شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"ما عادوا يشتكون من الصفع والضرب"... المعتقلون المصريون يطبّعون مع التعذيب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 30 أكتوبر 201903:57 م

بين عامي 2015 و2018، توفّي 449 سجيناً مصرياً في أماكن الاحتجاز، من بينهم 85 قضوا نتيجة التعذيب. هذا ما كشفه تقرير حقوقي صدر يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر، شاركت في إعداده عدة منظمات مصرية ودولية، هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمعهد الدانماركي ضد التعذيب "ديجنيتي"، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، و"كوميتي فور جستس"، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، بالإضافة إلى منظمة أخرى فضلت عدم ذكر اسمها بسبب الظروف الأمنية.

يُظهر التقرير أن الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب في مصر وصل إلى حد "التطبيع" معه، مما جعل الكثير من المصريين الذين يتعرضون لانتهاكات لا يعرفون أنها تُعدّ تعذيباً، كالصفع أو الركل أو الضرب، ما دامت لم تؤدِ إلى إصابة خطيرة، وبالتالي لا يكشفون عنها إلا عندما ترد ضمناً في معرض حديثهم التفصيلي عما ألم بهم.

وبيّن التقرير أن المعتقلين لم يعودوا يشتكون من التعذيب إلا في الحالات التي تنطوي على الصعق بالكهرباء، أو التجريد من الملابس، أو التهديد بالاغتصاب، أو الاغتصاب الفعلي بأداة، أو التعليق، أو التعليق بالمقلوب من أحد المفاصل، أو الغمر في الماء البارد، أو الحرمان من الطعام أو الماء، أو التهديد بإلحاق الأذى بالعائلة...

الاعتراف بالجرائم

بحسب التقرير، فإنه بعد مدة من الاختفاء، يتم إجبار المحتجزين، وخاصةً ذوي الخلفية الإسلامية، على تصوير العديد من مقاطع الفيديو يعترفون فيها بجرائم محددة، وعلى وجوه بعضهم علامات الإكراه.

من هؤلاء مثلاً المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وقد ظهر في مقطع مصور يروج لجهود الدولة في مقاومة الإرهاب تحت عنوان الإرهاب الحقوقي. 

وفي أيلول/سبتمبر 2018، صدر قرار بالإفراج عن غنيم، ولكنه اختفى مجدداً قبل تنفيذ القرار، وظل مختفياً إلى شباط/فبراير 2019، حتى عثر عليه أحد المحامين الحقوقيين بطريق المصادفة ماثلاً أمام محكمة جنايات القاهرة في جلسة يوم 9 شباط/فبراير 2019. ومنذ ذلك الحين، لم يزل في الاحتجاز. 

النيابة المصرية تحمي التعذيب

وفق القائمين على التقرير، فإنهم حصلوا على العديد من الأدلة التي تثبت أن المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب، وخاصةً أولئك الذين اختفوا قسرياً، كثيراً ما يمثلون أمام النيابة لأول مرة بدون محامٍ، كما أن النيابة المصرية، عادةً، ترفض إثبات أو التحقيق في مزاعم التعذيب التي قد يكون تعرض لها هؤلاء.

تؤكد شهادت لمعتقلين مصريين أن ضباط الأمن الوطني غالباً ما يحضرون خلال استجواب المحتجزين أمام النيابة العامة، للتثبت من أن المدعى عليه سوف يدلي بالمطلوب منه. 

ومن الأمثلة التي ذكرها التقرير، القضية المتعلقة ببعض الناشطين في مجال الدفاع عن المعتقلين السياسيين، مثل ابنة القيادي الإخواني عائشة خيرت الشاطر وهي ضمن مجموعة تتكون من 11 امرأة أخرى تم استجوابهن جميعاً بعد فترة اختفاء، في غياب المحامين.

وتظهر شهادات المعتقلات أنهن تعرضن لتعذيب، بينما لم يحظين بفحص طبي بناءً على طلبهن من النيابة بعدما رفض وكلاء النيابة إحالتهن إلى هيئة الطب الشرعي لفحص أثار التعذيب على أجسادهن.

وفي حالات خاصة بمعتقلين آخرين، أجّلت النيابة العامة المصرية إحالة المتهمين إلى هيئة الطب الشرعي ريثما تختفي آثار التعذيب من أجسادهم، في وقت يتعذر الوصول إلى أطباء الطب الشرعي المستقلين في أي مرحلة من مراحل الاعتقال.

وحصل معدو التقرير على شهادات من بعض المحتجزين السابقين تؤكد رفض النيابة طلبهم الصريح بالفحص الطبي من قبل الطب الشرعي، من بينهم إسلام خليل الذي تم تعليقه فترات طويلة أثناء احتجازه الأول واختفى 122 يوماً، ومع ذلك لم يتم تحقيق مطلبه. وبعد الإفراج عنه وفحصه، تبيّن أنه يعاني من إصابة شديدة في الضفيرة العصبية العضدية على كلا الجانبين نتيجة التعذيب.

ونجح معدو التقرير في الوصول إلى عينة من المعتقلين تتكون من 212 شخصاً، تعرضوا جميعاً لواحد أو أكثر من أشكال التعذيب وضروب سوء المعاملة، ومنهم 132 شخصاً تعرضوا للضرب البدني بالأيدي أو الأرجل أو أدوات حادة من جانب سلطة الاعتقال أو في أماكن الاحتجاز السري، فيما تعرض 89 للصعق بالكهرباء، و26 للتعليق من اليدين أو القدمين، كما تم تهديد 70 منهم بالتعذيب أو الاعتداء على عائلاتهم.

"ما عادوا يشتكون من الركل والصفع والضرب، بالنسبة لهم أصبح التعذيب متمثلاً بحالات الصعق بالكهرباء، أو التجريد من الملابس، أو التهديد بالاغتصاب، أو الاغتصاب الفعلي بأداة"... تقرير يوثق حال المعتقلين المصريين و"تطبّعهم" مع التعذيب
"المعتقلون الذين يتعرضون للتعذيب في مصر، وخاصةً أولئك الذين اختفوا قسرياً، دائماً ما يمثلون أمام النيابة لأول مرة بدون محام، كما أن النيابة عادةً ما ترفض إثبات أو التحقيق في مزاعم التعذيب التي قد يكونوا تعرضوا لها"

وتؤكد شهادت لمعتقلين مصريين أن ضباط الأمن الوطني غالباً ما يحضرون خلال استجواب المحتجزين أمام النيابة العامة، للتثبت من أن المدعى عليه سوف يدلي بالمطلوب منه. وفي الحالات النادرة التي تتم فيها الإحالة لفحص الطب الشرعي، يكون الضحية برفقة ضابط شرطة.

ماذا يحدث في سجون مصر المدنية والعسكرية؟

تشير شهادات جمعها معدو التقرير من السجناء في السنوات الأربع الماضية إلى تدهور ظروف الاحتجاز بعدما أصبحت الزنازين مكتظة وتفتقر إلى التهوية، والنظافة الأساسية، والمراحيض الكافية والمياه النظيفة. بالإضافة إلى لجوء السلطات بشكل منتظم إلى سوء المعاملة، مثل الاستخدام المفرط للعقوبات التأديبية، ومنع السجناء من الحصول على مستلزمات النظافة والغذاء والملابس.

على مدى الأعوام الأربعة المنقضية، استخدمت السلطات المصرية، بشكل متزايد، الحبس الانفرادي لسجناء سياسيين مدةً تراوح بين ثلاثة أسابيع وأربع سنوات.

ووفق العديد من الشهادات، فإنه على مدى الأعوام الأربعة المنقضية، استخدمت السلطات المصرية، بشكل متزايد، الحبس الانفرادي لسجناء سياسيين مدةً تراوح بين ثلاثة أسابيع وأربع سنوات.

ووفقاً لبعض السجناء الذين تعرضوا للحبس الانفرادي، تُفرض هذه العقوبة بعد خلافات مع الضباط أو المخبرين، أو بعد الاعتراض على الأوامر التعسفية، أو تُستخدم بشكل صريح كنظام اعتقال منهجي للمعارضين السياسيين.

وكشف التقرير عن وجود نماذج عديدة في الحبس الانفرادي، منها عبد الله بومدين، وصبي يبلغ من العمر 12 عاماً، قال إنه قضى ستة أشهر في الحبس الانفرادي، وعبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، الذي ما زال في الحبس الانفرادي منذ دخوله السجن في شباط/فبراير 2018، والناشط البارز أحمد دومة المحتجز في الحبس الانفرادي منذ نهاية عام 2013.

ولم تعلق السلطات المصرية على التقرير، لكنها، عادةً، تنفي تعذيبها السجناء وتقول إنها تطبق العدالة على الجميع، لكن في المقابل لم تصدر تشريعاً، ولم يناقش برلمانها قانوناً خاصاً، ضد التعذيب منذ عام 2014.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image