شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"في وجه الدمار "... أعمال فنية لأجل بناء السلم الأهلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 23 سبتمبر 201907:10 م

في بحثها المعنون "دور الثقافة والفنون في تحقيق المصالحة والسلم الأهلي في الدول التي شهدت نزاعات عنيفة، إصدار مؤسسة اتجاهات ودار ممدوح عدوان" تخصص الباحثة راما نجمة، فصلاً أساسياً من البحث لدور الفنون في بناء السلم الأهلي، والذي صدرت الترجمة الإنكليزية له مؤخراً The Role of Arts and Culture in Reconciliation and Civil Peace in Post-conflict Countries.

تلقي هذه الدراسة الضوء على تجارب عالمية للتدخلات الثقافية في أعقاب الصراع السياسي والنزاعات المسلحة، تدخلات اشتغلت على الثقافة لإعادة التفاعل للمجتمعات المنقسمة، كما وتبحث في بعض استراتيجيات التغيير المجتمعي التي توظف القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للثقافة. إطاره التنظيري المنهجي والدقيق في التعامل مع موضوعه، وخصوصاً تحديد الأطر المفاهيمية للتدخّلات الثقافية في أعقاب الصراع السياسي والنزاعات المسلحة، وفهم الآليات التي تعمل بها الميكانيزمات الثقافية في المجتمعات المنقسمة، وأساليب العمل البناءة لإدارة التحولات في الأزمنة العاصفة.

برنامج توتة توتة خلصت الحتوتة تعاون فني بين مؤسسة اتجاهات- ثقافة مستقلة، تعاونية شمس ومجموعة كهربا 

تبدأ الباحثة الحديث عن "دور الفنون في بناء السلم الأهلي" باقتباس من المؤلف وليام كليفلاند، من كتابه المعنون "الفن والاضطراب: فنانون على الخطوط الأمامية في العالم"، يكتب فيه كليفلاند: "في وجه الدمار، نحن مضطرون أن نخلق"، يمثل هذا القول جوهر عملية صنع الفن في أثناء الصراعات، برأي الباحثة.

عرض ألف خيمة وخيمة هو قراءات مسرحية لفرقة مسرح المرج بدعم من مؤسسات اتجاهات- ثقافة مسقتلة ومؤسسة مواطنون فنانون

كتب، مؤلفات، ومنظمات، عن الفنون وبناء السلام

تذكر الباحثة الكثير من الفنانين والنقاد والمخرجين الذين اشتغلوا على العلاقة بين الفنون وبناء السلام، وفي هذا السياق تذكر تحليلات سنتيا كوهين لفهم التفاعل بين الجماليات وجهود بناء السلام، وكتب كريغ زليزير ومايكل شانك وجون ليديراش عن الخيال الأخلاقي، وتصورات ليزا سشيرش عن الطقس والرمز وعلاقتها المركزية في بناء السلام، وما قدمه المعالج الفني ماريان ليبمان على المنحى العلاجي للفن في أثناء الصراعات.

كما تزخر المكتبة العالمية بالكثير من المؤلفات التي كتبها الفنانون أنفسهم مثل كتاب كونت برونسون الذي عالج كيفية دمج فض النزاعات في برامج الفنون الشبابية، وفي سياق مختلف تركز كتب "أوغستو بوال، جان كروز، ميشيل روهد، وباتريسيا ستيرنبرغ" على دور المسرح في تحويل النزاع وفي قضايا العدالة الاجتماعية، فضلاً عن العديد من المنظمات العالمية التي تهتم ببناء وتصميم وتنفيذ برامج فنية تهدف إلى بناء السلام، مثل التحالف الدولي للفنون وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية (ICARJ).

