على مدار الأيام القليلة الماضية، دشنت مجموعة من النشطاء والحقوقيين اليمنيين والعرب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملة لإنقاذ فتاة يمنية نازحة لم تتخط الثامنة من عمرها، بعدما تداولت وسائل إعلام محلية أنباء عن قيام والدها بعقد قرانها على أن "تزف إلى زوجها" خلال أيام. غير أن الأمر أكثر خطورة مما يبدو عليه، وفق اختصاصية علم اجتماع يمنية تحدثت إلى رصيف22.
وكان موقع "المشهد اليمني" قد نقل، مساء 24 أيلول/سبتمبر، عن مصادر محلية بمحافظة إب (جنوب العاصمة صنعاء) أن "والد الطفلة أنسام بسام حمود سعيد المجيدي، ذات الـ8 أعوام، عقد قرانها قبل 4 أيام على الشاب أيمن أمين محمد سعيد"، ذاكراً أنه (الوالد) "يقوم حالياً بتجهيز ابنته لاستكمال حفل زفافها إلى منزل زوجها الذي لا تعرف عنه شيئاً".
وأوضح الموقع على لسان مصادره التي لم يكشف عن هويتها، أن الفتاة من "الأمجود مديرية شرعب السلام التابعة لمحافظة تعز، وقد نزحت مع أسرتها وتستقر حالياً في مدينة القاعدة بمحافظة إب".
وأشارت مواقع محلية أخرى إلى أن "البيع (الزيجة) تم مقابل ألفي ريال يمني (8 دولارات تقريباً)".
"البيع (الزيجة) تم مقابل ألفي ريال يمني (8 دولارات تقريباً)"، كما تقول مواقع محلية.
وعلى الفور، تحركت مجموعة من الناشطات والنشطاء عبر وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي مطالبةً بوقف جريمة "الإعدام المبكر بحق الطفلة اليمنية"، عبر وسم #انقذوا_أنسام.
في حين لم يصدقها البعض كونها تتخطى حدود المنطق والإنسانية أولاً، وكون الصورة المتداولة للطفلة تعكس عدم أهليتها جسمانياً لتحمل متطلبات الزواج من علاقة جنسية وغيرها.
وعلقت الناشطة الحقوقية اليمنية هدى الصراري على هذه الواقعة بقولها "هذه الطفلة إحدى ضحايا زواج القاصرات بل ما جرى هو جريمة بحقها. أنسام بسام حمود المجيدي من الأمجود، قام والدها بعقد قرانها على المدعو أيمن أمين وسيتم زفها إليه بعد أيام قليلة، حسب مصادر حقوقية"، مستطردةً "للأسف، فإن الحرب في اليمن أفقدت الآباء الإنسانية والرحمة تجاه أبنائهم".
وأشار آخرون إلى أن فقدان الأمل في تحرك رسمي يمني، إذ "لا تجرم القوانين اليمنية هذا ‘الاغتصاب البيدوفيلي‘ الذي يتم تحت مسمى زواج القاصرات".
ظاهرة قديمة تزداد انتشاراً خلال الحرب والنزوح
وتؤكد الباحثة اليمنية في علم الاجتماع هيفاء طاهر لرصيف22 أن "هذه الظاهرة موجودة منذ القدم ولم تختفِ، لكن قل الحديث عنها خلال السنوات الأخيرة لوجود أحداث ‘أكثر سخونة‘ في نظر البعض مثل الحرب والقتال الدائر منذ 4 سنوات".
وتشير طاهر إلى أن الدور الأكبر في استمرار وتزايد هذه الظاهرة يلعبه "الموروث الثقافي"، لأن "الثقافة المجتمعية تحتم على الآباء الخوف على بناتهن من ‘العار والفضيحة‘ أكثر من الخوف على موتهن، وبحكم أن الزواج ستر للبنت وأن العذرية أهم لدى هؤلاء من حياة البنت يجرى تزويجها في الصغر خوفاً من التعرض للاغتصاب وفقدان عذريتها خارج الزواج وتحملهم العار لبقية حياتهم".
"زوج بنتك ثمان وعليّ الضمان"، هكذا يقول المثل الشعبي الدارج في اليمن… فما قصته وقصة الطفلة أنسام؟
"يسمح بالبيدوفيليا ويمنحها شرعية، يقتل الطفولة، يتسامح مع اغتصاب الجسد"... هكذا وصفت اختصاصية علم اجتماع يمنية زواج الطفلة أنسام وهي في الثامنة من عمرها
والمثل الدارج في اليمن يقول "زوج بنتك ثمان وعليّ الضمان" وغيره الكثير من الأمثال التي تتردد على الألسن وتشجع على تزويج الطفلات، بحسب طاهر التي تلفت إلى تقرير سابق لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية، عام 2009، وجد أن 24.6 من اليمنيات تزوجن دون سن الـ15.
كما أوضحت أن تقريراً حديثاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، صدر في العام الجاري، اعتبر اليمن "ثاني أكثر البلدان العربية تزويجاً للأطفال".
وقد كشفت دراسات وإحصاءات عدة سبق أن استعرضها رصيف22 في تقرير سابق عن نسب موازية لما طرحته طاهر.
ولا تنفي الباحثة الصلة بين الحرب الدائرة في اليمن وزواج القاصرات، بل ترى أنها زادت من انتشاره لأنها زادت معدلات الفقر وعمقت الحاجة المادية لدى ألأسر اليمنية، كما تسببت بالنزوح الذي ساهم هو إيضاً في زيادة انتشار الظاهرة.
وتقول طاهر: "أكثر من مليون ونصف المليون نزحوا من مناطقهم الأصلية ويعيشون في ظروف تفتقد الأمان والحماية، وهذا ما يجعل هذه الظاهرة أكثر انتشاراً بينهم. الحرب والنزوح دفعا الآباء لتزويج طفلاتهم مبكراً".
لكنها تشدد على أن تزويج الطفلات ليس وليد الحرب أو نتاج النزوح الذي بدأ عام 2015، بل هو "متأصل في المجتمع اليمني".
لا قوانين توقفها
أما الموروث الديني، فيقف في رأي طاهر، عائقاً صلباً أمام تجريم زواج الأطفال أو تحديد سن آمن لتزويج الفتيات، والأطفال بشكل عام.
وتضيف: "لا يوجد قانون يحدد السن المناسبة أو الآمنة للجنسين في اليمن، فالمناشدات والاستنكار (في حالة أنسام وغيرها) لا يجديان نفعاً في هذه الحالة إذ لا أحد يولي الطفولة الحماية والاهتمام".
وتقول: "عام 2010 ناقش مجلس النواب زواج القاصرات وكان بصدد إقرار قانون يحدد سن الزواج للجنسين بـ18 عاماً كحد أدنى، لكن هذا القانون لم يخرج إلى النور بحجة أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية والدستور"، مؤكدةً أن "الأحزاب والقيادات الدينية وفي مقدِّمها حزب الإصلاح (الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن) وقفت أمام تشريع هذا القانون".
وتوضح أيضاً أنه "في عام 2014، خلال الحوار الوطني، جرى طرح مسودة الأولويات الاجتماعية أو مقترحات النصوص الدستورية الخاصة بالمرأة ضمن تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ونوقشت خلاله عدة قضايا من بينها تحديد عمر الزواج بـ18 عاماً ورفعه إلى 18 عاماً للنساء كحد أدنى ومعاقبة كل من يخالف ذلك، إلا أن مخرجات الحوار الوطني لم تظهر إلى النور أيضاً بسبب الانقلاب الحوثي في صنعاء".
ويستغل رجال دين وعائلات فتيات ثغرةً في قانون الأحوال الشخصية، تسمح بتسجيل عقود القران لمن هن دون الثامنة عشرة، بحسب تقرير استقصائي سابق لرصيف22.
تزايد مقلق للظاهرة
"زواج أنسام" استهتار بأرواح الأطفال وكأنهم دمى أو أشياء.
وتلفت اختصاصية علم الاجتماع اليمنية إلى أن "هذه الظاهرة (زواج الطفلات) تدعو إلى الخوف والاشمئزاز، إذ تسمح للبيدوفيليا (الهوس الجنسي بالأطفال) بالانتشار على مرأى من الجميع ومسامعهم… وتمنحها شرعية".
وتختم طاهر: "زواج أنسام يعني اغتصاب لجسدها الضعيف، وقتلاً لبراءة طفولتها، وحرمانها من التعليم والشعور بالأمان… هو استهتار بأرواح الأطفال وكأنهم دمى أو أشياء"، متابعةً "أما الأضرار الجسدية والنفسية التي تلحق بها والتي قد تقضي عليها يضرب به عرض الحائط… هذه جريمة... جريمة بالمعنى الدقيق للكلمة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...