حتى صيف عام 1923 كانت البشرة الدكناء والبنية علامتين مميزتين للفقيرات في أوروبا، بينما كانت السيدة البيضاء هي الأكثر غنى، كونها غير مضطرة للعمل في الشمس، حتى غيّرت "كوكو شانيل" كل ذلك بطريق المصادفة.
نجمة الموضة الفرنسية هذه لم تعترف بالقواعد والقوانين، وقادت ثورة نسائية في الموضة، مطلقةً ذلك البنطلون الذي لا تخلو منه خزانة نسائية الآن، والفستان الأسود القصير، وسترات العمل النسائية الأنيقة. عادت شانيل إلى باريس في ذلك الصيف بلون برونزي وبوهج الشمس في وجنتيها، بعد رحلة بحرية على يخت سياحي مع أفراد من الطبقة الأرستقراطية. وكأيقونة للموضة في مطلع القرن العشرين، قلّدها العديد من نساء تلك الفترة، فأصبح اسمرار الوجنتين صرعة اعتنقتها سيدات الطبقة الراقية في عشرينيات القرن. وللمرة الأولى في أوروبا لم يعد اللون الغامق حكراً على الطبقة العاملة الأكثر فقراً، وازدهرت رحلات الأثرياء للجنوب الفرنسي وسواحل المتوسط اليونانية والإيطالية. حتى الفقيرات اللواتي لم يكن بوسعهن التمتع بالشمس على شواطئ الجنوب الأوروبي في بدايات كساد الثلاثينيات، أغرقن أرجلهن بمسحوق بوفريل (مسحوق لحم بني)، لتضاهي اللون الغامق الجذاب لجوارب الفيليه.
متى بدأ الناس يصبغون وجوههم؟
قبل بداية التأريخ، تحديداً مرحلة ما قبل الأسر الفرعونية، بدأ ذلك العالم في التشكل، فكان المصريون أول من استخدم مستحضرات التجميل. كان الرجال والنساء يرسمون حول عيونهم بأقلام الكحل، اعتقاداً منهم أنهم يبعدون قوى الشر، وفي عصر الملك تحتمس، اكتشفت علاجات للتجاعيد ومساحيق من شمع العسل كمرطبات للبشرة. نفرتيتي وكليوباترا على اختلاف أسرتيهما، بقيتا رمزين لجمال ذلك العصر بكحل العين المميز، وظلال العيون الزرقاء الملكية.
مكحلة من الأسرة الـ 18 الفرعونيةكليوباترا، التي مزجت بين الجمال الفرعوني والروماني عُرفت تحديداً باهتمامها الزائد بجمالها، اعتادت ملء حوض استحمامها بغالونات من حليب أنثى الحمار لاعتقادها أنه سيحفظ صفاء بشرتها، وفي رحلاتها كانت تغمس أشرعة سفنها في عطرها الخاص لتحمله الرياح إلى روما قبل وصولها!
الفقراء لا يضعون ألوان التجميل
صنع الصينيون أول طلاء للأظافر واستخدموه للتمييز الاجتماعي. فالذهبي هو لون الطبقة الملكية الذي استبدل لاحقاً بالأسود والأحمر، بينما مُنع العامة من طلاء أظافرهم بالألوان الصارخة.
فتاة الغايشا اليابانية التي طلت بشرتها بالأبيض، وحددت عينيها ولوّنت شفتيها بالمستخلص الأحمر لنبتة الزعفران الباهظة الثمن، استخدمت فضلات العصافير لمحاربة تجاعيد بشرتها.
نساء روما اعتقدن أن تساقط الرموش هو نتيجة للإفراط في ممارسة الجنس. وبالتالي فإن الرموش الطويلة هي دليل عفة وطهارة. اعتقدن أيضاً أن العيون الواسعة أكثر جمالاً، لذا استخدمن مستخلص نبات البيلادونا للحصول على حدقات أكثر اتساعاً، إلا أنه تسبب بالعمى الدائم لبعضهن.
والرجال في روما كحال كثير من رجال العصر الحديث رأوا في مستحضرات التجميل تلاعباً وخداعاً، وأن المرأة التي تستخدم العطور ماجنة تحاول إخفاء رائحة الخمر والرجال.
في تلك العصور اقترن استخدام مستحضرات التجميل بالثروة، فعملية وضع الماكياج احتاجت لمساعدة نظراً لصعوبة تطبيقه وضرورة إعادة تجريبه عدة مرات في اليوم لبدائية التراكيب، وبدائية المرايا التي صنعت من النحاس المصقول. كًرّست فتيات من "العبيد" لوضع مستحضرات التجميل، العطور والمجوهرات، وكانت تتم تلك العملية في غرفة مغلقة يحظر دخولها على الرجال.
في كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف"، أفرد الطبيب الأندلسي أبو القاسم الزهراوي فصلاً كاملاً للطب التجميلي، وسماه "أدوية الزينة"، ونشر في بداية القرن العاشر الميلادي، ضمن موسوعة من ثلاثين فصلاً حول "الطب" أسس فيه علم الجراحة الحديثة، واعتبر مرجعًا يستشهد به أطباء القرون الوسطى. وفي فصله عن أدوية الزينة، يتحدث عن دهانات ومستخلصات عطرية تصب في قوالب وتستخدم للتطبب والتزيين، لم يعرف عنها إلا المتعلمون والأغنياء.
أوروبا تفضلهن بيضاوات
أن تكون أوروبياً فقيراً في القرون الوسطى يعني العمل لساعات طويلة في المزارع المملوكة للطبقة الأكثر حظاً، وكان استخدام الماكياج في تلك الآونة يرسخ تلك الصورة. العامة تصطبغ وجوههم بلون الشمس الأدكن، ونساء الطبقة المخملية يسعين نحو بشرة أكثر بياضاً وبهتاً. كان من الطبيعي للوحات تلك الفترة أن تصور نساء ذوات أجساد ناصعة البياض، تخلط دهانات الرصاص مصدرة صورة أكثر رفاهية عن المرأة الغنية التي لم تضطر للعمل، بل إن بعض النساء استخدمن دود العلق الطبي على وجوههن لنزع اللون الأحمر عنها.
الملكة إليزابيثفي بدايات حكم الملكة إليزابيث الأولى لبريطانيا، عانت الملكة من الجدري الذي ترك وجهها مغطى بالندوب، وكانت دهانات الرصاص البيضاء رائجة. كانت الملكة القوية ملهمة للعديد من صرعات الموضة الأخرى، لون الشعر الأحمر البرتقالي، حلق الحواجب والرموش الذي ظهر في لوحة "الموناليزا" لدافنشي. وماتت إليزابيث من تسمم في الدم سببه على الأرجح تلك الصبغة البيضاء التي غطت وجهها لأكثر من ثلاثين عاماً.
حتى عصر الثورة الصناعية مُنعت النساء من وضع مستحضرات التجميل، وقد واكب ذلك توسع الامبراطورية البريطانية في أفريقيا، ومواجهة مع الطبيعة البدائية الأفريقية التي استخدمت الألوان الصاخبة في طلاء الوجه لإخافة الحيوانات البرية والأعداء. كانت الملكة فيكتوريا ترى استخدام المكياج أمراً همجياً يقتصر على القبائل الأفريقية ولا يصلح لنبلاء أوروبا.
[caption id="attachment_46668" align="alignnone" width="350"] ماكسميليان فاكتور[/caption]الثورة الصناعية ثورة صناعة الجميلات
ماكسميليان فاكتور، الذي سيعرف لاحقاً بماكس فاكتور، رجل الأعمال البولندي ابتدع ذلك المصطلح Make Up "الماكياج". هو وأسماء أخرى لامعة بدأت من معامل منزلية، أنتجت وطورت تراكيب الماكياج وحسّنته.
توم، فتى في التاسعة عشرة من عمره، اعتاد مراقبة أخته مايبل وهي تقوم كل يوم بخلط الفازلين وغبار الفحم لتطلي به رموشها، بعد عدة تعديلات كيميائية وتحسين للمنتج النهائي، أصدر توم أول "ماسكارا" نسائية سهلة الاستخدام وأسماها تيمناً بأخته "مايبلين" التي ستكون بذرة الشركة. ساعد أيضاً انتشار المرايا في بدايات القرن على سهولة التطبيق الذاتي للمستحضرات.
[caption id="attachment_46663" align="alignnone" width="350"] إليزابيث كادي[/caption]رواج الماكياج صاحب ثورة النساء نحو المساواة، إليزابيث كادي رائدة في مجال الحركة النسوية شوهدت بأحمر الشفاه متصدرة مسيرة الأمريكيات للمطالبة بحقهن في التصويت.
كان عصراً جديداً وشاباً، كل شيء فيه يتغير. الموضة والحلي الأحدث، السينما ونجماتها، المجتمع الأكثر تحرراً والشباب الأكثر طموحاً. كوكو شانيل وبنطالها، الـCat Eye في طلة مارلين مونرو، أحمر شفاه إليزابيث تايلور ذو اللون الأحمر القاني. ألهمت مشاهد القبلات في الأفلام الأولى "هازل بيشوب"، الكيميائية الشابة لتخرج في الخمسينات بأحمر الشفاه المقاوم للماء والقبلات Kiss Proof Lipstick!
في استطلاع حديث للرأي ذكر غالبية الرجال المستطلعين أنهم يفضلون المرأة الأكثر صحة، التي تستخدم قدراً أقل من مستحضرات التجميل. لماذا إذن تستمر الشابات في استخدامها؟ الآن، مطلع عام 2016 يمكن القول إن الماكياج أصبح فناً، ولم يعد مقتصراً على تصدير شكل معين للطرف الآخر. اقترنت كل الحضارات والتوجهات الفكرية والممارسات الشعائرية باستخدام خاص لنوع واحد أو أكثر من مستحضرات التجميل، يمكن القول إن الماكياج هو زاوية جديدة لقراءة قصة الحضارة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.