"أرجو من نقابة الصحفيين التدخّل لإنقاذ إسلام مصدق، أنا عايزه ابني".
استغاثة مريرة أطلقتها والدة المصور الصحفي إسلام مصدق، فور علمها بظهور ولدها في نيابة أمن الدولة العليا بمنطقة التجمع، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر للعام الجاري.
لم تكن استغاثة السيدة هي الاستغاثة الأولى، فقد سبقت هذه اللحظة بضعة أيام لم تكن أسرة إسلام تعلم عنه شيئاً، إذ إن قوة أمنية قامت باعتقاله من منزله في ليل الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2019، ثم اختفى.
ولم يتسن لزوجة إسلام، معرفة المكان الذي توجهت إليه القوة الأمنية حتى ظهوره مكبّلاً في نيابة أمن الدولة، وقد ضموه للقضية 488، والتي يُحبس على ذمتها أستاذا العلوم السياسية حازم حسني وحسن نافعة، والمحامية البارزة ماهينور المصري، والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داوود، والمناضل كمال خليل وعدد آخر، وجهت النيابة لهم تهماً بمشاركة جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاءت هذه الاعتقالات إثر تظاهرات في القاهرة ومدن أخرى نددت بمزاعم فساد مالي.
إسلام مصدق، هو مصور صحفي يعمل في شبكة قنوات الـ CBC، وسبق له العمل بصحيفة المصري اليوم، وكذلك بموقع مصراوي، ولم يشارك في أي من تحركات سبتمبر، وكان عمله في الآونة الأخيرة مقتصراً على الفن والمنوعات، لكن أحداً لم يجد تفسيراً لاعتقاله واتهامه بالإرهاب!
تقول والدته:
"تخيلوا حال أم اختفى ابنها سبعة أيام ثم ظهر في النيابة متهماً، طب حد يبلغنا عشان يحضر معاه محامي، أي حاجة تبرد قلبها".
لا تنطوي قصة إسلام على مرار الحال التي نعيشها في ظل إجراءات أمنية فاجرة فحسب، بل تدلل على مدى العجز والمهانة التي وصلت إليها حال الصحافة ومؤسسات الإعلام المصرية، بما فيها نقابة الصحفيين.
في مصر لا تكتفي تلك المؤسسات الإعلامية العاجزة بدفع رواتب حقيرة للصحفيين، بل أنها لا توفّر لهم أيَّ نوع من أنواع الحماية، حتى ولو على سبيل الشجب والتنديد، إذ إن مديريها يعتاشون على صمتهم، وحسن طاعتهم، بينما يدفع الصحفيون والكتّاب من أعمارهم ثمناً لطموحهم وكرامتهم واحترامهم لأنفسهم ومهنتهم.
نحو عشرة صحفيين جرى القبض عليهم وتوقيفهم إثر تظاهرات أيلول/سبتمبر، لم يجد أي منهم دعماً من مؤسسة صحفية أو إعلامية، بينما تلتزم نقابة الصحفيين حياداً ظاهرياً تجاه الممارسات الأمنية غير القانونية، مشفوعاً بدعم بعض أعضائها للصحفيين المعتقلين.
وقد تبرر النقابة موقفها بأن بعض هؤلاء الصحفيين ليسوا نقابيين، وإن كنت أراه تبريراً سخيفاً، إذ ليس عليّ أن أكون مقيداً في النقابة لأصبح صحفياً.
لكن ما الذي يبرر موقف مؤسسة إعلامية، كشبكة قنوات الـ CBC، في عدم مطالبتها حتى بتوضيح لأسباب اعتقال أحد مصوريها، وهو إسلام مصدق.
ولم يُشارك إسلام في أي تحرك سياسي منذ أكثر من عامين، حتى على المستوى المهني، لم يكن يُجري إلا لقاءات فنية أو اجتماعية، حتى أنه لا يعبّر عن رأيه عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فما الذي يجعله محل اتهام بنشر أخبار كاذبة؟! ناهيك عن اتهامه بالإرهاب.
القضية 488 أمن دولة، هي قضية سياسية، تشمل اتهامات زائفة.
يحكي المحامي الحقوقي خالد علي، بينما كان حاضراً في النيابة: "قال المحامي محمود عامر خلال مرافعتهِ لرئيس النيابة، إن التحريات في تلك القضية لا تعدو كونها مجرد رأي لمحررها ولا يمكن اعتبارها دليلاً لحبس المتهمين احتياطياَ".
ودلل على ذلك بأن أحد المتهمين بنفس هذه القضية، وهو المتهم فلان الفلاني ذكر في أقواله المثبتة بالتحقيقات، أنه يعمل مع الشرطة كمرشد، ومهمته نقل أخبار ناس معينين متهمين في هذه القضية، وأن الضابط الذي كان يشرف عليه تم نقله إلى مكان آخر، والضابط الجديد لا يعرفه لأن المخبر الذي يقوم بمهمة قناة التواصل بين المرشد والضابط لم يشرح الأمر للضابط الجديد، والذي قام بالقبض على المرشد وإدراجه بذات القضية.
كم هي قضية غريبة تجمع بين أساتذة العلوم السياسية ومناضلين ثوريين وقيادات إعلامية وسياسية والمرشد الذي كان يكتب عنهم التقارير.
إسلام حديث العهد بالزواج، فلم يمر على زواجه أكثر من عام ونصف، وأحسب أن قضيته الآن لا تختلف كثيراً عن قضية المصور الصحفي محمود شوكان، باختلاف الملابسات والتوقيت، والتي ظلّ شوكان حبيساً على ذمتها نحو خمس سنوات احتياطياً!، ثم أفرج عنه لقضاء المدة، بعد إدانته بالسجن المشدد خمس سنوات، إلا أنه يقضي نصف يومه لخمس سنوات أخرى، كمراقبة في قسم الشرطة التابع له.
لم يكتفِ من يُدير تلك المنظومة الإعلامية بتأميمها وتشريد أبنائها، فراح يلاحقهم أمنياً!
لا تنطوي قصة إسلام مصدق على مرار الحال التي نعيشها في ظل إجراءات أمنية فاجرة فحسب، بل تدلل على مدى العجز والمهانة التي وصلت إليها حال الصحافة ومؤسسات الإعلام المصرية، بما فيها نقابة الصحفيين.
يقع صحفيو مصر ضحايا لقضايا ملفقة، تضيع فيها أعمارهم، وتمسي حياة ذويهم جحيماً، يقضون نهارهم على أبواب السجون، أملاً في أن تأذن لهم السلطات بزيارة أبنائهم، فإذا جاء الليل خيم الحزن والقهر على بيوتهم.
يقع صحفيو مصر ضحايا لقضايا ملفقة، تضيع فيها أعمارهم، وتمسي حياة ذويهم جحيماً، يقضون نهارهم على أبواب السجون، أملاً في أن تأذن لهم السلطات بزيارة أبنائهم، فإذا جاء الليل خيم الحزن والقهر على بيوتهم.
فما الجريمة التي يرتكبها الصحفي حتى يبذل من عمره عشر سنوات خلف القضبان؟!
ما هو الذنب الذي يقترفه المصور الصحفي في مصر حتى يحرم من إدراك الزمن وعيش الحياة؟!
يصبح التضامن هنا أكثر البديهيات بساطة، مع كل معتقلي الرأي، ونتأسف لأحبائنا وزملائنا أننا عجزنا عن حمايتهم وتقديم العون لهم.
إننا نقرّ بهزيمتنا في معركة الحقيقة مع هذا النظام، إلا أن الهزيمة في المعارك غير المتكافئة عار على المنتصرين.
الحرية للقضية 488.
"يجب أن تقوي نفسك دون أن تفقد حنانك".
إسلام مصدق
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...