أعلنت ولاية إلينوي (وسط غرب الولايات المتحدة)، في 24 آب/أغسطس، أول حالة وفاة متصلة بالسجائر الإلكترونية، وسط تزايد حالات دخول الأشخاص إلى المستشفيات الأمريكية للسبب نفسه، وهذا ما يثير مخاوف وتساؤلات بشأن انتشار هذه السجائر في العالم العربي وآثارها "المميتة".
وكان المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد أعلن، في 23 آب/أغسطس، علمه بوجود 193 حالة مرضية تعاني أمراضاً رئوية حادة ناجمة عن تدخين السجائر الإلكترونية في مستشفيات 22 ولاية أمريكية، قبل إعلان أول حالة وفاة في اليوم التالي.
مخاطر بالغة مؤكدة
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن السجائر الإلكترونية هي أحد نظم إيصال النيكوتين إلكترونياً الأكثر شيوعاً، وتعتبرها "أداة لا تحرق أوراق التبغ أو تستخدمها، بل تقوم بدلاً من ذلك بتبخير محلول معين ثم يستنشقه مستعملها".
وتوضح أن المكونات الرئيسية لمحلولها، علاوة على النيكوتين إن وجد، هي البروبيلين غلايكول المخلوط بالغليسيرين والنكهات المطعمة أو بدونها، مشيرةً إلى أن محاليل نظم إيصال النيكوتين إلكترونياً وانبعاثاتها تحتوي على مواد كيميائية أخرى، يعدّ بعضها ساماً.
ظهرت السجائر الإلكترونية كوسيلة للمساعدة في الإقلاع عن التدخين. ومنذ بيع أول سيجارة إلكترونية تجارية عام 2004 في الصين إلى الآن لا يزال النقاش محتدماً، ليس بين المستهلكين لها فحسب بل أيضاً بين العلماء والأطباء، فالبعض يراها "أفضل حل للإقلاع عن التدخين" والبعض الآخر يتمسك بأنها "أخطر من السجائر التقليدية".
في الأثناء، تشكك "الصحة العالمية" في فوائد السجائر الإلكترونية المزعومة وتؤكد بشكل مستمر المخاطر الصحية التي تنطوي عليها، معتبرةً "ادعاءات سلامة السجائر الإلكترونية وفعاليتها في الإقلاع عن التدخين لا أساس لها من الصحة في الأدلة العلمية"، وسط نتائج متضاربة للدراسات التي تتحرى دورها في المساهمة في الإقلاع عن التدخين من عدمه، فضلاً عن إمكان تسببها بالحرائق.
وترى المنظمة الدولية أن هذه السيجارة "تؤدي إلى الإدمان وتسبب الأمراض المختلفة"، نظراً لما تحتوي عليه من النيكوتين، الذي يؤثر أيضاً في نمو الدماغ بين الشباب. ومن الأمراض التي تهدد بالإصابة بها أمراض الحلق والفم المعدية، والسعال والغثيان والقيء.
ونفت المنظمة، في نهاية تموز/يوليو الماضي، أن تساعد السجائر الإلكترونية وأجهزة تسخين التبغ في مكافحة السرطان، بل حثت المدخنين والحكومات المختلفة على عدم الانسياق خلف مزاعم شركات السجائر بشأن منتجاتها الحديثة.
وفي تموز/يوليو عام 2018، توصلت تجربة علمية إلى أن السوائل الموجودة بالسجائر الإلكترونية المحلاة بنكهات مثل الموز والزبد والقرفة والقرنفل والكينا (الكافور) والنعناع والفراولة وغيرها، قد تدمر خلايا في الأوعية الدموية والقلب حتى في حال خلوها من النيكوتين.
وأوضح العلماء القائمون على التجربة أن هذه النكهات "أضعفت إفراز" أكسيد النيتريك الذي يحد من الإصابة بالالتهابات والتجلط ويساعد الأوعية الدموية على التوسع عند زيادة تدفق الدم، وهذا ما يتسبب بالأزمات والسكتات القلبية.
رواج في السوق العربية برغم المنع
وخلافاً للقانون الإماراتي، وقرارات الأمانة العامة للبلديات الصادرة عام 2009، بحظرها لضررها الكبير على الصحة، يشهد سوق بيع السجائر الإلكترونية رواجاً في الإمارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.
وتطبق اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي الإماراتي رقم (15) لسنة 2009، والخاص بمكافحة التبغ على السجائر الإلكترونية والذي فرض غرامة 1000 درهم (272 دولاراً) على تدخينها خارج الأماكن المسموح فيها بالتدخين، وغرامة 2000 درهم (545 دولاراً) لمخالفة الشروط القياسية، في حين فرضت غرامة قدرها 5000 درهم (1361 دولاراً) على من يتاجر بها.
أول حالة وفاة بسبب السيجارة الإلكترونية أعلنت في الولايات المتحدة تنسف الدراسات التي ادعت في وقت سابق بأنها تساعد في الإقلاع عن التدخين. ماذا عن المدخن العربي، هل انطلت عليه حيلة "سيجارة إلكترونية لا تقتل"؟
بين من يراها "أفضل وسيلة للإقلاع عن التدخين" ومن يتشدد في وصفها بـ"أكثر خطورة من السجائر العادية"، ومن يحرّمها، تختلف الآراء والدراسات بشأن السجائر الإلكترونية... فما موقف الحكومات العربية منها؟
ومطلع العام الجاري، اعتمدت الإمارات مواصفات قياسية إلزامية لجميع منتجات النيكوتين الإلكترونية، ومن بينها السجائر الإلكترونية في إطار سعي حكومي لـ"دعم جهود الحد من التدخين ومكافحة الأمراض الناتجة منه ومنع انتشار منتجات السيجارة الإلكترونية والمنتجات المماثلة بشكل غير مقنن في أسواق ومنافذ البيع في الدولة"، بعدما كانت تمنع دخولها البلاد تماماً.
وفي مصر عكفت لجنة التبغ بهيئة المواصفات والجودة التابعة لوزارة التجارة والصناعة، نهاية العام الماضي، على إعداد أوصاف خاصة بمنتجات السجائر الإلكترونية تمهيداً لتقنين دخولها إلى البلاد رسمياً.
وبرر مسؤولون مصريون الخطوة بأنها "محاولة للسيطرة على العشوائية والفوضى لسوق تلك السلعة التي تدخل البلاد عبر التهريب، أو تصنع في أماكن غير مرخصة معرضةً بذلك صحة مستخدميها لمخاطر أكبر".
أما في لبنان وعلى الرغم من قرار رسمي من علي حسن خليل، حين كان وزيراً للصحة، وتحديداً في كانون الأول/ديسمبر عام 2013، بمنع استيراد وتداول جميع أنواع السجائر والنراجيل الإلكترونية، مع سحبها من السوق اللبنانية أيضاً، ظلت رائجة بقوة وتباع إلكترونياً وعلى رفوف الصيدليات ويعلن عنها من دون تستر.
استهداف للشباب والنساء
وفي المغرب، حذر مختصون صحيون مراراً من مخاطر "موضة" السجائر الإلكترونية في البلاد، محذرين من تحولها إلى "إدمان" بين الشباب والقصر لرخص ثمنها مقارنةً بالسجائر
وفي نيسان/أبريل عام 2014، أطلقت وزارة الصحة المغربية تحذيراً من السجائر الإلكترونية، مشددةً على عدم وجود أدلة على أضرار هذه المنتجات على الصحة، مستنكرةً استهداف الحملات الدعائية الخاصة بهذه المنتجات "للنساء والشباب الذين لم يسبق لهم التدخين بشكل خاص، بما يعرضهم لمخاطر صحية وخيمة كالإصابة بالسرطانات وأمراض القلب والرئة وغيرها".
وبحسب مواقع مغربية محلية، كثيراً ما تروج هذه السجائر بين الرجال في المرحلة العمرية من 25 إلى 50 عاماً، والإناث من 22 إلى 23 عاماً، فيما يتحايل البعض لبيعها لقصر (أقل من 18 عاماً) وهو الأمر المجرم وفق القانون المغربي. وتشير الأرقام الرسمية المغربية إلى أن 13% من المدخنين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وأن نسبة المدخنات في طريقها إلى معادلة نسبة المدخنين.
الإفتاء الأردنية تحرمها
أما الأردن الذي يأتي في المرتبة الثانية عالمياً من حيث انتشار تدخين التبغ بين الذكور الذين هم فوق الـ15 عاماً (بنسبة 70.2% )، مقابل 10.7% لدى الإناث، وفق إحصاء منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2015، فقد احتدم النقاش فيه أخيراً حول "نجاعة" السجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع عن التدخين.
وأثير النقاش بسبب ارتفاع معدلات الإقبال على السجائر الإلكترونية، متزامناً مع خطوات وإجراءات حكومية مكثفة للحد من انتشارها.
وانطلقت الجهود الحكومية التي تقودها وزارة الصحة في البلاد من تحذيرات منظمة الصحة العالمية. غير أن أطباء أردنيين طالبوا بالسماح بتداول هذه السجائر الإلكترونية في محاولة لتقليل نسبة التدخين بالبلاد وفرض رقابة عليها لضمان مراعاتها المعايير القياسية والبعد عن حالات "التهريب" ومخاطره.
وصدرت فتوى من دار الإفتاء الأردنية بتحريمها في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2018. والأردن من 7 بلدان في العالم تجرم دخول السجائر الإلكترونية إلى أراضيها بشكل مطلق، في حين تمنع 22 دولة دخولها إلا لأغراض الاستخدام الشخصي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...