فعاليات ثقافية لأجل المصالحة

توضح الباحثة أن الكثير من الناس، وبخاصة الضحايا، ينظرون بريبةٍ إلى المصالحة ويشتبهون أنها عذر لتجاهل معاناتهم، أو طريقة لاختصار مراحل العدالة، ويمكن في الواقع أن يساء استخدامها. ولذلك، شهدت عدة دول رفض فكرة المصالحة ببساطة في الخطاب العام. في رواندا على سبيل المثال، كانت كلمة المصالحة من المحرمات بالنسبة إلى أولئك الذين نجوا من الإبادة الجماعية، ولم تستخدم علناً إلا بعد زمن طويل من انتهاء النزاع. في كوسوفو، فإن كلمة المصالحة اعتبرت مفروضة من الأعلى بالنسبة للمجتمع الألباني. في جنوب إفريقيا، وفي غواتيمالا، كانت برامج المصالحة صريحة ومفتوحة للنقاش العام. لكن في جميع هذه الدول كانت هناك برامج تهدف إلى تحقيق المصالحة، وإن اختلف مكانها على جدول أعمال المجتمع، ففي نهاية الأمر، برأي الباحثة فإن ضرورات العيش المشترك تكون أكثر واقعية من أصوات الموت، أياً كان السياق الثقافي.

في المشروع الفني "أسوار الأمل: مدرسة الفن والإستديو المفتوح" في السلفادور، أشركت الفنانة كلوديا برناردي أفراد المجتمع من جميع الأعمار والانتماءات السياسية، هم أنفسهم الناجون من المجازر الوحشية، في مشاريع جدارية. حيث وفّرت عملية صنع الفن الفرصَ لديمقراطية صنع القرار والمشاركة الإبداعية في التعبير عن الصراعات. فالجداريات المذكورة قامت بكلا المهمتين: إحياء ذكرى الضحايا وتخيل مستقبل أفضل.

تتجاوز العمليات القائمة على الفنون القيود المفروضة على الاتصال اللفظي، وذلك باستخدام وسائل أخرى لنقل القصص الفردية والجماعية. فقد عملت كل من "بيف هوسكينغ وجيني هيت" في المجتمعات المنقسمة باستخدام منهجية مسرحية تسمى Playback Theater، وهو شكل من العروض الارتجالية تؤديها المجتمعات المحلية وتمارس الآن في أكثر من ستين بلداً، في هذا الأسلوب يستنبط شكل الإنتاج المسرحي من الواقع نفسه، مما يسهم في خلق مسافة جمالية تمكن كلاً من المشاعر والأفكار أن تكون حاضرة في الوقت نفسه.

توثيق سجلات الانتهاكات لتعزيز حق العدالة

يجمع مركز التوثيق الكمبودي (DC-CAM) سجلات تتعلق بالضحايا ومرتكبي المجازر الجماعية في كمبوديا، وذلك لتمكين أسر الضحايا وأصدقائهم من معرفة المصير الحقيقي للأشخاص الذين اختفوا. وعلى الرغم من أنه في أغلب الأحوال تكتشف الأسر أن أقرباءهم قد أعدموا على يد الخمير الحمر، إلا أن تلك الأسر تجد الراحة في معرفة ما حدث والقيام بالطقوس الدينية المناسبة لراحة الضحية. وقد تعرّف مشروع رسم الخرائط التابع للمركز على 20 ألف قبر جماعي و16 سجناً في 170 مقاطعة كمبودية.

وفي تجربة أخرى يعمل مركز التوثيق والأرشفة في دولة البارغواي (CDyA) على بناء "أرشيف للرعب" وذلك لتوظيفه في تأكيد اختفاء مواطنين وكدليل لمقاضاة رجال شرطة سابقين وعسكريين، وتوثق هذه الملفات تجارب الاعتقال التي عانى منها السجناء بالتفصيل. ولقد قام المركز بفتح ملفات الشرطة أمام الجمهور في أعقاب خمسة وثلاثين عاماً من حكم الديكتاتورية العسكرية.

