شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أزمة الدولار في لبنان... هدوء نسبي بعد عاصفة

أزمة الدولار في لبنان... هدوء نسبي بعد عاصفة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 2 أكتوبر 201912:26 م

في الأسابيع الأخيرة، هيمن الحديث عن أزمة نقدية يشهدها لبنان على الناس، إذ وصل سعر صرف الليرة في بعض الأيام إلى أكثر من 1620 ليرة لبنانية في سوق الصيارفة، في وقت يبلغ سعر الصرف الأساسي للدولار في مصرف لبنان 1515 ليرة.

وأخذت الأزمة شكل طوابير سيارات وقفت تنتظر دورها على محطات البنزين بعد أن أعلنت شركات توزيع المحروقات ونقابات المحطات إضرابها احتجاجاً على تحملها دفع الفرق بين سعر صرف الليرة الرسمي والسعر المفروض من سوق الصيارفة.

وعملت القوى السياسية على احتواء حالة هلع اللبنانيين من انهيار العملة الوطنية، فاجتمع رئيس الحكومة سعد الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة واتفقا على وضع آلية للتعامل مع نقابات أصحاب المحطات وشركات توزيع المحروقات في لبنان.

أما رئيس الجمهورية ميشال عون، فرجّحت مصادره أن تكون أزمة الدولار "مفتعلة" خصوصاً وأن مصرف لبنان لا يزال يمتلك 38 ملياراً ونصف مليار دولار في احتياطه من العملات الأجنبية، ولا تزال المصارف اللبنانية تمتلك أكثر من 10 مليارات دولار في الخارج.

وفي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، أصدر حاكم مصرف لبنان تعميماً للحد من "أزمة الدولار" الذي ظل ثابتاً لسنوات طويلة بفعل سياسة تثبيت سعر صرف الليرة التي اتبعها المصرف المركزي.

وفي التعميم، أعلن مصرف لبنان تأمين الدولار لعدد من السلع بسعره المحدد، أي 1515 ليرة، للمصارف والمستوردين. وحدد السلع الحيوية بالوقود والدواء والطحين، ووضع مجموعة شروط لتنظيم عملية استيراد ما اعتبره مواد أساسية للأمن الغذائي.

عودة ذكريات انهيار الليرة

حالة الاضطراب التي شهدها سوق العملة أعادت إلى أذهان اللبنانيين محطات سياسية سابقة كانت قد شهدت فيها الليرة اللبنانية انهيارات.

فبعد أن خسر لبنان اعتماده على الزراعة خلال الحقبة العثمانية، إبان المجاعة والحرب العالمية الثانية وهجرة أبنائه، تحوّلت بيروت مع دخول الفرنسيين الذين شيّدوا بنى تحتية في العاصمة إلى مركز استيراد وتصدير، ما أدى إلى تحويل لبنان من الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على نمط اقتصادي مختلف تمثل في الارتكاز على الأسواق العقارية والمصارف والخدمات.

ومع نمو القطاع المصرفي، أُقرّ قانون السرية المصرفية عام 1956، ما أدى إلى استقطاب الرساميل بالعملات الأجنبية إلى المصارف اللبنانية. ومنذ ذلك الحين تمتعت العملة الوطنية بحماية سعر صرفها، مع تغطية ذهبية.

وشهد القطاع المصرفي خضة زعزعت الثقة به إثر إعلان بنك إنترا إفلاسه عام 1966 ولكن سرعان ما عاد إلى النهوض بفعل عودة الرساميل والودائع إليه خلال حرب عام 1967.

وبدأت معدلات الفائدة بالارتفاع في منتصف الستينيات، ومعها بدأت مرحلة الضغط على الليرة التي، رغم ذلك، استمرت صامدة نسبياً حتى اندلاع الحرب اللبنانية التي تسببت بانفجار الوضع المعيشي وهروب الودائع من المصارف. وشهد عام 1983 انهياراً لسعر صرف الليرة فوصل الدولار إلى 3.55 ليرة لبنانية ثم عاد وانخفض بعدها.

ولكن ذكريات اللبنانيين مع انهيار عملتهم مرتبطة بشكل أساسي بآخر فترة الحرب الأهلية وبداية مرحلة إعادة الإعمار. ووصلت الأزمة حينذاك إلى ذروتها عام 1992 عندما انهار سعر الصرف ووصل الدولار إلى 3000 ليرة لبنانية، دافعاً رئيس الحكومة عمر كرامي إلى الاستقالة على وقع الأزمة التي مهدت لوصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة، ليبدأ معه نموذج اقتصادي قائم على الريع وعلى الاستدانة بالعملات الصعبة ودولرة الاقتصاد.

عام 1992، حدث الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية عندما بلغ سعر الدولار 3000 ليرة. لذلك أخافتهم حالة الاضطراب التي شهدها سوق العملة في الأسابيع الماضية على مصير ليرتهم المثبتة رسمياً على 1515 مقابل كل دولار
في الأسابيع الأخيرة، هيمن الحديث عن أزمة نقدية يشهدها لبنان على الناس، إذ وصل سعر صرف الليرة في بعض الأيام إلى أكثر من 1620 ليرة لبنانية في سوق الصيارفة، في وقت يبلغ سعر الصرف الأساسي للدولار في مصرف لبنان 1515 ليرة

رافقت النسق الاقتصادي سياسة نقدية اتبعها مصرف لبنان لحماية العملة الوطنية، فاستقر سعرها طويلاً على ما يقارب 1500 ليرة مقابل الدولار، إلا أن دعم الليرة بالإضافة إلى الاستدانة زاد من أعباء الدين العام وخدمته.

وبعدما اغتيل الرئيس رفيق الحريري عام 2005، غابت الموازنات في لبنان واستمر غياب تنفيذ أي سياسات اقتصادية ومالية بموازاة السياسات النقدية لمصرف لبنان. هذه الأمور، بالإضافة إلى عدد من الأزمات، أوصلت الدين العام في لبنان إلى ما يقارب الـ90 مليار دولار عام 2019.

"سياسات غير واضحة المعالم"

اليوم، يعود الحديث عن أزمة نقدية تلوح في أفق المرحلة المقبلة، لكن الخبير الاقتصادي غازي وزني يعتبر أن الحديث عن أزمة في الوقت الراهن ليس مبرراً على الإطلاق.

يرى وزني أن هناك أسباباً سياسية غير واضحة المعالم بعد أدت إلى حالة الفوضى التي شهدها لبنان في الأيام الماضية، مضيفاً لرصيف22 أن حجم التبادل المالي في سوق الصيارفة، والذي رفع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 1620 ليرة، لا يتعدى الـ2%، في وقت يبلغ حجم التبادل المالي لدى المصارف 98%.

لكن نقص الدولار في السوق هو واقع له أسبابه بحسب وزني. فمنذ عام 2011، مع بدء الاضطرابات في المنطقة لا سيما في سوريا، بدأ تراجع الدولار في لبنان لعدة أسباب. فبعدما كانت التحويلات الخارجية تبلغ 9 مليارات دولار، تراجعت هذا العام إلى ما دون الـ6 مليارات دولار. وتراجع نمو الودائع في القطاع المصرفي من 9% إلى أقل من 3% هذا العام. وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 5 مليارات إلى مليارين و300 مليون دولار حالياً.

كذلك، تراجعت الحركة السياحية من 9 مليارات إلى أقل من 5 مليارات، والصادرات من 5 مليارات إلى 2.7 مليارات. كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض تدفق الدولار إلى لبنان إلى أن أصبح ملحوظاً هذا العام، ما جعل اللبنانيين يشعرون بأزمة، وانعكس ذلك من خلال العجز الهائل في ميزان المدفوعات.

نقص الدولار سيستمر

ما هو مصير الدولار في لبنان في الفترة القادمة؟ يقول وزني إنه لا شك في أن النقص في الدولار سيستمر إلا أن تعميم مصرف لبنان الأخير حدّ من ارتفاع سعر صرفه في سوق الصيارفة، وهذا ما تمثل بعودة هذا السوق إلى بيع الدولار بـ1540 ليرة لبنانية. وفي المقابل، تحرص الجهات الدولية على إبقاء الوضع النقدي في لبنان مستقراً وتمثلت هذه الرغبة بإيداع غولدمان ساكس ودائع بقيمة مليار و400 مليون دولار مؤخراً في مصرف لبنان، في إشارة أمريكية إلى دعم استقرار لبنان النقدي.

على الرغم من الإرادة الدولية في الحفاظ على الاستقرار في لبنان، إلا أنه على الحكومة اللبنانية استعادة الثقة لاستعادة تدفق الدولارات، وذلك عبر مجموعة من الإصلاحات المطلوب القيام بها.

ويشترط مؤتمر سيدر الذي انعقد في فرنسا على الحكومة اللبنانية تنفيذ عدد من الإصلاحات لبدء المشاريع الاستثمارية التي أقرّها والتي يعوّل عليها لبنان للخروج من أزمته الحالية.

ويترقب اللبنانيون محطة يعوّلون عليها في تحسين وضع البلد الذي يمرّ بمرحلة دقيقة وصعبة، وستحدد مستقبل أمنه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، موعد انطلاق الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في سواحله.

فهل سيكون لبنان، البلد الذي يُعدّ من أكثر البلاد مديونية في العالم، على قدر الإصلاحات المطلوبة منه؟ الأشهر المقبلة ستحدد مصيره حتماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image