قبائل بلا حضارة
"العثمانيون قبائل رعوية تركية لا حضارة لها، كانت تعيش بشمال غرب الصين، وشأنها شأن القبائل المتنقلة من مكان إلى آخر، تصادمت مع الكثير من التجمعات الحضارية، حتى استقر بها الحال في منتصف القرن الثاني عشر ميلادياً، في منطقة آسيا الصغرى"
هكذا يروي الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، وقائع نشأة الدولة العثمانية، ويقول: "تولى أمرها عثمان غازي الذي ينسب إليه مسمى الدولة العثمانية، وذلك بالقرب من حدود الدولة البيزنطية التي كانت تعيش طور اضمحلالها. وخلال الصراع بين أباطرة بيزنطية، استعان أحدهم بعثمان وجيشه، مما فتح الطريق أمام العثمانيين لاحتلال البلقان في منتصف القرن الثالث عشر".
يؤكد الدسوقي أن القبائل العثمانية كانت تتصف بالشجاعة والإقدام، ما مكنها من فرض سيطرتها على البلقان، واستطاعت في منتصف القرن الخامس عشر، وتحديداً عام 1453، دخول القسطنطينية وإسقاط الدولة البيزنطية، فأطلقت عليه اسم إسلام بول واتخذتها عاصمة لها.
المال والسيادة
ضاقت على العثمانيين التوسعات في أوروبا، وانهزموا أمام النمسا وروسيا، فاتجهوا مطلع القرن السادس عشر إلى بلاد العرب التي ظلت تحت سيطرتهم أربعة قرون. كان للبلاد العربية وقتها حضارتها، فترك العثمانيون الناس على ما هم عليه واكتفوا بالولاء، من خلال تعيين ولاة عثمانيين لا يبقون في الحكم طويلاً ويعينون لمدة ثلاث سنوات مخافة أن يستقلوا عن الدولة المركزية، التي وأدت أي محاولة للتمرد عليها. عاش العرب في ظل العثمانيين على حضاراتهم السابقة، وانقسمت المجتمعات العربية إلى طوائف متعددة سواء دينية أو حرفية. أنشأت الدولة العثمانية وظيفة السروجي ومهمته جمع المال من الولايات المختلفة، وفي ظل هذا النمط من الحكم القائم على ولاة مؤقتين وشيوخ الطوائف ترسخت فجوة كبيرة بين الشعوب العربية والدولة العثمانية. بهذه الأفكار استكمل الدسوقي تلخيصه قصة السلطنة العثماية، ولخص أستاذ التاريخ المعاصر علاقة الدولة العثمانية ببلاد العرب في ثلاث كلمات فقط "مال وسيادة وسيطرة".
"يمكن تلخيص علاقة الدولة العثمانية ببلاد العرب في ثلاث كلمات فقط: مال وسيادة وسيطرة"
صورة الدولة العثمانية تتغير من فترة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، فصورتهم في مصر تختلف عن صورتهم في الشام
العزلة العربية
فرضت الدولة العثمانية على بلاد العرب عزلة كاملة طوال ثلاثة قرون، وكانت الحملة الفرنسية التي جاءت على مصر ومن بعدها الشام عام 1798 بمثابة صدمة حضارية، استفاق خلالها العرب على واقع التخلف والجهل الذي يعيشون فيه. "بينما كانت سفن الحملة الفرنسية ترسو على شواطئ الإسكندرية، كان قادة جيوش المماليك في مصر يؤكدون أنهم قادمون لسحق الفرنجة تحت سنابك خيولهم، متوهمين أن الفرنسيين جاءوا للحرب بالسيوف، فما سمع المماليك دانات المدافع فروا قائلين "يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف"، يقول الدسوقي واصفاً حال العرب تحت الحكم العثماني."غزاة ومستعمرون"
في رأي الدسوقي "إن العثمانيين ليسوا سوى غزاة ومستعمرين احتلوا بلاد العرب أربعة قرون، مثلهم مثل الاستعمار الفرنسي والبريطاني، واستنزفوا ثروات العرب وأورثوهم الضعف والتخلف". ويرفض الدسوقي الرأي الذي يصف العثمانيين بالفاتحين، فبرأيه لا يجوز وصف دخول شعب مسلم لأرض شعب مسلم آخر بالفتح، مشدداً على أن ذلك منافٍ للعلم والتاريخ. ويعتبر أن الحديث عن الفتح العثماني وعظمة الدولة العثمانية قائم على العاطفة والحماسة الدينية، "تحت حجة أن الدولة العثمانية استطاعت أن تحمي "العالم العربي" من التغلغل الشيعي، من خلال تصديها للدولة الصفوية بإيران". وبرأي الدسوقي، فإن السلطان العثماني كان إمبراطوراً استعمارياً، وإن البلاد العربية عانت التبعية لمركز استعماري ولم تشهد أي معالم نهضة أو حضارة، وهي مما لا يأتي إلا مع الاستقرار وهو ما حرم العثمانيون منه العرب.صورة متغيرة وجدل متواصل
يوضح الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة، لرصيف22 أن "صورة الدولة العثمانية تتغير من فترة إلى أخرى ومن تيار فكري لآخر، ومن منطقة إلى أخرى، فصورة العثمانيين في مصر تختلف عن صورتهم في الشام والمغرب العربي".ويضيف أنه رغم مرور 500 عام على ضم السلطنة لبلاد العرب، فإن الجدل ما زال مستمراً حول تقييم الحقبة العثمانية. ومنذ الثورة العربية التي قادها الشريف حسين مطلع القرن العشرين، تتكرر الأسئلة نفسها بشأن العثمانيين: هل هم غزاة أم فاتحون، وهل نعمت البلاد العربية تحت حكمهم بالاستقرار والوحدة وتمتعت بالحماية من الاحتلال الأجنبي أم العكس؟ وانتقل الجدل حول العثمانيين، بحسب عفيفي، من ساحة التاريخ إلى ساحة السياسة والدين. فحسن البنا أقام جماعة الإخوان المسلمين بعد إلغاء الخلافة العثمانية نتيجة إحساسه بأن تاريخ الإسلام في خطر، لينقل الجدل حول الدولة العثمانية إلى ساحة الدين، وبعدها انتقل إلى ساحة السياسة من خلال الصراع بين التيارات القومية والإسلامية. "وهنا خطورة المسالة في إطلاق الأحكام الجامدة على الحقبة العثمانية سواء "أبيض أو اسود" يقول عفيفي.الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة، فالدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني
نهضة ونكبة
فالحقيقة، يكمل عفيفي، أن العثمانيين حكموا المنطقة العربية أربعة قرون، فيها سنوات نهضة وسنوات فشل، مشيراً إلى أن اختزال مصطلح "عثماني" في العرق التركي خطأ جسيم، فالذي شارك في الدولة العثمانية أجناس متعددة ولغات مختلفة بما فيها العرب الذين شاركوا في الحضارة والسياسة في تلك الفترة. ويرفض عفيفي القول إن الحقبة العثمانية لم تشهد ازدهاراً أو نهضة حضارية، مبيّناً أن بلاد العرب في ظل العثمانيين مرت بفترات قوة. فمصر على سبيل المثال لعبت دوراً مهماً بحكم موقعها وتاريخها. لكن الدولة العثمانية شهدت فترات ضعف وانكسار وصلت إلى وصفها برجل أوروبا المريض، وكان للنهاية الدرامية للدولة العثمانية دور في تسهيل الاستعمار الأجنبي للبلاد العربية، وكان ذلك سبباً رئيسياً في الصدام بين العرب والترك في تلك الفترة.التسامح الديني
الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة، فالدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني وكانت الملاذ الآمن لمسلمي الأندلس بعد سقوطها كما آوت اليهود الذين عانوا الاضطهاد العنصري في أوروبا، يقول عفيفي.ولم تكن إدارة الدولة العثمانية تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، فكانت تترك حرية رسم السياسة الداخلية للأقاليم، واكتفت بحقوق السيادة والدفاع وجمع الضرائب وتطبيق الشرع، ووضعت نظام الملل لإدارة شؤون غير المسلمين بشكل يضمن استقلالهم في عباداتهم وأحوالهم الشخصية. وكان نظام الطوائف يضمن لأصحاب الحرفة الواحدة التجمع في ما يشبه النقابات وانتخاب كبيرهم وتنظيم شؤونهم بأنفسهم. وينفي عفيفي تدهور المدن العربية في الحقبة العثمانية، مرجِعاً آثار الخراب الذي عانت منه مدن العراق والشام إلى الغارات المغولية، ولافتاً إلى أن المدن العربية شهدت في العصر العثماني نمواً سكانياً ملحوظاً."شيطنة الدولة العثمانية أو إضفاء المسحات الملائكية عليها، موقف نابع من التوجهات الفكرية لأصحابه، فالمادحون ينظرون إليها كونها آخر دول الخلافة ورمز الوحدة الإسلامية، بينما الذامون ينظرون إليها كرمز لتخلف الإسلاميين"
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع