لم أكن أعلم عندما كنت طفلة تلعب في أزقة طرابلس اللبنانية، أنني سأكبر لأصبح كالمطلوبة رقم واحد على السوشايل ميديا. منذ أن قرّرت التحرّر من قيود الدين والعادات والتقاليد، أصبحت كالهاربة من وجه الله، كالسجينة التي يجب أن تُسلب منها حريتها لمجرد أنها تغرّد خارج السرب.
استطعت بفترة قصيرة وبفضل حسابي على تويتر، أن أجمع عدداً لا بأس به من الأصدقاء والمتابعين والمعجبين بأفكاري المناهضة للأديان. اكتشفت أن اختياري للغة العربية في التعبير عن آرائي هو جزء من اللعنة، لعنة أن يولد الإنسان عربياً ويتجرأ على الانتفاضة في وجه الجهل والموروثات القديمة.
لم أكن أعرف أنني أصبحت أشكّل خطراً على بنية مجتمعاتنا المتديّنة والمحافظة. فبسبب تغريداتي وكلماتي، اهتزّت هذه البنية الصلبة والمتينة. استطاعوا أن يُغلقوا حسابي على تويتر وفايسبوك والسبب... اسمي، أو الاسم الذي اخترته على السوشايل ميديا، ألا وهو "عليها السلام".
لم أكن أعرف أنني أصبحت أشكّل خطراً على بنية مجتمعاتنا المتديّنة والمحافظة. فبسبب تغريداتي وكلماتي، اهتزّت هذه البنية الصلبة والمتينة
"عليها السلام" هي جملة هزت كيانهم، ربما لأنها السرطان الذي وصل إلى نسبة 45% في المجتمع العربي، ربما لأنها هي الجملة التي تحتكر النفط و تبيعه للغرب مقابل سلاحٍ يأكله الصدأ، أو لعل هذه الجملة هي التي تزجّ بالمفكرين والناشطين في السجون العربية، هي التي تقطع الرؤوس و تختن النساء، هي التي تصدر نتيجة الـ 99,99% لفراعنة العروش، هي التي باعت فلسطين، هي التي سحقت الكرامات في اليمن وهجّرت السوريين... "عليها السلام" هي الجملة المسؤولة عن سحق الشعوب العربية وتصنيف العرب كأكثر الشعوب مرضاً بالجنس، من التحرّش إلى البيدوفيليا وصولاً إلى نكاح الحيوانات.
لم يكتفوا بإغلاق حسابي فقط، بل أكملوا مسيرتهم في التنمّر وإلغاء الآخر لتصل إلى أكبر عدد من اللادينيين والتنويريين. استطاعوا بفضل استخدامهم للغرائز والأدلجة، أن يقنعوا قطيعهم بالتهجم علينا وإسكاتنا.
من أكبر اللعنات على الإنسان أن يولد بفقر مضن، أن يُصاب بمرض عُضال، أن يرث عقداً نفسية، أن يُغتصب، يعنّف، أن يبتلي بتنمّر الآخرين عليه... ولكن الأسوء من كل الويلات هذه، هو أن يولد الإنسان عربي الهوية. وهذا بالفعل ما ابتليت به، حتى لو هربت إلى أطراف العالم وسكنت في بلاد الإنسان والحرية، تظل أشباح بني جهل تلاحقني في العالم الذي "يُفترض" به أن يكون افتراضياً. فبدل أن يكتبوا الكلام... يبصقونه، وبدل أن يجادلوا بالتي هي أحسن... يستخدمون أديانهم وتعاليمها لقمع الرأي الآخر. كبتهم الجنسي وعقدهم المتراكمة تجعلهم عالقين في كومة الفساد تلك التي تسمّى الشرق، يحاولون تصدير جهلهم عبر تنغيص سعادتنا بالحرية التي وجدناها في بلدان أخرى.
استطاعوا أن يمنعوني من التغريد مستخدمة الاسم الذي اخترته. إنها رسالة يريد الوطن العربي أن يوصلها إلى المجتمعات الأخرى، وهي أنه مجتمع محافظ على التراث القديم البالي، ومحافظ على الجهل المتجذّر في أعماق الدين والتقاليد، هو لا يريد الخروج من الدائرة المفرغة التي يدور في فلكها منذ مئات السنين. الناس سعيدة، تعيش كالقطيع، يرمون لها الفتات من وقت لآخر، كيلا تتمرّد ولا تنتفض. يوهمونها بالحرية والعدالة الإلهية، كي لا تقلب الطاولة على أصحاب اللحى والعمائم.
استطعت بفترة قصيرة، أن أجمع عدداً لا بأس به من الأصدقاء والمعجبين بأفكاري المناهضة للأديان. اكتشفت أن اختياري للغة العربية في التعبير عن آرائي هو جزء من اللعنة، لعنة أن يولد الإنسان عربياً ويتجرأ على الانتفاضة في وجه الجهل والموروثات القديمة
حتى لو هربت إلى أطراف العالم، تظل أشباح بني جهل تلاحقني في العالم الذي "يُفترض" به أن يكون افتراضياً. فبدل أن يكتبوا الكلام... يبصقونه، وبدل أن يجادلوا بالتي هي أحسن... يستخدمون أديانهم وتعاليمها لقمع الرأي الآخر
"عليها" مؤنث، وهنا لبُّ المشكلة، لأن المؤنّث لا حساب له في هذه الحياة، كَوْني امرأة تتحدث بلغة موروثاتهم، ساهم أكثر في الحملة الممنهجة التي شُنّت ضدي، أما "السلام" فلا يُذكر سوى في أغاني الشخلعة على كأس الخمر المحتسى بالسرّ طبعاً. فلا سلام عليكم، ولن تعرفوا السلام يوماً، ستظلون في حروب اقتصادية، تجويعية، ديكتاتورية، كونية ولا نهائية... تعيشون خائفين من الحياة، منتظرين الموت لعل من بعده حياة أفضل.
لو أغلقتم كل حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، سأبقى الصوت الصارخ في برّيتكم، على السوشايل ميديا كما في خارجها، حتى ولو لم أسلم من قذارتكم... إيمانكم الذي تهزه كلمة مني هو إيمان ضعيف... يحتضر، أدركوه قبل أن يموت! سارعوا في إنعاشه... كلما اغلقتم حسابات الأحرار على وسائل التواصل، كلما قربت ساعة موت تعصبكم وجهلكم.
أنا التي هزّت عروشكم المهترئة، أنا التي خفتم من سطوة كلماتها على عاداتكم البالية وكتبكم التي أكل عليها الدهر وشرب... أنا عليّ السلام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...