شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"كُلُوتات" على ضريح الأميرة.... ماذا يحدث لـ "عظماء" مصر بعد وفاتهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 13 أكتوبر 201905:22 م

في قلب القاهرة القديمة، وبالقرب من مسجد زين العابدين التاريخي، يقع ضريح الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل التي وضعت كل ثروتها في العام 1909 تحت تصرف الحكومة المصرية بهدف إنشاء جامعة مصرية أهلية، تغيّر اسمها فيما بعد ليصبح جامعة القاهرة. اليوم، وبعد مرور عشرات السنوات على وفاة الأميرة فاطمة، ينال الإهمال من ضريحها وبشكل مشين، فالقمامة حوله، وملابس داخلية منشورة على حبل غسيل فوق قبرها، بعد أن أصبح المكان ملجأ أسر فقيرة تعيش في المنطقة.

لكن هذا الضريح ليس الوحيد الذي يعاني من الإهمال الحكومي في مصر، فهناك أضرحة أخرى لشخصيات تاريخية نسيت الدولة أضرحتها تماماً، وتركتها لمدمني المخدرات والبلطجية والباعة الجائلين يفعلون فيها ما يريدون، وبات التجاهل الحكومي سيد الموقف.

ابنة الخديوي إسماعيل

حين علمت الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل باشا بأن مصر بصدد إنشاء جامعة أهلية لم تتردد في إعلان دعمها الكامل للمشروع، فقررت وضع ثروتها تحت تصرف الجامعة. وفي العام 1909 وهبت الجامعة قطعة أرض شاسعة مساحتها 3357 فداناً و14 قيراطاً، لكي تُبنى عليها الكلية وكلية الفنون التطبيقية المقابلة لها، وبعدها مباشرة بدأت حملة التبرعات للإسهام في استكمال بناء الجامعة، ووصلت قيمة هذه التبرعات في منتصف شباط/فبراير من العام 1909 26 ألفاً، و728 جنيهاً مصرياً. ولم يكن هذا المبلغ يكفي لبناء الجامعة حينذاك، فعادت الأميرة فاطمة مرة أخرى لتمنح الجامعة 661 فداناً كتبرع، إلى جانب تبرعها بقسط وافر من مجوهراتها لتباع حتى تنفق الجامعة من ثمنها على الإنشاءات.



ورغم دور الأميرة المهم في بناء جامعة القاهرة التي ربما لولاها لما رأت النور، إلا أنها لم تحضر حفل افتتاحها، والسبب في ذلك أن تقاليد المجتمع المصري في ذلك الزمن كانت محافظة، وتمنع النساء من المشاركة في الفعاليات العامة. وحينذاك حضر ابنها حفل الافتتاح نيابة عنها، وقد تم الاحتفال بوضع حجر أساس الجامعة في يوم الإثنين الموافق 31 آذار/مارس 1914، ووضعه الخديوي عباس حلمي الثاني.

في العام 2007 تعرضت المقبرة التي تحتضن ضريح الأميرة فاطمة لمحاولة سرقة أحبطتها قوات الأمن. وفي العام 2016 عرضت جامعة القاهرة على وزارة الآثار المصرية أن تتكفل بمصاريف ترميم الضريح، لكن الوزارة لم توافق على ذلك حتى اليوم.

اليوم يعاني الضريح من الإهمال، وتنتشر القمامة في جنباته، ولم يتم ترميمه ولا مرة واحدة طوال السنوات الماضية، وربما ما يجعل من عملية صيانته أصعب وجود عدة أسر فقيرة تعيش في المقابر المحيطة به، حتى باتت المساحة حول الضريح مكاناً خاصاً بنشر ملابسها حت تجف.

وفي الأيام الأخيرة انتشرت صورة حديثة تظهر وجود ملابس داخلية وأخرى خاصة بالأطفال منشورة على حبل غسيل أمام الضريح، ما جعل مستخدمين كثر يعبرون عن صدمتهم مما يحدث لضريح شخصية تاريخية كالأميرة فاطمة.

باعة جائلين حول ضريح سعد زغلول

أما ضريح الزعيم المصري سعد زغلول، الذي يقع بوسط القاهرة، فحظه ليس أفضل من حظ ضريح الأميرة فاطمة رغم أنه يوجد على بعد دقائق من مبنى البرلمان والعديد من الوزارات الحكومية المهمة.

تعود فكرة تشييد الضريح إلى العام 1927، وهو العام الذي توفي فيه زغلول، وحينها قررت الحكومة المصرية إقامة ضريح له بجوار بيته. وكان سعد زغلول دفن مؤقتاً بمقابر الإمام الشافعي على أطراف القاهرة، وكان من المقرر إنشاء الضريح ثم نقله الجثمان خلال ستة أشهر من بداية تشييده في العام 1927، لكن تأخر بناء الضريح، فلم يتم البدء فيه سوى في العام 1931، ونقل رفات سعد زغلول إليه في سنة 1936، أي بعد تسع سنوات من وفاته. قدمت الحكومة مشروع قانون خاص يقضي "بنقل رفات المغفور له سعد باشا زغلول إلى ضريح سعد" وهو القانون الذي حمل رقم 53 لسنة 1936، وصادق البرلمان على القانون بمجلسيه، ونُقل الرفات إلى الضريح يوم الجمعة 19 حزيران/يونيو 1936.

وسعد زغلول (1858 - 1927) هو قائد ثورة 1919، وقد شغل منصب رئيس وزراء مصر ومنصب رئيس مجلس الأمة.

أضرحة شخصيات تاريخية مصرية أهملتها الدولة، وتركتها مرتعاً لمدمني المخدرات والبلطجية والباعة الجائلين يفعلون فيها ما يريدون… رصيف22 رصد لكم ما يحدث "لقبور العظماء" بعد وفاتهم

الأميرة فاطمة، الزعيم سعد زغلول، السيدة فاطمة خاتون، الصحابي عمرو بن العاص.. نماذج لأضرحة شخصياتٍ بارزة لم تلقَ الرعاية التي تليق بها بل كان مصيرها الإهمال

وتبلغ مساحة أرض الضريح 5225 متراً مربعاً، والضريح نفسه بُني في الوسط على مساحة 625 متراً مربعاً، تحيط به حديقة تمتد على بقية المساحة، ويتميز الضريح بتصميمه الفرعوني، حيث ترتفع أعمدة ضخمة من الجرانيت، بل الضريح نفسه قُدَّ من الجرانيت الفاخر، والهدف من اختيار التصميم الفرعوني لبناء الضريح أن يعبّر عن جميع المصريين.

اليوم وبعد مرور نحو قرن على رحيل سعد زغلول، ينتشر عدد كبير من باعة جائلين حول ضريحه، كما توجد أمامه سيارات قديمة مركونة منذ سنوات طويلة علتها الأتربة ودفنت أسفلها القمامة، ولم يقم حي السيدة زينب التابع له الضريح بإزالة كل ذلك.

مياه الصرف الصحي تهدد ضريح فاطمة خاتون

ضريح آخر يعاني من الإهمال في مصر، هو ضريح فاطمة خاتون الأثري الواقع بمنطقة الخليفة بوسط القاهرة، وهو الضريح الذي طالب العديد من الأثريين في الآونة الأخيرة بإنقاذه بعد أن أصبح مأوى للبلطجية وانتشرت حوله القمامة ومياه الصرف الصحي القذرة، ما بات يهدد وجوده.

ويعود بناء الضريح إلى نحو 650 عاماً مضت، حين كانت منطقة الخليفة تتميز بوجود حدائق غناء، ولهذا اختار السلطان المنصور قلاوون هذا المكان لبناء ضريح زوجته السيدة فاطمة خاتون، وهي أم الملك الصالح بن المنصور قلاوون، المعروفة أيضاً بأم الصالح.

توفيت فاطمة خاتون في 683 هجرية وبني ضريحها عام 682 هجرية على يد الأمير سنجر الشجاعي.أما ابنها الملك الصالح فقد توفي في سنة 687 هجرية ودفن إلى جوار أمه في الضريح نفسه.

يعتبر الضريح تحفة معمارية، حيث بني على الطراز الإسلامي، وكانت له قبة مميزة جداً، لكنها وقعت منذ سنوات. وبعد أن كانت المنطقة التي تضم الضريح من أجمل مناطق القاهرة، صارت اليوم منطقة شعبية تنتشر فيها المزابل، وباتت مأوى خارجين عن القانون، وموزعي المخدرات.

الأغنام حول ضريح عمرو بن العاص

في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة، يقع ضريح يعتقد بقوة أنه للصحابي عمرو بن العاص، وهو عبارة عن مصطبة صغيرة لا تتجاوز مساحتها متراً مطلية باللون الأخضر، توجد خلف باب مسجد عقبة بن عامر الجهني الأثري في المنطقة.

وفيما تؤكد فرق صوفية عديدة أن الضريح هو بالفعل لعمرو بن العاص، مرددين أنه أوصى قبل موته بعدم وضع الأحجار أو الأخشاب على قبره، إلا أن آخرين يقولون إن الضريح ليس له، لكن في الآونة الأخيرة صدرت دراسة علمية للباحث المصري عبد الباقي السيد، أكد فيها أن الضريح يعود بالفعل للصحابي الملقب بفاتح مصر.

لا يختلف وضع الضريح عن نماذج الأضرحة التي ذكرنها سابقاً، حيث يعاني من الإهمال والأوساخ وصار مقصد رعاة الأغنام.

لا توجد إحصائيات رسمية لعدد الأضرحة في مصر، لكن في المقابل لا توجد قرية أو مدينة في مصر إلا وبها ضريح أو أكثر، ما يرجح وجود الآلاف منها في عموم مصر، ما بين أضرحة لأولياء صالحين وسياسيين وشخصيات تاريخية. وفي حين تهتم الدولة بأضرحة الأولياء الصالحين، نجد في المقابل أن أضرحة الشخصيات التاريخية لم تلقَ اهتماماً يليق بتاريخها ومسيرتها وما قدمته لمصر وتراثها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard