في مقابلة تلفزيونية تعتبر الأولى من نوعها، استعرض قائد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في 1 تشرين الأول/أكتوبر، وجهات نظره حيال حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، مبرزاً "سر" قوة الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران” قائلاً إن الهدف من الحرب كان القضاء على حزب الله أولاً وطائفة بعينها ثانياً.
وشرح سليماني الأهداف الخفية والظاهرة للحرب وكيفية إدارتها عسكرياً ونفسياً من قبل قادة حزب الله الذي كان ولا يزال "الأمل الوحيد في الدفاع عن حياض لبنان” على حد تعبيره.
وتعد هذه أول مقابلة تلفزيونية يجريها سليماني، عقدها معه مكتب حفظ ونشر مؤلفات المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي، و
بثتها الوكالة الإيرانية الرسمية (إرنا) وقناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله.
خفايا حرب تموز
بدايةً، تحدث سليماني عن أسباب حرب تموز أو ما سماه "العوامل الخفية وهي العوامل والأسباب الحقيقية لحرب الـ33 يوماً" مشيراً إلى وجود أسباب ظاهرة وواضحة "كانت ذريعة لأهداف خفية أراد الكيان الصهيوني تمريرها والوصول إليها خلال فترة معينة".
ومضى شارحاً تلك الأهداف بقوله: "كانت لدينا معلومات عن استعدادات الكيان الصهيوني، لكن لم تكن لدينا معلومات عن أن العدو يريد شن هجوم مباغت. بعد ذلك توصلنا من موقفين أو قضيتين إلى هذه النتيجة، وهي أنه كان مقرراً قبل بدء الحرب أن يكون الهجوم سريعاً ومباغتاً، للقضاء على حزب الله".
وأشار أولاً إلى الوجود الأمريكي المكثف في المنطقة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إذ اعتبر أن "الوجود الأمريكي في العراق كان يمنع تحرك السوريين في سوريا وكان تهديداً ضد الحكومة السورية، ومثّل أيضاً تهديداً ضد إيران".
واستطرد: "لو نظرتم إلى جغرافيا العراق في حرب 2006، لوجدتم أن أمريكا أوجدت حاجزاً من 200 ألف مقاتل بين البلدين الأساسيين في محور المقاومة، بمعاونة مئات الطائرات والمروحيات التي تضاف إليها آلاف الأجهزة المدرعة... من الطبيعي أن يمنح هذا الواقع فرصة للكيان الصهيوني ليستفيد من هذه الظروف ويقوم بعمل ما، بمعنى أن هذا الوجود وهذه الهيمنة يفترض أن يكون لهما تأثير في إخافة إيران وشل سوريا حتى لا تستطيعا القيام بشيء".
وأضاف: "تحرك الكيان الصهيوني على أساس هذا التصور، خصوصاً أن الحكومة الأمريكية آنذاك كانت حكومة بوش الابن، وهي حكومة متشددة حادة المزاج ومتسرعة في اتخاذ القرارات لا سيما الفريق الذي كان يحكم في البيت الأبيض، وهو صديق للكيان الصهيوني. وعليه، وجدوا الفرصة مواتية للمبادرة إلى مثل هذا الفعل (شن الحرب)".
"تغيير ديموغرافي شامل"
وخلص سليماني إلى أن "السبب الأساسي للقضية (الحرب) هو انتهاز الكيان الصهيوني فرصة الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، معتقداً أنها سانحة لشن حرب ‘خاطفة‘، بعدما كان قد هزم سابقاً عام 2000 وانسحب من لبنان".
ثم بيّن أن إسرائيل لم ترغب آنذاك في معاودة احتلال لبنان بل "التدمير والتغيير الديموغرافي في جنوب لبنان. هذا ما تبين لاحقاً أثناء الحرب ومع انطلاقتها تقريباً. مأربهم الأساسي كان التغيير الديموغرافي الكامل بإبعاد القوى الشعبية في جنوب لبنان ممن لهم علاقاتهم الدينية بحزب الله على غرار ما حصل بعد عام 1967 مع الفلسطينيين في جنوب لبنان".
