تختلف التقديرات بين منظمات المجتمع المدني في مصر حول أعداد المقبوض عليهم منذ يوم 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، لأسباب عديدة، منها أن حملة الاعتقالات الأخيرة غير مسبوقة منذ سنوات عدة.
ورغم اختلاف التقديرات، فإن جميع المعنيين يؤكدون أن أعداد المعتقلين والمختفين تزيد عن 3000 شخص، وما زالت الحملة الأمنية مستمرة.
يتفق الراصدون والمحامون والحقوقيون على أن الأغلبية العظمى من المعتقلين من فئة الشباب غير المشتغلين بالعمل السياسي، مع بعض قيادات التيار الديمقراطي في مصر.
وكانت القاهرة والعديد من المحافظات المصرية قد شهدت في 20 أيلول/ سبتمبر تظاهرات متفرقة للمطالبة بإسقاط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واعتراضاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب المصري، وخرجت استجابة لدعوات أطلقها المقاول والفنان المصري المقيم في الخارج محمد علي.
ووفقاً للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، إحدى منظمات المجتمع المدني في مصر، تجاوز عدد المقبوض عليهم 2500 مواطن من مختلف المناطق في القاهرة والمحافظات، وهناك حوالي 500 حالة اختفاء قسري.
وأكدت المفوضية أن القاهرة احتلت مركز الصدارة في الحركة الاحتجاجية، من حيث أعداد المعتقلين، وتلتها الإسكندرية ثم السويس وباقي المحافظات.
ويبدو أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبعها الدولة المصرية، وغياب العدالة الاجتماعية، كان لها الكلمة العليا في تحديد أماكن الاحتجاج، فقد انتشرت التظاهرات في المناطق الشعبية أكثر من وسط القاهرة، واحتلت جزيرة الوراق المرتبة الأولى في حجم التظاهرات، خاصة أن أهاليها مهددون بالتهجير لإقامة مشروع سياحي كبير على أراضيهم، وكان الرد عليهم اعتقال العشرات منهم أثناء الاحتجاجات الأخيرة.
أحد المعقتلين شقيق "شهيد الوراق"
يقول أحد أهالي الوراق في تصريحات لرصيف22 إنه بعد تنظيم الأهالي مسيرة احتجاجية، يوم الجمعة في 20 أيلول/ سبتمبر، هاجمت قوات الأمن الجزيرة، وألقت القبض على مجموعات من الشباب، كان من بينهم شقيق سيد حسن، الشاب الذي قُتل في اشتباكات بين قوات الأمن والأهالي، أثناء هدم منازلهم منذ عامين، ويدعى عبد الله حسن. ومثله مثل آلاف المواطنين، قضت النيابة بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق في القضية 1338 لسنة 2019.
وكانت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ قد حققت مع آلاف المواطنين المصريين في القضية 1338 لسنة 2019، ووجهت لهم اتهامات بالتظاهر بدون تصريح، ومشاركة جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة.
وقررت النيابة تجديد حبس حوالي 2500 مواطن مصري 15 يوماً على ذمة التحقيق.
لعبوا كرة قدم فاتهموا بالإرهاب
تقول المحامية سيدة قنديل لرصيف22 إن أغلب المعتقلين في أحداث 20 أيلول/ سبتمبر، هم شباب ليس لهم أية انتماءات سياسية، بل إن أغلبهم لم يشاركوا في أية فاعليات، واعتُقلوا خلال الحملة الأمنية التي تشهدها القاهرة والمحافظات، سواء من أماكن عملهم أو أثناء توجههم لقضاء احتياجاتهم.
وتروي حالة طفلين توأم لا يتعدى عمرهما الـ15 عاماً، كل ما ارتكباه أنهما كانا يلعبان كرة القدم في أحد الشوارع الرئيسية في محافظة السويس، وكانت بجوارهما عربة شرطة، فألقي القبض عليهما، ووجهت لهما اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية.
وتضيف أن أحد هؤلاء الأطفال دخل النيابة وهو يعرج، بسبب دخول مسمار في قدمه أثناء لعب كرة القدم.
ذهب لشراء متطلبات الدراسة فاعتُقل
يروي والد الطالب أحمد محمود لرصيف22 أن ابنه يعمل طوال فترة الإجازة ليوفر للأسرة وأشقائه مصاريف الدراسة، ويشير إلى أن ابنه رفض أن يدخل الثانوية العامة حتي يتمكن من العمل في وقت الدراسة، والتحق بالثانوي الصناعي.
قُبض على الشاب المولود عام 2003 عشوائياً من كورنيش التحرير مساء السبت، في 21 أيلول/ سبتمبر، وهو في طريق عودته إلى البيت، بعد أن اشترى مستلزمات المدرسة من منطقة الفجَالة.
ولفت الأب إلى أن ابنه أجرى اتصالاً بهم وهو يُقبض عليه، وكان يصرخ: "لم أفعل شيئاً. فقط اشتريت كتب الدراسة".
وكان مركز بلادي المهتم بحقوق الطفل قد قال إن اعتقالات أيلول/ سبتمبر شملت ما لا يقل عن 81 طفلاً، منهم 42 مختفين قسرياً وغير معلومة أماكنهم، و39 تم التحقيق معهم وحبسوا جميعاً على ذمة التحقيق في القضية 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
ويتوزع هؤلاء الأطفال على المحافظات المصرية، وجاءت القاهرة في المقدمة بواقع 22 طفلاً، تليها السويس مع 11 طفلاً، ثم الغربية مع ثلاثة أطفال، فالإسكندرية والقليبوبية مع طفلين في كل منهما، وطفل في بني سويف، وآخر في دمياط، إضافة إلى 39 حالة غير محددة.
مسيحي متهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية
يقول محامٍ في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فضل عدم ذكر اسمه، لرصيف22 إنه أثناء التحقيقات مع معتقلي أيلول/ سبتمبر، فوجئ المحامون بتوجيه تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية لشخص مسيحي، يدعى يوسف ألويز غبروس جاد (23 سنة).
أثناء التحقيقات مع معتقلي أيلول/ سبتمبر في مصر، فوجئ المحامون بتوجيه تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية لشخص مسيحي، يدعى يوسف ألويز غبروس جاد
معتقلو 20 أيلول/ سبتمبر في مصر كان بينهم شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، ويعاني من تأخر ذهني، وحققت معه النيابة بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، وكان رده على المحقق "أنا مش عارف حاجة"، وظل يبكي...
ألقي القبض على الشاب هو وشقيقه من أمام المحل الخاص بهما، ووجهت لهما النيابة نفس التهم على ذمة القضية 1338 لسنة 2019، وتعرّضا للضرب بالعصي، بحسب محامي المفوضية، رغم أنه أوضح أنه مسيحي الديانة وليس له علاقه بالإخوان، أثناء التحقيق معه.
متأخر ذهنياً... والتهمة نفسها
يقول المحامي محمد سليم إن معتقلي 20 أيلول/ سبتمبر كان بينهم شاب يدعي حمد أمين رياض، يبلغ من العمر عشرين عاماً، ويعاني من تأخر ذهني، وحققت معه النيابة بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، وكان رده على المحقق "أنا مش عارف حاجة"، وظل يبكي ويروي لوكيل النيابة أنه تم ضربه من "ناس كبيرة"، وأصيب في ركبته على أثر ذلك.
وعندما سأله وكيل النيابة عن تهمة استخدام الإنترنت للتواصل مع الجماعة المحظورة، أجاب: "أنا عندي ريسيفر وتلفزيون في البيت، معنديش إنترنت بـ400 جنيه، وأنا معيش فلوس".
لم يتمكن المحقق من أخذ جمل واضحة وصريحة منه، وبالرغم من ذلك تم حبسه 15 يوماً على ذمة القضية، وفقاً للمحامي.
للنساء نصيب من الاعتقالات
وفقاً لتقديرات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن عدد النساء اللواتي ألقي القبض عليهن خلال تظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر وبعدها تجاوز الـ85، كان من بينهم بسمة أ. ع.، عاملة في مصنع ملابس جاهزة، لم تكمل عامها العشرين وفقاً لشقيقتها التي قالت لرصيف22 إن بسمة كانت على خلاف مع خطيبها قبل تظاهرات الجمعة، وقررت أن تنزل إلى منطقة وسط البلد لتتمشى قليلاً وتعود.
