من بين العديد من المجالات التي تتطلب اشتباكاً مع الواقع، يأتي مجال الدعاية والإعلان، ليكون مرآة للمجتمع وعاكساً له، يترجم عقلية المستهلك والمتلقي في هيئة إعلان وحملة دعائية، بما في ذلك قضايا المرأة والتوجهات الجنسية المختلفة، لا سيما إن كانت تلك الدعاية تتناول المنتجات الجنسية.
مؤخراً، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، وجهة جاذبة للعديد من الشركات المنتجة للمحفِّزات الجنسية أو بعض المنتجات المساعدة، كما تعددت الصفحات المهتمة بمجال التوعية الجنسية، منها "خط أحمر"، و"احذري الإيدز يا أختاه"، و"الحب ثقافة"، وغيرها، ولطالما كانت منشورات تلك الصفحات قادرة على جذب التفاعل أحياناً، والتعليقات الساخرة أحياناً أخرى، ولكن ما الذي يجري وراء الكواليس، ما الذي يواجهه العاملون في مجال الدعاية للمنتجات الجنسية، أو حتى المهتمون بالكتابة والنشر عن التوعية الجنسية؟
مشرفة دعائية لمنتجات جنسية
"ر.ن"، مصرية، في منتصف العشرينيات، تعمل بإحدى الشركات المتخصصة بالدعاية والإعلان على منصات التواصل الاجتماعي، تروي لرصيف22: "منذ 10 شهور مضت، تعاقدت شركتنا مع إحدى شركات الأدوية التي طرحت بعض الأدوية المنشِّطة جنسياً، وتوليت مسؤولية الإشراف على الحملة الدعائية للمنتجات، في البداية واجهت معضلة إن كنت سأصرح بطبيعة عملي أم لا، ولكنني أخذت قراراً بعدم الإفصاح لعدة اعتبارات، أهمها ألا يكون هناك أي حساسية بيني وبين الأصدقاء في حساب الفيس بوك، والمعجبين بالصفحة الخاصة بالدعاية للمنتجات، وألا يشعروا أن هناك انتهاكاً لخصوصياتهم في حال رغبوا في مراسلة الصفحة بأي استفسار".
وتتابع "ر.ن": "بالطبع واجهت مصاعب في بداية الحملة، ولكن من أهم العوامل التي ساعدتني على اجتيازها، أننا أسسنا الشركة كمجموعة من الأصدقاء، فأنا جزء من الشركة نفسها وليس فقط موظفة، أما الشركة التي تعاقدنا معها، فعندما عرفوا أن المسؤول عن الحملة فتاة، طلبوا أن يكون هناك رجل على الصفحة يتعامل مع الجمهور واستفساراتهم، فقمنا بتجربة بسيطة معهم، حيث قمنا بتعيين رجل في الصفحة بشكل صوري، لا يقوم بأي عمل، سواء علني أو من خلال الرسائل، وكل الصلاحيات بيدي أنا، ففوجئنا أنهم أعجبوا بأداء الصفحة، وقالوا إن الأداء تحسن، ففاجأناهم أنني لازلت القائمة بالعمل على الصفحة".
"كانت حجة الشركة المتعاقدة معنا، أن الفتاة قد لا تستطيع التعامل مع بعض المواقف، وبالفعل فأذكر أن رجلاً أرسل صورة عارية له، ولكن السبب لم يكن لأن مديرة الصفحة امرأة، فهو لا يعلم ذلك من الأساس".
"أكثر رسالة غريبة وصلت لنا، كان أحد المتابعين يتخيل أننا نقدم خدمات جنسية مدفوعة الأجر، وعندما حاولنا إفهامه أننا نعمل على التوعية الجنسية، عرض مبلغاً أكبر"
"المجتمعات العربية تعطي للذكر حق التعبير عن أفكاره وآرائه الجنسية أكثر من النساء، لكن في التجمعات المغلقة نجد النساء لديهن الجرأة والشجاعة للتحدّث بحرية"
وتضيف "ر.ن": "على جانب آخر، الصفحة والدعاية قائمة على فكرة الكوميديا، مما يعطي مساحة أكبر للتعليقات المحرجة، خاصة بيننا كزملاء وفريق عمل، وفي النهاية نحن نتعامل مع منتجات جنسية، ولكنني وضعت قاعدة مهمة قطعت الطريق أمام أي محاولة للتمادي، وهو أنه طالما انتهى اجتماع العمل، انتهى الحديث في تلك الموضوعات، كذلك برمجت نفسي أنني أتعامل كآلة وليس امرأة أو رجل".
"برمجت نفسي أنني أتعامل كآلة وليس امرأة أو رجل".
"مرة سألني شاب كيف يُستخدم المنتج"، هكذا علقت "ر.ن" على أغرب المواقف التي قابلتها خلال عملها، فتقول: "شخص ما أرسل لي صورة عارية لجسده، يسألني كيف يستخدم المنتج، والغريب في الموقف ليس أن إرسال صور عارية لأشخاص أغراب شيئ مقزز فقط، وإنما كذلك درجة الجهل التي تجعل شخصاً لا يعرف كيف يستخدم جيل مزلق خلال العملية الجنسية"، متابعة، "أما بالنسبة للتعليقات على الصفحة نفسها، كان هناك شاب صغير في السن، مثلي جنسياً، أعلن عن نفسه في التعليقات، شعرت أنه غير مدرك للواقع الذي يتعامل معه، بعدها فوجئت به يتحرّش برجال آخرين معلقين، فأفهمناه أنه ليس لنا علاقة بمن يستخدم المنتج مع من، ولكن لا يحق له اقتحام المساحة الخاصة للمتابعين الآخرين، الأمر الذي جلب علينا بعض التعليقات التي تتهمنا بالتشجيع على المثلية، فكان ردنا: "احنا مش بنفتش في سراير الناس".
وتكمل "ر.ن": "بالنسبة للصفحة الخاصة بالنساء، فهي هادئة بشكل عام، وقلّما تحدث مشكلات عليها، ولكن الموقف الغريب الذي واجهني وقتها، عندما علقت سيدة ما تسأل عن المنتج، فوجدنا زوجها يتشاجر معها في الردود وظل يسألها "انتي مالك"، لكن على جانب التفاعل فهو مختلف فعلاً، فمثلاً في صفحة النساء أجد الأسئلة أذكى، ولا أضطر للشرح أكثر من مرة، فيكفيهن مرة واحدة لأجد المعلومة قد وصلت وتم استيعابها، على عكس صفحات الرجال، ما يعني أن المجهود المبذول أقل والتكلفة كذلك أقل، حتى المعلومات المغلوطة تأخذ وقتاً أقصر في تصحيحها".
"لا نقدم خدمات جنسية"
تعلق "ر.ن" حول مدى انتشار الوعي الجنسي في مصر قائلة: "الثقافة الجنسية نفسها بدأت تنتشر بالفعل، والتفاعل أصبح أكثر، وحتى لاحظت أنه بدأت الأسئلة عن مدى رضا الشريكة عن المنتج وطريقة الاستخدام الآمنة، وبدأ المتابعون والمتابعات في تفهّم أن تعاطي المقويات الجنسية بدون الحاجة لها، يضر ولا يفيد إطلاقاً".
أما "س.د"، إحدى مديرات صفحة "احذري الإيدز يا أختاه"، والتي تضم آلاف المتابعين والمتابعات، فتروي: "بدأتُ الاهتمام بالصحة الجنسية في بداية 2015، عندما كنت متطوعة في مشروع خاص بالتوعية بفيروس نقص المناعة في الأوساط المثلية، وكذلك العاملين والعاملات بالجنس التجاري، وكان معظم مستقبلي الخدمة في عمر يتراوح بين الـ18 و30 عاماً، وهو ما شجعني أن أبدأ الاهتمام أكثر بالتوعية بالصحة الجنسية وكل ما يتعلق بها".
"عندما سألنا متابع عن الجنس الشرجي وتحضيراته، آخر سؤال كان هو حلال ولا حرام".
تتابع: "أكثر رسالة غريبة وصلت لنا، كان أحد المتابعين يتخيل أننا نقدم خدمات جنسية مدفوعة الأجر، وعندما حاولنا إفهامه أننا نعمل على التوعية الجنسية، عرض مبلغاً أكبر، أما التساؤلات فكان أغربها عندما سألنا أحد المتابعين عن الجنس الشرجي وتحضيراته وكل ما يتعلق به، وآخر سؤال كان: هل هو حرام أم لا؟".
وتكمل "س.د"، في شرح الفرق بين ردود الفعل بين الذكور والإناث، فتقول: "هناك فرق طبعاً في رد الفعل واستقبال المعلومات، والفرق ليس عائداً لنوعية المتلقّين فقط، وإنما أيضاً للفئة العمرية والمستوى التعليمي والاجتماعي، فمثلاً عندما تحدثنا عن الجنس الشرجي كان الهجوم من الرجال أكثر، بينما كان استقبال النساء للموضوع مختلفاً، كذلك عندما كتبنا منشوراً عن العادة السرية، استقبلت النساء الموضوع بشكل عادي جداً، أما الذكور فكان رد فعلهم غاضباً وعنيفاً، فلم يتقبلوا فكرة أن من حق النساء ممارسة العادة السرية مثلهم، وهنا يمكن القول إن الأفكار الذكورية المترسخة في المجتمع تقف عائقاً ضد كسر القوالب".