ونبه إلى أن هذا المشروع "كان مخطّطاً له بالنسبة إلى الشيعة في جنوب لبنان، مثلما فرضوا على الفلسطينيين الخروج من جنوب لبنان والعيش في مخيمات متعددة في لبنان وسوريا وغيرهما من بلدان العالم العربي".
واستشهد في هذا السياق بتصريح وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً كونداليزا رايس، بتشبيه الضجة في لبنان "عندما بلغت مذابح وعمليات القتل والصخب في جنوب لبنان ذروتها (إثر الحرب)، تشبيهاً سخيفاً، وقالت إن هذه هي آلام مخاض الشرق الأوسط الجديد"، وتابع مستنكراً "ضجيج الضحايا تحت الأنقاض والأطفال المظلومين والنساء والأبرياء شبهته بألم الولادة ومخاضها، حدث كبير إذاً. كان في هذه التعابير دلالة على وجود مشروع كبير".
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يؤكد أن هدف إسرائيل من حرب تموز/يوليو عام 2006 لم يكن احتلال لبنان بل التغيير الديموغرافي الشامل لجنوب لبنان بتطهيره من الشيعة
سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، يقول إن إسرائيل أقدمت على حرب الـ33 يوماً مستغلةً الانتشار الأمريكي في المنطقة، ورغبة الدول العربية عدا سوريا والعراق، في دعم إسرائيل في تلك الحرب وقبولها استئصال جذور حزب الله أو الشيعة من جنوب لبنان
مخطط إسرائيلي إلى ما بعد حزب الله
ورأى سليماني أن الإسرائيليين كانوا قد أعدوا "مخيماً كبيراً وعدداً من السفن لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الناس ونقل في البداية حوالى 30 ألفاً إلى مخيم في داخل فلسطين ثم يُفرزون في هذا المخيم بين الناس العاديين وينقلونهم إلى بلدان وأماكن أخرى، مع القبض على الذين يعتبرونهم مجرمين أو مرتبطين بمنظمة حزب الله".
وقال أيضاً "كانوا قد أعدّوا سفناً للتسفير، لذلك كانت الحرب في تلك المرحلة بدقة تكنولوجية عالية خلافاً لكل الحروب التي تحرق الأخضر واليابس، أي أنهم أرادوا مهاجمة طائفة بكاملها".
ولفت سليماني إلى أن الإسرائيليين حاولوا في البداية "تبديل القضية إلى قضية حزب معين، أي حزب الله، ثم وسعوا الأمر إلى كل الطائفة الشيعية في جنوب لبنان ليستطيعوا تنفيذ هذا التغيير الديموغرافي بالكامل في الجنوب (اللبناني). لقد اعترفوا بذلك لاحقاً حين قال (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود) أولمرت ومن بعده وزير حربه ورئيس أركان الجيش (الإسرائيلي)، ‘كنا نعتزم القيام بهذه الحرب بشكل مفاجئ ولو حصلت تلك المباغتة فكان المفترض أن تتدمر معظم منافذ حزب الله بالهجمات الجوية الواسعة في المرحلة الأولى، كانت ستصيب الخسائر والأضرار الفادحة ما لا يقل عن 30% من تنظيم حزب الله‘".
"العرب دعموا إسرائيل بسبب..."
وألمح إلى أنهم "في مرحلة لاحقة، كانوا يريدون تدمير حزب الله بشكل كامل، لكن الأساس هو انتهاز الوجود الأمريكي الواسع في العراق وأفغانستان والمنطقة ورغبة البلدان العربية فذ دعم ‘إسرائيل‘ في مثل هذه الحرب وقبولها استئصال جذور حزب الله أو الطائفة الشيعية من جنوب لبنان".