ومثال آخر من الأرجنتين، حيث يقوم ميموريا أبيرت، وهو تحالف بين ثماني منظمات معنية بحقوق الإنسان، بتوحيد الجهود لإيجاد قاعدة بيانات يمكن للعامة الوصول إليها والتي يؤمل في أن تسهم في تشكيل ذاكرة جماعية دائمة، ويتبنى التحالف أيضاً مبادرات تسعى إلى تعزيز المناقشات حول إيجاد مواقع للذاكرة ومساحات للتأمل العام.

الخيال الأخلاقي: تخيل حال الآخر

من الأطر الهامة التي يحددها الفنانون لعملهم في بناء السلام هو فكرة John paul Lederach عن "الخيال الأخلاقي"، الذي يعرف بأنه "القدرة على تخيل وتوليد استجابات ومبادرات تكسر في نهاية المطاف سيطرة أنماط ودورات مدمرة". يقول علماء الفلسفة الأخلاقية أن الخيال الأخلاقي هو ملكة تمكننا أن نضع أنفسنا مكان الآخر، وأن نحس ما يحس به، وأن نفهم موقفاً بكل ما فيه من عمق، حينها نتمكن من تصور وجهات نظر مختلفة.

الفنون بدلاً عن العنف في الصراع

يسمى هذا التوظيف للفنون باللاعنف الإستراتيجي، وهي طريقة تهدف إلى زيادة الوعي بالظلم الاجتماعي أو إيصال صوت المهمشين في حالات النزاع. مثلما استخدمت لتاريخ طويل الجداريات العامة في جنوب افريقيا لشن الصراع اللاعنفي ومناهضة البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تكتب الباحثة: "عملت الألوان الجدارية الزاهية كمرآة للسود الذين لم يريدوا فقط الاحتجاج، ولكن رسم مستقبل مختلف، وتسجيل أصواتهم ضمن الفضاء العام. بخلاف فنون أخرى آنية وعابرة فإن رسالة الجداريات دامت واستمرت بشكل ثابت، فاستولت القضية على الجدار لتصبح جزءاً من الفضاء العام".

وكمثال آخر، لدينا عروض مسرح أوغستو بوال الذي يهدف إلى شن صراع لاعنفي بنمط أسماه مسرح المتلقي Forum Theatre والذي يهدف إلى توليد حلول للمشكلات المختلفة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، كما يهدف إلى التمرن على الفعل في الحياة الحقيقية وذلك من خلال نص مسرحي حواري يدور حول تلك المشكلة ويشترك في أدائه الممثلون والمشاهدون. لقد نظرت السلطة الحاكمة في البرازيل في الستينيات إلى مسرحيات أوغستو بوال كتهديد، وقامت على إثره بنفي بوال.

في كفاح جنوب افريقيا من أجل التحرر من الفصل العنصري، قدم الفنانون شكلاً مبدعاً ومبتكراً "التوي توي" وهو في جزء منه رقص، وفي جزء آخر مقاومة مدنية تجاه العنف المباشر. تركت عروض "التوي توي" أثراً لا يمحى في المظاهرات، ووصف رجال الشرطة البيض بعد ذلك في شهاداتهم كيف أخافهم حشد من المغنيين السود مع أصوات طرق أقدامهم القوية على الأرض وهم يتقدمون كأنهم يمتلكون زمام السلطة، وكانت حركة "التوي توي" أحد أسباب تعاطف الشرطة مع المحتجين الذين أظهروا قوة لاعنفية متماسكة ضد التهديد التقليدي.

في "إيرلندا، أفغانستان وكينيا"، طبق أسلوب مسرحي يعرف ب "مسرح الشهود"، وفيه يشترك الممثلون مع المخرج في توليف هارموني يقوم على حكاية قصصهم الحقيقية في أثناء الصراعات الدموية. تقوم العروض برمتها على عنصر الإفصاح والتحدث، حيث لا وجود لنص منجز مسبقاً. كمثالين مميزين هناك مسرحية "تحرير Release" التي قدمت في إيرلندا للمخرجة تيا سيبنك، والتي مثل فيها ضحايا وجنود وحراس سجن حقيقيون. وأيضاً مسرحية بعنوان "عدم اكتمال اللانهائي"، والتي قدمت في عام 2011 في أفغانستان، في مؤتمر هدف إلى تحقيق المصالحة وجمع فاعلين من الحكومة والمجتمع المدني، وضحايا الحرب، نفذت المسرحية من قبل فريق ثقافي عمل مع ممثلين كانوا هم أنفسهم ضحايا الحرب.

أخيراً، في الإشارة إلى التجربة السورية والفنون، فترى الباحثة أن العديد من التجارب الفنية السورية استعملت لشن الصراع حسب تعبيرها، ففي المسرح التوأم ملص، أنا سوري، مصاصة متة، حبر على ورق، في الفنون الجميلة، كاريكاتور الثورة السورية، لوحات كفرنبل، الذاكرة الإبداعية للثورة السورية، الشعب السوري عارف طريقه، الفن والحرية، رسومات الحرية، تجمع أمارجي،

وفي الأفلام الوثائقية التجربة الأكثر اكتمالاً مؤسسة بدايات، إلى جانب تجارب مثل حرية وبس، مجموعة الشباب الأحرار، وفي الموسيقى تجارب منوعة بين الفردي والجماعي دون أن تكون مؤسساتية.

دور الإعلام وتجربة "التغطية العابرة للمجتمعات"

ترى الباحثة أنه تكمن في الإعلام الجديد فرص جديدة لإجراء مبادلات تفاعلية بين أشخاص من خلفيات اجتماعية مختلفة. يسمى هذا النوع ب "التغطية العابرة للمجتمعات"، التي تسعى إلى إزالة الانقسامات عن طريق إعادة التواصل أولاً، ومن ثم بناء الثقة. طبقت تجربة مماثلة في لبنان، حيث نظمت مؤسسة فرانس برس، ورشة عمل حول التغطية الموضوعية العابرة لحواجز المجتمع. هدفت الورشة إلى قيام صحفيين من خلفيات سياسية وطائفية مختلفة بكتابة تقارير مشتركة عن كيفية تأثير الصراع في حياة المواطنين العاديين وعلى جوانب الحياة اليومية: "النقل، السياحة، الثقافة" لتمكين كلا الطرفيين، أي الصحفيين والمجتمعات المحلية، من فهم معاناة الآخر وتقاسم المخاوف والآمال.

وفي دور الإعلام أيضاً تطرق البحث إلى مشروع "الجنود الأطفال" التابع للشبكة الدولية للتعليم والموارد في سيراليون عام 2000 (iEran Sierra Leone) أوجد المشروع موقعاً على الإنترنت يمكن للجنود الأطفال من خلاله مشاركة آخرين في قصصهم. ويتضمن الموقع مقالات وقصائد شعرية وأعمالاً فنية وتسجيلات صوتية لجنود أطفال سابقين، كما يعرض منبراً للنقاش عبر الإنترنت.

راما نجمة صحفية مستقلة مهتمة بالأبحاث الثقافية، أنجزت لصالح مؤسسة اتجاهات "دليل تدريبي حول تصميم الأبحاث الثقافية"، لها مساهمات بحثية منها "دور الثقافة في تحقيق المصالحة والسلم الأهلي في الدول التي شهدت صراعات عنيفة"، و"دور الفنون في بناء التدخلات الموجهة للأطفال السوريين المصابين باضطراب ما بعد الصدمة"، و"ديناميات التغيير في سوريا وسيناريوهات المستقبل". تعمل اليوم بالتعاون مع مؤسسة اتجاهات لإنجاز خارطة عن المبادرات والمشاريع الثقافية السورية المرتبطة بالحراك المدني والتغيير الديمقراطي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image