وأضافت الشقيقة: "فوجئنا بها تتصل بنا وتبكي وتخبرنا أنها تجري في شوارع وسط القاهرة لأن هناك اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين، ثم أغلق تليفونها، ولمدة ثلاثة أيام لم نعرف عنها أي شيء، وكنا خلالها نعيش في الشارع نبحث عنها وننادي عليها بواسطة ميكروفون، إلى أن رأينا اسمها وسط المقبوض عليهم وقررت النيابة حبسها 15 يوماً دون أن ندري ماذا فعلت لتلقى كل ذلك".
أسرة كاملة متهمة بالإرهاب
نالت الإسكندرية جزءاً مما نالته القاهرة في حملة الاعتقالات التي تشهدها ربوع مصر مؤخراً. وكان لأسرة محمود ك. نصيب من تلك الاعتقالات، إذ ألقت قوات الأمن القبض على محمود وزوجته وابنته وشقيقة زوجته وابنها الذي لم يكمل عامه الخامس عشر.
يروي محامي الأسرة محمد عبد الرحيم لرصيف22 أن محمود وأسرته قرروا النزول إلى كورنيش الإسكندرية في منطقة ميامي التي تبعد عن منزلهم حوالي نصف ساعة، فهم يسكنون في ريف الإسكندرية في منطقة أبيس، وأثناء تجولهم على الكورنيش فوجئوا بقوات الأمن تجري خلف شباب وشابات صغيري السن، فتعاطفت زوجته مع أحد الشباب الذي لحق به الأمن، وظلت تتوسل للأمن أن يتركه وأن يكف عن ضربه، فما كان من قوات الأمن إلا أن اعتقلت الأسرة بأكملها.
يكمل عبد الرحيم قصة اعتقال الأسرة التي لم تفعل شيئاً سوى أنها قررت التنزه على كورنيش الإسكندرية، ويروي أنه أثناء عرضهم على نيابة أمن الدولة في القاهرة، حيث تم ترحيل كافة المتهمين لإجراء التحقيق معهم في نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس، طلبت الأم من المحقق أن يترك زوجها وشقيقتها وابنتها وابن شقيقتها قائلة: "أنا اللي ضايقت الضابط، أنا اللي طلبت منه إنو يسيب ولد في عمر ابني صعب عليا ومش هعمل كده تاني، سيبوا عيلتي تروح واسجننوني لو اللي عملته ضايقكم".
للسياسين نصيب أيضاً
بالرغم من أن قوى التيار الديمقراطي في مصر لم تتبنَّ أية دعوات لتظاهرات ضد النظام الحالي بل اتخذ أغلبها موقف الصمت، فإن قوات الأمن اعتقلت العديد من قياداتها والأسماء البارزة كان من بينها:
الصحافي في الأهرام خالد داوود، وشغل منصب رئيس تحرير حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي بعد ثورة يناير، واعتقلته قوات الأمن من منزله بعد مداخلة على إحدى الفضائيات انتقد فيها حالات القبض العشوائي واستخدام العنف مع المتظاهرين السلميين، فقررت النيابة ضمه إلى قضية قديمة، رقم 488 لسنة 2019، وواجه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وجدد حبسه 15 يوماً.
الدكتور حسن نافعة، أستاذ للعلوم السياسية، وكان محسوباً على النظام بعد إزاحة الإخوان عن الحكم، إلا أنه طالب مؤخراً بفتح المجال العام والتوقف عن ملاحقة النشطاء السياسين فاعتقل من منزله، وعرض على النيابة في نفس قضية داوود وقررت النيابة تجديد حبسه 15 يوماً.
الناشط اليساري كمال خليل الذي لم يشفع له سنّه الذي تجاوز السبعين بأربعة أعوام، واعتُقل من منزله يوم الخميس قبل أحداث 20 أيلول/ سبتمبر، وتم ضمه إلى القضية 488.
نفس الأمر جرى مع المحامية اليسارية ماهينور المصري وممدوح مكرم عضو حزب العيش والحرية، وغيرهما العشرات من أعضاء وقيادات التيار الديمقراطي في مصر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون