"إسرائيل ليست وطني. ولا تتحدث باسمي فأنا أرفض ذلك، ورغم أن أسلافي زاروا الأماكن المقدسة اليهودية وحجّوا إليها في السابق، إلا أنني أمتنع عن ذلك إلى أن يتم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وكرامتهم دولياً وضمان ذلك قانونياً"، هذا هو رأي الكاتب اليهودي الأمريكي من أصول عربية مسعود حيون، خلال حديثه لرصيف22.
أصدر حيون مؤخراً كتاباً عن تاريخ عائلته يحمل عنوان "عندما كنا عرباً: التاريخ المنسي لعائلة يهودية" الذي يسرد تاريخ عائلته، حيث الجد "أوسكار" يهودي من مصر، والجدة "ديدا" يهودية من تونس، مع تداعيات الحرب العالمية الثانية وتضاؤل الآفاق الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الاستعمار، هاجرت العائلتان بشكلٍ منفصل، إلى باريس حيث التقى أوسكار بديدا، وبسبب الصعوبات الاقتصادية هاجر أوسكار وديدا إلى لوس أنجلوس، حيث وُلد مسعود.
ويعلّق على ذلك: "الكتاب لا يسترجع هوية عائلتي العربية فحسب، ولكنه يتحدث عن ذلك وعن اليهود العرب، وكل العرب والبشرية. هذا الكتاب هو عبارة عن "تبا لك" أو "fuck you" في وجه الاتجاهات المعادية للبشر التي نراها في كل العالم، في الهجوم الذي لا ينتهي على حياة الفلسطينيين وفي الفاشية المتشددة المنتشرة في الغرب".
يصف حيون الكتاب بأنه "عبارة عن مذكرات غير تقليدية ضد الاستعمار لأجدادي والعوالم التي ماتت إلى حد كبير معهم. إنه أيضاً عمل نظري سياسي ودعوة لتجربة التضامن عبر الحدود التاريخية في هذه الأوقات المظلمة بشكل استثنائي".
أصدر حيون مؤخراً كتاباً عن تاريخ عائلته يحمل عنوان "عندما كنا عرباً: التاريخ المنسي لعائلة يهودية" الذي يسرد تاريخ عائلته
وعن الرسالة التي يود تقديمها قال: "بشكلٍ مباشر، بحثت في الطرق التي كنا عرباً فيها، والطرق التي تم استعمارنا من قبل أوروبا، وتداعيات ذلك الاستعمار".
"واذهب في الكتاب إلى أبعد من ذلك، فهذا الكتاب يدور حول الهوية العربية. حيث يتحدّث عن التعقيد والتنوع والجمال الذي يوصف ما يمكن أن تصبحه العروبة (وأصبحت بالفعل، إذا اخترنا ذلك) في عصرنا الحديث، ومن المرجح أن تكون العروبة التي أصفها مختلفة تماماً عن العروبة الموجودة في عقول كثير من الناس الآخرين، العرب وغير العرب".
ويقول حيون: "الكتاب هو عمل على نظريةٍ سياسية، واسعة النطاق للغاية. حصلت على تعليق من أحد المثقفين البريطانيين بعد قراءة الكتاب مفاده بأن الكتاب يتعلق بالطبيعة البشرية، والذي يركّز على أنه بالإمكان أن يكون لدينا ألف عنصر مشترك ونركز على الاختلاف الوحيد بيننا، ونتعلم كراهية بعضنا البعض. هذا الكتاب هو محاولة للتشكيك في الوضع الراهن المقبول الذي يقتل الناس ويهينهم. هذا الكتاب هو محاولة للتراجع عن الأخطاء التاريخية على المستوى النفسي والشخصي".
استعادة الهوية العربية
يقول حيون: "أتمنى أن يعطي هذا الكتاب الحقَّ الذي ضاع من عائلتي في استعادة هويتهم الأصلية، وكذلك لكل العرب الذين جردوا من هذه الهوية لسبب أو لآخر".
يقول مسعود: "ولدت أمريكياً ولكنني ترعرعت وسط الأفلام مصرية وموسيقى بلدتي جديّ، أوسكار ودايدا"، ويضيف: "يوجد أشخاص يفترضون أن لدي قواسم مشتركة مع الشعب البولندي اليهودي أكثر من المسلمين أو المسيحيين من الهويات العرقية والوطنية لعائلتي - التونسية والمصرية والمغربية-، هذا الافتراض مثير للسخرية. كما أنه يقوم على فكرة معادية لليهود بشكلٍ أساسي، وهي أن اليهود شعب يتجول دون أي هويات موجودة في نفس الوقت مع يهوديتهم".
ويضيف: "أجد هويتي في عائلتي وفي أخوتي العرب. هناك يهود في كل مكان، صينيون، إثيوبيون، أرجنتينيون وهؤلاء بعيدون كل البعد عني ثقافياً".
يتحدث حيون اللغة الصينية إلى جانب الإنجليزية، الفرنسية وبعض الإسبانية وبعض العربية الدارجة، عاش في الصين لعدة سنوات، وأمضى بعض الوقت في شينجيانغ، ويجد نفسه مرغماً على مطالبة الحكومة الصينية بالإفراج عن الأسرى في معسكرات الاعتقال في شينجيانغ، وأن تلتزم بالتزاماتها الدستورية للحفاظ على حريات ورفاهية جميع المواطنين المتنوعين في جمهورية الصين الشعبية"، حسب تعبيره، ويود أن يهتم العالم بما يحدث هناك.
وعن البحث الذي قام به لكتابة هذا الكتاب قال حيون: "موارد الكتاب موجودة في جميع أنحاء العالم، من كتب ودراسات وأبحاث، لم يكن لدي الموارد اللازمة للسفر لذلك شعرت بالإحباط في بعض الأحيان لعدم وجودي في تونس أو مصر أو الضفة الغربية في متحف محمود درويش وأنا أقوم بهذا البحث، وأبحث عن تاريخ اليهود العرب، وتاريخ عائلتي، وعلاقتهم مع السياسة والاستعمار وغيرها من الأمور التي تناولتها في الكتاب".
ويواصل: "اطلعتُ على السجلات وتحدثتُ مع علماء في التاريخ في أوروبا وشمال إفريقيا والولايات المتحدة. اعتقدتُ عندما بدأت هذا المشروع، أن الأمر سيتطلب الكثير من السفر إلى مدن عائلتي، وإلى الأرشيفات الوطنية في مصر وتونس والمغرب وأماكن أخرى، ولكنني في الواقع، قدمت الكثير من الطلبات الخاصة إلى مؤسسات مختلفة، للحصول على كتب ووثائق نادرة من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وغيرها من المكتبات والجامعات في منطقة لوس أنجلوس، وتحدثت مع خبراء دوليين عبر سكايب، وأتمنى أن أكون استطعت ولو بالقدر البسيط استرجاع هوية أجدادي العربية".
ويشير مسعود إلى أنه كوّن العديد من الصداقات من خلال هذا الكتاب، مع الكثير من النساء العربيات في جميع أنحاء العالم. "عندما أجد نساء عربيات يرفضن الأبوية والإمبريالية والعديد من أشكال القمع والانحطاط الأخرى، أجد ديدا لا تزال حية. لذلك هي في كل مكان، ولن ترتاح حتى يصبح العالم أفضل".
حيون: "أتمنى أن يعطي كتابي الصادر مؤخراً الحقَّ الذي ضاع من عائلتي في استعادة هويتهم الأصلية، وكذلك لكل العرب الذين جردوا من هذه الهوية لسبب أو لآخر"
حيون: "هنالك من يفترض أن لدي قواسم مشتركة مع البولندي اليهودي أكثر من المسلم أو المسيحي من الهويات العرقية والوطنية العربية لعائلتي، هذا الافتراض يقوم على فكرة معادية لليهود، وهي أننا نتجول دون أي هويات موجودة في نفس الوقت مع يهوديتنا"
عائلتي الكبيرة في البلاد العربية
تربى مسعود مع جديه، فكانا هما والداه، وأصبحت جدته "صديقة مقربة جداً وزميلةً فكرية"، حسب تعبيره. "خططنا أنا وديدا لكتابة هذا الكتاب معاً، وعملنا معاً لفترة طويلة على تفاصيل هذا المشروع، ولكنها توفيت بعد ثلاثة أشهر من حصولنا على عقد الكتاب من الناشر".
أدرك مسعود أن الكثير من تفاصيل هوية جدّيه الدقيقة وعوالمهما قد تبددت مع رحيلهما، "لكن في الوقت نفسه، أدركت أكثر من ذي قبل أن عروبتهم هي ما تبقى، وهو ما ورثته عنهما، وهو ما يربطني بالعديد من الأشخاص والأماكن الأخرى عالمياً، ومن خلال هذه الهوية أستطيع التعرف على أسرتي"، كما يقول.
يقول حيون: "جدتي هي المؤلف المشارك معي في هذا الكتاب، وصديقتي المفضلة وشريكتي الفكرية في هذا المشروع، ومنذ وفاتها في العام 2017، وأنا في حالة حداد شبه مستمر. فقدت الحياة نكهتها. كنت أتوقع، عندما حصلنا على عقد النشر، أنني سأشعر بالسعادة عند نشر الكتاب، إلا أنني لم أشعر بأي فرح، لأنني غير قادر على الفرح منذ وفاتها، في أسوأ لحظات هذا الحداد أتساءل: أي منا - أنا أو هي - هو الشبح".
يقضي مسعود الكثير من وقته في المطبخ، يحضّر الأطعمة المغربية والتونسية والمصرية، بعضها خاص بالجاليات اليهودية في تلك الدول، ولكن معظمها عالمي وغير محدود بالعالم العربي، ولكنه لم يكن يطبخ قبل وفاة جدته، كما إنها لم تعلمه الطبخ أبداً. يشرح: "لكنني كنت أجلس في المطبخ لعمل واجباتي المنزلية، وكنت أراقبها بينما كنت تطبخ. عند التفكير في الأمر، أدركت أن هذه هي الطريقة التي تعلمت ديدا الطبخ من والدتها كامونة: المشاهدة بصمت".
ويواصل: "أستمتع بصنع موائد الطعام للأصدقاء، وأقوم بتغريد صور الطعام على تويتر، ومن هنا أدعو القراء لتكوين صداقات معي، حتى لو كان ذلك من أجل الكسكسي والكُشري".
وأشار مسعود: "على الرغم من أن ديدا وأوسكار قد رحلا وأنا أعيش لوحدي، إلا إنهما تركا لي أسرةً كبيرة بالفعل، فعندما أنظر لكل العرب الذين يختارون تلك الهوية أو يولدوا بها من مراكش إلى المنامة، فهم جميعهم عائلتي".
الاستعمار استخدم اليهود العرب
اليهود والاستعمار
يشير حيون في كتابه إلى أن المشاريع الاستعمارية استخدمت اليهود العرب في تنفيذ برامجهم الخاصة، "أشير في الكتاب إلى وثائق سياسات معينة أتبعتها الحكومة الاستعمارية الفرنسية في شمال إفريقيا، والتي سعت إلى استخدام المجتمعات العربية اليهودية في جميع أنحاء العالم العربي كوسيلةٍ لمساعدة المشاريع الاستعمارية هناك، ولم يكن اليهود العرب هم الأقليات الوحيدة المستخدمة بهذه الطريقة، فالحكومات الاستعمارية - البريطانية والفرنسية، وغيرها استهدفت أيضاً العرب المسيحيين وغيرهم من مجموعات الأقليات مع نفس الهدف المتمثل في تسليحهم ضد أوطانهم"، كما يوضح.
وعن علاقته بإسرائيل التي تعرف نفسها بأنها وطن اليهود جميعا في العالم: "إسرائيل ليست وطني. لقد حاولت حكومة إسرائيل خاصة في الآونة الأخيرة، أن تمثل اليهود في كل العالم، إلا أنني أرفض ذلك. إسرائيل لا تتحدث بالنيابة عني".
وأضاف: "قبل العام 1948، قامت عائلتي بالحجّ إلى الأماكن المقدسة اليهودية في فلسطين والتي تعد مهمة للغاية لممارساتنا الدينية، إلا أنني أمتنع عن القيام بهذا الحج إلى أن يتم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وكرامتهم دولياً وضمان ذلك قانونياً".
ويقول حيون: "أؤيد نضال الفلسطينيين، ومن الضروري أن يتحدث الجميع - ليس فقط العرب، بل جميع البشر المعنيين بالحياة الإنسانية الأساسية وحقوقهم، عما يحدث في فلسطين".
وعما إذا كان لديه خطط لتدشين كتابه في أحد بلدانه الأصلية، مصر، تونس أو المغرب، أبدى حيون اهتمامه وسعادته ليقوم بذلك: "يسعدني ذلك. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب نشر الكتاب باللغة العربية أولاً، وهو ما سيحتاج إلى ناشر عربي، يستطيع شراء حقوق الناشر من ناشري الأمريكي The New Press. سأستغل أي عذر لأكون في أي بلد عربي، فعادة عندما أسافر إلى أي بلد عربي وأعود من جديد إلى الغرب يكون لدي شعور بأن لدي منزلاً وعائلة أنتمي لهم في هذا العالم".
ويضيف: "لو كنت قادراً على الكتابة باللغة العربية، لكنت أصدرت الكتاب باللغة العربية أولاً، الكتاب مخصص للعرب بالدرجة الأولى وقبل كل شيء. ولدت في لوس أنجلوس وتعلمت باللغة الإنجليزية أولاً، رغم أن جدي حاول تعليمي اللغة العربية الفصحى في العطلة الصيفية إلا أن عربيتي لا تزال غير قوية، وكان عليّ أن أكتبه بأي لغة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي