استدعت وزارة الخارجية التركية، في 5 أيلول/ سبتمبر، السفير اللبناني لدى أنقرة غسان المعلم، في أحدث تطور للأزمة الدبلوماسية الحديثة بين لبنان وتركيا، على خلفية امتعاض أنقرة من وصف الرئيس اللبناني ميشال عون ممارسات "الدولة العثمانية" تجاه اللبنانيين عندما كان لبنان جزءاً من السلطنة بـ"الإرهاب".
ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن مصادر دبلوماسية لم تحدد هويتها أن الاستدعاء جرى "على خلفية عمل استفزازي تعرضت له السفارة التركية في بيروت"، مبينةً أن "مجموعة تتألف من قرابة 10 أشخاص أقدمت صباح 5 أيلول/ سبتمبر على وضع قطعة قماش على بوابة السفارة التركية في بيروت، كتبت عليها عبارة تهديد".
"استهداف" السفارة التركية
وكتب على اللافتة المشار إليها "انتو كمان انضبّوا" (الزموا حدودكم أنتم أيضاً). وبحسب الوكالة، فإن التهديد نفّذه أعضاء من "أوميغا تيم"، وهي مجموعة تابعة للتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس اللبناني ميشال عون. وانتهى الموقف بإنزال رجال الشرطة للافتة.
وأوضحت المصادر للوكالة أن وزارة الخارجية التركية استدعت المعلم ونقلت له "انزعاج أنقرة من هذا الاستفزاز"، فضلاً عن إبلاغه بالقلق على أمن السفارة التركية في بيروت بعد اقتراب المجموعة من سفارتها وبلوغ بوابتها.
وأشارت إلى أنه طلب من المعلم "اتخاذ السلطات اللبنانية، على الفور، التدابير الأمنية اللازمة، من أجل حماية جميع المصالح التركية في لبنان، وفي مقدمّها السفارة في بيروت"، وهو المطلب الذي تقدمت به السفارة التركية في لبنان.
ما سبب الأزمة؟
بدأت الأزمة بتصريح عون، في 31 آب/ أغسطس الماضي، بأن "الدولة العثمانية مارست إرهاب دولة ضد اللبنانيين" خلال خطاب نقله عبر حسابه في تويتر، عشية مئوية إعلان لبنان الكبير، في 1 أيلول/ سبتمبر من العام 1920.
وكتب عون: "كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية. إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين، خصوصاً خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات آلاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة".
وعلى الفور، ردت وزارة الخارجية التركية على تصريحات عون، في بيان صدر في 1 أيلول/ سبتمبر، ودانت تصريحاته بشدة معربةً عن استنكارها الشديد لها.
وجاء في البيان: "ندين بأشد العبارات ونرفض كلياً التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها عن الحقبة العثمانية، واتهامه (عون) للإمبراطورية العثمانية بممارسة إرهاب الدولة في لبنان".
واعتبرت الوزارة التركية أن ما نشره عون بعد أسبوع من زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى لبنان "لا تتماشى مع العلاقات الودية بين البلدين، ومؤسفة للغاية وغير مسؤولة"، مشددةً على "اعتزاز الجمهورية التركية بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية".
وأضاف البيان: "لا يوجد إرهاب دولة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، بل على العكس، كانت الحقبة العثمانية فترة استقرار طويلة في الشرق الأوسط"، مشدداً على أن التسامح كان يسودها.
كما أشار إلى أن المنطقة التي جرى تقسيمها إلى مناطق نفوذ على أساس اتفاقية سايكس بيكو، بعد الحرب العالمية الأولى، "لم تنعم بالسلام مجدداً".
واستغرب البيان "قيام الرئيس عون بتحريف التاريخ من خلال الهذيان، وتجاهله جميع الأحداث التي وقعت في عهد الاستعمار الذي يعتبر مصدراً لكل المصائب التي نراها اليوم"، معتبراً أن "محاولته تحميل مسؤولية هذه الأمور للإدارة العثمانية، ما هو سوى تجلٍ مأسوي لحب الخضوع للاستعمار".
أزمة دبلوماسية بين بيروت وأنقرة والسبب امتعاض الأخيرة من وصف ممارسات "الدولة العثمانية" تجاه اللبنانيين عندما كان لبنان جزءاً من السلطنة بـ"الإرهاب"... ما القصة؟
ومساء اليوم نفسه، اعتبر مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية للشؤون الروسية أمل أبو زيد أن "تطاول الخارجية التركية على رأس الدولة في لبنان أمر مدان ومرفوض، وما هو سوى تعبير عن ذهنية التسلط والهيمنة، التي ورثتها الدولة التركية عن السلطنة العثمانية البائدة"، حسبما كتب على تويتر.
وفي 2 أيلول/ سبتمبر، وصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم عمر جليك، في مؤتمر صحافي، تصريحات عون بأنها "جاءت من منظور ضيق، وغير لائقة"، مشيراً إلى أنه لا معنى "للإدلاء بهذا التصريح الذي لا أساس له من الصحة".
وفي 3 أيلول/ سبتمبر، قالت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، في بيان، إنه بناء على تعليمات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، "استدعى مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير غادي الخوري في مقر وزارة الخارجية والمغتربين، السفير التركي في لبنان هاكان تشاكل، على خلفية البيان الذي أصدرته الخارجية التركية".
وأضاف البيان اللبناني: "تضمن بيان الخارجية التركية تعابير ولغة لا تتطابق مع الأصول الدبلوماسية والعلاقات الودية التاريخية بين الدولتين والشعبين اللبناني والتركي. في هذا السياق طلب السفير الخوري استيضاحاً حول هذا البيان وتصحيحاً واضحاً للخطأ من الجانب التركي، لتجنب سوء التفاهم حفاظاً على العلاقات الثنائية المميزة بين البلدين ومنعاً للإضرار بها".
الجدير بالذكر أن العثمانيين سيطروا مطلع القرن السادس عشر (عام 1516)، على جميع الأراضي الواقعة ضمن الجمهورية اللبنانية حالياً، ولمدة 400 سنة، سنوا خلالها الأنظمة العسكرية والأمنية والإدارية والاجتماعية.
وعانى اللبنانيون كثيراً من الحكم العثماني في الربع الأول من القرن التاسع عشر، لا سيما قبيل انتهاء الحرب وجلاء العثمانيين أواخر عام 1918.
وأشارت أوراق بحثية وكتب تاريخية ودراسات أكاديمية إلى الدور الذي اضطلعت به البعثات العثمانية في تأجيج الخلافات الطائفية في لبنان، لا سيما بين الدروز والموارنة في القرن التاسع عشر في جبل الشوف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...