ودلل على ذلك بكلمات نسبها إلى أولمرت، ورد فيها "إنها المرة الأولى التي تجتمع فيها كل البلدان العربية لتدعم إسرائيل في حربها ضد منظمة عربية"، مستطرداً: "حين يقول ‘كلّ‘ فذلك يعني الأغلبية من البلدان العربية، والمراد هنا طبعاً بلدان الخليج ومجلس التعاون، لكن الأمر يشمل مصر أيضاً بطبيعية الحال، ولم تكن البلدان الأخرى مستثناة من هذا الأمر".
وبعيداً عن اتهام "البلدان العربية"، دافع سليماني عن العراق وسوريا، قائلاً: "العراق كان يفتقر للسيادة. فقد كان الحاكم في العراق آنذاك هو (بول) بريمر الحاكم العسكري الأمريكي وكانت سيادة العراق بيد الأمريكيين. كما كانت الحكومة السورية دولة فتية شابة بسبب رحيل حافظ الأسد".
وعاد للتأكيد أن "تعبير أولمرت كان واقعياً ويعكس واقعاً مهماً وجاداً".
حزب الله "مخلص لبنان أمس واليوم"
وتابع سليماني: "لم يكن أمام الشعب اللبناني من أمل وملاذ لتحرير الأسرى سواء كانوا من الدروز أو المسلمين أو المسيحيين سوى حزب الله، والحال اليوم هو كذلك أيضاً… حزب الله هو السند الأساسي للشعب اللبناني في أية حادثة وللدفاع عن نفسه أمام الحكومة الإسرائيلية الوحشية".
وأشاد بأحد كبار قادة حزب الله الراحلين، عماد مغنية، قائلاً إنه "كان لواءً بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، كان لواءً في ساحة الحرب".
وأكد أن سر قوة حزب الله هو أنه "جاهز دائماً بأقصى الدرجات ومئة في المئة" وأن "أية خطوة يريد حزب الله اتخاذها يتخذ لها تمهيدات أمنية مسبقة"، لافتاً إلى أن العدو الإسرائيلي "من الناحية العقائدية والمنطق السياسي لا يمكن التصالح معه".
وعن صعوبة الحرب على الأرض قال: "ذهبت للقاء رؤساء السلطات الثلاث والمسؤولين الأساسيّين الأعضاء في مجلس الأمن القومي (في إيران) المختصين غالباً في الجوانب الأمنية والمعلوماتية... قدمت تقريراً عن الحادث (أجواء الحرب على الأرض) وكان تقريراً مراً وسلبياً، أي أن مشاهداتي لم يكن فيها أفق للانتصار وكانت الحرب حرباً مختلفة تماماً. كانت حرباً تقنية دقيقة بشدة، البنايات ذات الإثني عشر طابقاً كانت تُسوّى بالأرض بقنبلة واحدة".
ثم تابع مبيناً أن "حزب الله قد أنقذ نفسه والشعب اللبناني من الدمار الكامل بالقبض على الأسيرين".
وختم سليماني المقابلة بالقول: "لا تزال هناك أمور لا يمكن ذكرها عن حرب الـ 33 يوماً. ربما كان ذلك لأنه لم يمض على تلك الحرب سوى 13 عاماً. ولا تزال أمامنا سنين طويلة قبل الإفصاح عن جانب من أسرار هذه الحرب وما قام به حزب الله مما لا يزال طي السر والكتمان... ".
يشار إلى أن سليماني كان قد
صرح، قبيل بث تلك المقابلة، بأن حرس الثورة الإسلامية "حطم سطوة أكبر جيوش العالم وأكثرها تجهيزاً وهو الجيش الأمريكي وبرهن زيفه وهشاشته لشعوب العالم"، وذلك خلال كلمته في الاجتماع الدوري العام الـ23 لقادة الحرس الثوري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...