدة هي "الوحدة".
خلال مقابلة تلفزيونية حديثة، قال هيثم إن الرابط المشترك بينه وبين والده هو "الابتلاء بالوحدة".
لم ينتبه كثيرون إلى أن معاناة هيثم بدأت باكراً جداً عقب طلاق والديه وهو طفل، وقست عليه الحياة أكثر فأكثر بفقدان والدته بعد صراع مع السرطان عام 1993 عن عمر هو، للمفارقة، العمر نفسه الذي توفي فيه، 35 عاماً. حصل ذلك بعد عام على وفاة جده.
وعام 2005، باغته الموت مرة ثانية بخطف والده بعد صراع مرير أيضاً مع المرض. وكأنما كتبت عليه الوحدة الكاملة بعد غياب جدته التي ربته عام 2007، ولحق بها خاله عام 2011.
لم يبق لهيثم سوى خالته التي قيل إنها كانت تتردد إليه بين وقت وآخر، وخطيبته حيث كان مرتبطاً بخبيرة الطاقة إنجي سلامة التي قيل الكثير عن شبهها بوالدته.
في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، تعرض هيثم لأزمة صحية ذهب على إثرها للطبيب، وأفادت تقارير إعلامية بأنه لم يجب على هاتفه منذ ذلك الحين.
لكن العاملين في منطقة سكنه أكدوا أنه خرج فجر 6 تشرين الثاني/نوفمبر إلى صيدلية قريبة لشراء دواء بسبب "ألم في المعدة وضيق في التنفس".
بعد ذلك، أبلغت خطيبته السلطات أنه لا يرد على هاتفه، فانتقلت قوة أمنية إلى منزله واكتشف أنه جثةً هامدة على أرض الحمام. وعلى الفور، أعلنت نقابة المهن التمثيلية وفاة الفنان الشاب بصورة طبيعية، مرجحةً أن السبب "هبوط حاد في الدورة الدموية".
المصريون افتقدوا هيثم أحمد زكي إنساناً أكثر منه فناناً، فسيرته الفنية قصيرة للغاية، أما مأساته العائلية فمريرة... بعد رحيله أدرك الجميع كم تألم وكم ظُلم
الوحدة كانت عاملاً رئيسياً في حياة كما وفاة هيثم أحمد زكي... عاش وحيداً وخطف الموت كل أحبائه، قبل أن يأخذه بغتةً ليمنحه تعاطفاً وحزناً كبيرين في قلوب من عرفه ومن لم يلتق به أبداً
فور تداول خبر الوفاة، رأى المصريون هيثم للمرة الأولى كما كان ينبغي أن يحدث. رأوا فيه ابناً أو صديقاً أو حتى أنفسهم.
أدركوا كم يشبههم واحتمال أن يمر أي منهم بالمصير نفسه، فحزنوا لأجله إنساناً أكثر منه فناناً.
حاولوا البحث عن عزاء، فقال بعضهم إنه للمرة الأولى لن يكون وحيداً إذ سيعود إلى حضن أمه التي فقدها طفلاً، وإلى والده.
وتبنوا حملات للترحم عليه والدعوة لمشاركة ضخمة في جنازته، كونه المصري الوحيد الذي مات وليس له أهل يتمنى لهم المعزون "الصبر على فقدانه"، مرددين عبارة "عاش يتيماً ومات وحيداً".
نعاه أيضاً عدد كبير من الفنانين العرب الذين وصفوه بـ"الطيب والخجول والجدع والمحترم وابن الغاليين".
وكشفت الفنانة ناهد السباعي، عبر حسابها على فيسبوك، عن أنه كان دائماً يقول لها إنه يخشى الموت وحيداً من دون أن يشعر به أحد، مؤكداً أنه سيموت صغيراً، معربةً عن صدمتها لتحقق توقعاته.
رحلة فنية قصيرة… وصعبة
في ما يأتي الأفلام التي شاركها هيثم فيها: "حليم" و"البلياتشو" و"كف القمر" و"سكر مر" و"الكنز (جزءآن)" و"نقطة دم". أما في التلفزيون فشارك في مسلسلات "الصفعة" و"دوران شبرا" و"السبع وصايا" و"أستاذ ورئيس قسم" و"كلبش" وأخيراً "علامة استفهام" في رمضان الماضي. وظهر ضيف شرف في مسلسلي "الجماعة" و"إمبراطورية مين".
وكان قد بدأ مشواره الفني بعد عام على رحيل والده، لاستكمال دوره في فيلم "حليم"، مستفيداً من الشبه بينهما، ثم توقف عن التمثيل 3 سنوات، قدم بعدها عدداً من الأفلام والمسلسلات التي لم تمنحه "النجومية".
إلى جانب معاناته الإنسانية، ظلم هيثم فنياً كثيراً، على يد من قارنوا موهبته "الناشئة" بموهبة والده في عز تألقه، ومن اتهمهوه بالافتقار إلى الموهبة واستغلال اسم والده.
انتقده الجميع، هكذا اعترف كثر بعد وفاته.
"نحن الفنانين الشباب من أبناء النجوم، في ورطة منذ دخلنا الوسط الفني بسبب مقارنتنا بأهالينا"، قال في حزيران/يونيو الماضي، خلال مقابلة تلفزيونية. لكن أحداً لم ينتبه إلى ما قال إلا بعد وفاته.
رحل هيثم، صاحب العينين الدامعتين الحزينتين، تاركاً المصريين يدعون إلى "صلة الأحبة" وبغض الوحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...