وتتابع مديرة صفحة "احذري الإيدز يا أختاه" لرصيف22: "فيما يخص انتشار الثقافة الجنسية فربما تكون أصبحت أكثر انتشاراً بالفعل بين الرجال، أما النساء فلازال الحديث بينهن بشكل سري، خاصة وأن المجتمعات العربية تعطي للذكر حق التعبير عن أفكاره وآرائه الجنسية أكثر من النساء، لكن في التجمعات المغلقة نجد النساء لديهن الجرأة والشجاعة للتحدّث بحرية، ولذلك عندما تم تسريب التسجيل الصوتي "فويس نوت"، لفتاة مصرية تحكي عن تجربها في العلاقة الثلاثية مع شابين، انتشر التسجيل بسرعة رهيبة ما تسبب في حالة من الذعر المجتمعي، وتكرر ذلك مع المنشور الذي تسرب وكانت تحكي فيه فتاة عن الجنس الفموي وكيفية اتقانه، لذلك يمكن الاتفاق فعلاً أن الثقافة الجنسية تنتشر ولكنها لازالت محرمة ولازال الحديث عنها يحدث سراً، وإلا سنكون عاهرات في نظر المجتمع المحيط بنا".
"أُخفي عملي حتى لا يسخروا مني"
أما محمد سامر (38 عاماً)، المسؤول عن الصفحة الرسمية لأحد الشركات المختصة بالمنتجات المنشِّطة جنسياً، فيقول لرصيف22: "الفريق الذي أعمل معه مسؤول عن صفحتين، واحدة للرجال والأخرى للنساء، وأنا واحد من مديري الصفحتين، بالطبع لم أخبر أحداً بطبيعة عملي بالتفصيل، لأنني بغنى عن التعرّض لموجة من التنمّر أو الاستهزاء والسخرية، وكل ما أقوله عن عملي، إنني أحترف مجال الدعاية والإعلان".
ويتابع سامر: "أغرب تعليق أو استفسار واجهته كان عن مدى إمكانية استخدام الواقي الذكري أكثر من مرة، ورغم أنه من بديهيات الثقافة الجنسية فيما يخص استخدام الأوقية الذكرية أنها تستعمل مرة واحدة فقط، لكن أعتقد أن الأمر مرتبط بالوضع الاقتصادي للغالبية، والتي توازيها رغبة في عدم الإنجاب، فيحاول مثلاً تقليل نفقات حماية نفسه وشريكته من حمل غير محسوب له، طبعاً ردّينا على استفساره وأوصلنا له المعلومة كاملة، أما عن أغرب ما لاحظناه حول رد فعل الجماهير على منتجات الحياة الجنسية، كان استنكارهم لفكرة التمتع بالجنس، أو حديثنا عن بعض العوامل التي تزيد شعور المتعة، خاصة للنساء، كأن الجنس وجد فقط للإنجاب، كانوا يعتبرون أن الحديث عن المتعة نوع من التحريض على الفسق أو الجهر بالمعصية وما إلى ذلك من اتهامات، والحقيقة أننا عمدنا لتجاهل تلك التعليقات نظراً لصعوبة الرد عليها، لكن الأمر كان مضحكاً تماماً، فإحاطة الجنس والعلاقات الجنسية بكل تلك الهالة من الممنوعات والمحظورات والمحرمات وحتى تجريم الشعور بالمتعة، أمر يستحق الدراسة".
ويختلف سامر مع من يرون أن الوعي الجنسي منتشر، والثقافة الجنسية في تزايد، يقول: "لا أعتقد أن الثقافة الجنسية بدأت في الانتشار كما هو مصور أو كما يتوهم البعض، فمثلاً نحن شركة من عدد قليل جداً من الشركات التي تعمل في هذا المجال، متابعو صفحات تلك الشركة مجتمعة لا يتخطى مليون متابع، وهذا الرقم لا يمكن الأخذ به كدلالة على انتشار الثقافة الجنسية، حتى الصفحات التي تعمل على نشر بعض المعلومات مثل "الحب ثقافة" وغيرها، ليست كافية لمواجهة الجهل المتفشي والمنتشر فيما يخص حياتنا وصحتنا الجنسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...