"أنا فقط أريد الزواج لأصبح أماً. لو كان بإمكاني تبني طفل دون زواج لما فكرت في إدخال شريك لحياتي". هكذا تعبّر شيماء محمد، 30 عاماً، عن المبرر الأول والأخير الذي يدفعها للزواج، ويجعلها تقبل به.
جربت شيماء الحب من قبل وخُذلت، لم تعد تريد أن تجد لها في الحياة شريكاً يشاركها عمرها ويقاسمها الأيام بأفراحها وأحزانها.
كل ما تبغيه هو أن يقاسمها تلك الأيام المقبلة طفل تربيه على يدها، وتراه يكبر أمام عينيها، وتكون له الأم والصديقة والحبيبة، ويكون لها الابن والسند حينما يمر العمر وتحني الأيام والتجارب ظهرها - على حد وصفها - إذ تضيف قائلة "أنا لست بالقوة التي تجعلني أقرر أن أعيش الحياة وحيدة، أنا أخاف جداً من الشيخوخة والضعف والوحدة، لذلك أود أن أكون أماً".
تعبر شيماء عن اتجاه يمثل نسبة كبيرة من الفتيات اللاتي يردن الأمومة ولا شيء آخر، ولا يعولن على الزواج إلا لأنه يجعلهن أمهات في سياق طبيعي ومقبول اجتماعياً.
يزداد عدد الفتيات اللاتي يتخطين الثلاثين من أعمارهن دون زواج، والبعض يقبلن بزيجات لا تناسبهن على الإطلاق فقط من أجل هذا الهدف، وينتهي الأمر بطلاق مبكر، وطفل يتركنه وراءهن أثناء تجوالهن في قاعات المحاكم لمتابعة قضايا الخلع التي يرفعنها على أزواجهن، إذ إن الطلاق لا يكون هو الخيار الأيسر في زيجة يتحول طرفاها لطرف يريد أن يُعذب الآخر.
هنالك فتيات فُطن إلى حجم تلك المشكلات المترتبة على الانفصال، ودوامتها اللامتناهية، وأردن بديلاً أقل كلفة من كل هذا، فيتبنين أطفالاً من ملاجىء الأيتام ودور الرعاية.
يقف أمامهن المجتمع بالمرصاد، فكيف لفتاة لم يسبق لها الزواج أن تسير في الحياة وعلى كتفها طفل ليس ابنها، يثقل كاهلها ويمنعها من أي فرصة زواج محتملة، هذا بخلاف مخاوف الأسرة من القيل والقال حول ابنتها ومن أين أتت بهذا الطفل.
تخوض شيماء حرباً ضروساً مع عائلتها الآن لكي تتمكن من تبني طفل، تشرح لهم أنها لم تعد تريد الزواج، وأن هذا الطفل سيكون سندها الحقيقي في الحياة، وأن كل يوم يؤخرونها فيه عن الطريق الذي قررت أن تسير فيه هو أذى حقيقي، لأنه يحرمها من ابنها، ويحرمهما معاً من يوم يعيشانه سوياً.
لا تقتنع والدة شيماء بكل هذا الهراء - من وجهة نظرها - هي تود أن تطمئن على ابنتها في بيتها، حتى لو كلفها هذا الحلم الانتظار ثلاثين عاماً أخرى، وحتى لو أصبحت ابنتها في الستين من عمرها.
تعمل رشا فهمي مدربة شركات في شركة تدريب، وقد اتخذت قرارها بمنتهى الثبات. فهي لن تقف مكتوفة اليدين منتظرة تقييم المجتمع لها، ووضعها في مربع معين يجب عليها أن تتصرف على أساسه.
رشا فتاة لم يسبق لها الزواج، أحبت فتاة صغيرة من أحد ملاجىء الأيتام فقررت أن تتبناها، وتسير بها في الحياة يداً بيد تارة، وتحملها على كتفها تارة أخرى، محتملة قسوة تقييم الناس لفعلتها.
تقول رشا، من خلال فيديو قصير نُشر لها على شبكة الإنترنت، "عانيت منذ البدء من وضع أسري غير طبيعي، إذ كان والداي منفصلين منذ البدء".
رأت رشا من خلال والدتها كيف تعاني السيدة المطلقة، وما الذي تحتمله اجتماعياً من صعوبات، لكنها تعلمت منها أيضاً القوة وكيفية الاحتمال من أجل أبنائها، ومن هنا عرفت رشا أن النساء قويات فعلاً ويستطيعن تحقيق ما يردنه مهما كان صعباً. التقت رشا بطفلة وأحبتها، أرادت تبنيها، لكنها لم تجد دعماً من أي شخص.
سبحت رشا ضد التيار وقررت أن تتبنى الطفلة مهما كلفها الأمر وفعلت، وأصبحت تعيش هي وابنتها متحملة نتيجة قرارها كاملاً، بما يفرضه عليها المجتمع من وجهات نظر في وضعها الحالي.
تخوض شيماء حرباً ضروساً مع عائلتها لكي تتمكن من تبني طفل، تشرح لهم أنها لا تريد الزواج...لم تملك صباح فرغلي، 31 عاماً، جسارة رشا، ولم تُرد أيضاً أن تدخل في حرب كلامية طاحنة من الجدل مع الأهل مثل شيماء، وخصوصاً أنه في حالة صباح، التي تقطن في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، لن يكون الجدل مع الأهل فقط، وإنما سيصبح مع الأهل والأقارب والجيران، وكل من له في الأمر رأي، فأخذت صباح وضعاً وسطاً بين الأمرين. كانت صباح تود أن تصبح أماً بكامل طاقتها، انتظرت فارس الأحلام والحصان الأبيض طويلاً جداً، لكن لا أحد أتى، كلما كانت ترى طفلاً كان قلبها يتفتت، تشعر أن العمر تمر سنواته كقطرات الماء إذا حاولت أن تحبسها في كفها، لتجدها تتسلل من بين أصابعها، ولا تتمكن من الإمساك بها، فقررت صباح أن تتبنى طفلاً وليكن ما يكون. لن يعيش والداها أبد الدهر، وسينشغل كل من إخوتها في بيته وحياته العائلية والمهنية، وستجد نفسها بمفردها، وهي تخشى الشيخوخة والوحدة أكثر من خشيتها الموت نفسه. ذهبت صباح لأحد ملاجىء الأيتام وتبنت طفلة، أتمت إجراءات كثيرة لم تكن سهلة، واتفقت مع الدار أن تأخذها طوال اليوم وتعيدها في المساء فقط، إلى أن تتمكن من ضبط أوضاعها وتأخذها بشكل كامل. وقتها لم يكن لصباح عمل ثابت ولا مورد رزق دائم، ولكنها في خلال أقل من عام تمكنت من أن تجد فرصة عمل جيدة تدّر دخلاً مناسباً عليها وعلى الطفلة، دون أن يحتاجا مساعدة من أحد. تدريجياً أصبحت صباح مستقرة مادياً، وانتقلت من الحي الذي كانت تقطن به، بعد أن أقنعت والدتها بالكثير من الدموع أنها تود أن تكون أماً ولا تحتمل تأجيلاً، وأنها بالفعل قد تبنت طفلة، وكل التغيير الذي أصاب حياتها في الفترة الماضية كان من فعل الصغيرة التي لا تزال تغير الكثير من حياتها أيضاً. تختتم صباح كلامها قائلة "هي ابنتي وأنا أمها. فكيف لا تغير كل منّا حياة الأخرى للأفضل؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين