البعض يتوجه إلى أكشاك بيع السجائر لشراء علبة دخان، البعض الآخر يفضل مسالك التوزيع المشبوهة واللجوء إلى تجار التهريب للعثور على "مزاجه" بسعر أقل حتى لو كان يشك بجودة السجائر القادمة من مسالك التهريب، آخرون يحصلون على علب الدخان من الدولة مع السكر والطحين والقهوة، وهذا ما حصل في العراق.
فدعماً للصناعة المحليّة، وزعت وزارة التجارة العراقية يوم 18 آب/أغسطس سجائر من نوع "سومر" العراقي على المواطنين ضمن الحصة التموينية، مثيرةً الجدل حول "فرضها السموم على المواطن"، بدلاً من أن تحميه منها.
ووصف النائب عن تيار الحكمة علي البديري "التوزيع الإجباري" للسجائر على المواطنين ضمن الحصة التموينية وبسعر 2500 دينار (نحو دولارين) لكل 10 علب بـ"البدعة الغريبة" و"التناقض الذي أوقعت الحكومة نفسها فيه"، خاصةً أنه يأتي بعدما أصدر البرلمان العراقي قراراً قضى بمنع التدخين في المؤسسات والدوائر الحكومية، مؤكداً بحسب ما نقلته قناة السومرية العراقية أنه "سيمضي بجمع تواقيع لاستضافة وزير التجارة محمد العاني وتوجيه سؤال له بهذا الشأن".
ويسعى البديري لمعرفة "أسباب هذه البدعة الغريبة التي لم يشَر لها بأي قانون سابقاً"، كما يسعى لمعرفة ما إذا كان هذا التوزيع الإجباري "اجتهاداً شخصياً من وزير التجارة أم فرضاً من متنفذين فاسدين كي تتم محاسبتهم وحماية الشعب المسكين من سمومهم"، على حد تعبيره.
ولفت إلى أنه "كان الأجدر بالحكومة إذا كانت فعلاً تدعي الحرص على دعم المنتوج المحلي، أن تعمل على إضافة الألبان أو بيض المائدة أو التمور المعلبة أو غيرها من عشرات البضائع المحلية بدل فرض السموم على المواطن".
وتابع البديري مستهجناً: "المتنفذون والفاسدون لم يكفهم موت العراقيين بالعجلات المفخخة وداعش الإرهابي، فاخترعوا بدعة توزيع السموم لهم بالبطاقة التموينية، وقد نسمع مستقبلاً بتوزيع المخدرات أيضاً في حال تسلم التوزيع الحصري لها أيضاً أحد الفاسدين المتنفذين".
وبحسب قناة السومرية، فوجىء عدد من الأشخاص بفرض كروز سجائر من نوع سومر المحلي على كل عائلة ضمن الحصة التموينية.
بحجة دعم الصناعة المحليّة، وزعت وزارة التجارة العراقية سجائر من نوع "سومر" العراقي على المواطنين ضمن الحصة التموينية... ماذا تفعل بقية الأنظمة العربية بالدخان؟ وكيف تفرض ضرائب "انتقائية" على التبغ وكل ما تراه مضراً بالصحة؟
توزيع العراق سجائر من نوع "سومر" المحلي يعيدنا لنتساءل: لماذا تريدنا بلادنا أن ندخّن؟ وما مصير أموال الضرائب على التبغ؟
أين البطاقة التموينية؟
يعلق المواطن العراقي، الصحافي حيدر إنذار، لرصيف22 رداً على توزيع السجائر ضمن البطاقة التموينية: "أين البطاقة التموينية هذه؟"، مشيراً إلى أن المواطن العراقي يدفع أموالاً مقابل "منتج أو اثنين"، بينما كان يتلقى من 10 إلى 14 منتجاً في زمن النظام السابق، قبل عام 2003. وقال إنه إذا تم توزيع السجائر، فهذا الفعل "كارثة إنسانية وصحية ترتكبها الحكومة العراقية من خلال وزارة التجارة لأذية مواطنيها".
وتابع: "كل الدول المتقدمة تحرص على تقديم أفضل الخدمات الصحية لمواطنيها ولكننا نرى العكس في العراق… يقدمون لنا الفساد والأضرار والمافيات والمليشيات".
وقال إن توزيع السجائر يعد "باباً من أبواب الفساد المعروف لدى الأحزاب المسيطرة على الوزارات في العراق"، مشيراً إلى أن الأحزاب تنهش أموال المواطن العراقي من دون أن يهمها صحة المواطن، بل "ما يهمها هو ملء خزانة الحزب".
ورأى أن ما يجري هو مؤشرات إلى فساد الدولة، معتبراً أن توزيع السجائر "أمر مضحك مبكٍ، برغم أننا اعتدنا هذه القرارات الساذجة"، مضيفاً: "آخر همهم العراق والمواطن العراقي".
يثير ما قامت به وزارة التجارة أسئلة عدّة، منها: هل يتفوق اقتصاد الدولة على صحة مواطنيها؟ كيف لجهة حكومية أن تُفشل بحركة واحدة كل ما تحاول فعله منظمات الصحة العالمية في تقليص نسب المدخنين؟ والأهم، هل تحرص الدولة على صحة المواطن برفع أسعار التبغ وفرض الضريبة أم أن رفع الأسعار يصب في خزينة الدولة فقط؟
استخفاف؟
فيما تتهم وزارة التجارة العراقية بالاستخفاف بأثر السجائر بعد أن وزعتها بذريعة دعم الصنع المحلي، وتلقت عائداً جيداً نظير ذلك، تحارب جهات عدّة مثل منظمة الصحة العالمية لتوعية الشعوب حول أضرار التبغ.
من الممكن أن يكون قد مل القارئ هذه الأساليب من التوعية، ولكن خطورة ما قامت به وزارة التجارة يتطلب القليل من التفكير، الذي قد نستنتج منه أن اقتصاد الدولة يأتي قبل صحة مواطنيها، وهذا ما يحيلنا على مسألة فرض الضرائب على التبغ بنسبة عالية، وقد تكون بدورها تسعى للشيء نفسه: تحسين اقتصاد الدولة.
اللافت أن وزارة التجارة العراقية وزّعت السجائر بعد شهرين من
كشف عضو برنامج مكافحة التبغ في وزارة الصحة العراقية، وسيم كيلان عن أن "شخصاً يموت كل 20 دقيقة لأسباب تتعلق بالتدخين"، بحسب استطلاعات أجرتها وزارة الصحة.
وكشف كيلان عن معلومة قد تكون السبب الرئيسي لما فعلته وزارة التجارة يوم 18 آب/أغسطس، وهي أن "العراق ينفق يومياً ملياري دينار (نحو 1.65 مليون دولار)، لشراء التبغ ومنتجاته من الخارج".
ونقلت وكالة الأناضول في حزيران/يونيو الماضي عن مسؤولين في العراق تعديلات مقترحة لقانون التدخين "خلال شهر" ستقدم إلى البرلمان لإقرارها بغية الحدّ من التدخين.
وتتضمن التعديلات المقترحة زيادة الضرائب على منتجات التبغ، بحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق، ثامر الحلفي الذي قال: "اتفقنا مع وزارة المال على فرض 500 دينار (نحو 0.4 دولار) على كل علبة سجائر، إضافة إلى منع الترويج والإعلان عن التبغ ومنتجاته".
وأشار إلى أن "الأموال التي يمكن جمعها من تلك الضرائب قد تبلغ 121 مليون دولار سنوياً، وستذهب إلى دعم البرامج الصحية".
ضريبة التبغ… صحة أم اقتصاد؟
في نهاية عام 2017،
طبّقت الحكومة الإماراتية ضريبة انتقائية على سلع تضر بالصحة أو البيئة، من بينها التبغ ومنتجاته بنسبة 100%. وقالت إن "الغاية من فرض هذه الضريبة هو الحد من استهلاك تلك السلع، والمساهمة في الوقت ذاته بزيادة الإيرادات الحكومية التي تُخصص لتغطية تكاليف الخدمات العامة ذات الفائدة". وفي الفترة نفسها طبّقت السعودية الضريبة عينها على التبغ، كما فرضت دول عربية أخرى الضرائب مثل الأردن (بنسبة نحو 72%).
وإن كانت الإمارات تخصص هذه الأموال لتقديم خدمات، فما الذي تقدمه السعودية والأردن في المقابل؟ لا شيء ملموساً، فبينما أعلنت الأمانة العامة للجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة يوم 18 آب/أغسطس قضاء
الإمارات على الفقر بنسبة 100%، تبلغ نسبة الفقر في
الأردن 56%، وبين 15% و25% في
السعودية.
منع السيجارة الإلكترونية؟
في مقالة للكاتب الأردني موفق ملكاوي بعنوان "السجائر ونسب التدخين… والحكومات"،
أشار إلى أن "سوق التبغ واحدة من الأسواق المهمة والواعدة بالنمو باستمرار، والتي تعول عليها الحكومة الأردنية من أجل 'حصد' مزيد من الضرائب لمصلحة الخزينة".
ولذلك السبب يقول إن الحكومة تسعى بطرائق عدة إلى توسعة هذه السوق من دون الالتفات إلى التأثيرات الخطيرة لهذا التوسعة، مضيفاً: "صحيح أنها تدر ضرائب كبيرة، ولكن الحكومة تدفعها باليد الأخرى على شكل فاتورة رعاية صحية لمواطنيها".
ولفت إلى أن الحكومة "سعت إلى إغراق السوق المحلية بالعديد من أنواع السجائر لتلائم جميع الأعمار والأذواق، وهو ما جعل الأردنيين من أكثر الشعوب تدخيناً".
و
يعد الأردن الثاني عالمياً من حيث انتشار تدخين التبغ بين الذكور الذين هم فوق 15 سنة، بعد إندونيسيا، بنسبة 70.2% منهم، مقابل 10.7% لدى الإناث، لعام 2015، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وقد ربط كثيرون بين منع السيجارة الإلكترونية في الأردن ورغبة الحكومة في أن يستمر الشعب بتدخين السجائر، إذ كشفت نتائج مسح نفقات ودخل الأسرة 2017/2018 عن أن متوسط إنفاق الأسر على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات قد بلغ حوالى 12236.4 دينار أردني، في حين بلغ إنفاق الأسر على التبغ والسجائر حوالى 717.1 مليون دينار أردني (نحو مليار دولار) وبنسبة 4.4% من مجموع الإنفاق على السلع والخدمات.
وكشفت النتائج عن أن الأسرة الأردنية تنفق 1.50 دينار على التدخين يومياً، وعلى الخدمات الصحية 1.38 دينار يومياً و1.60 دينار يومياً على التعليم.
وقد ينطبق هذا على الدول العربية كافّة من خلال سماحها ببيع السجائر، إذ
ينفق العالم العربي نحو 8% من الإنفاق العالمي (110 مليارات دولار سنوياً) على التدخين، يعود نصفها على الأقل للحكومات.
أكثر الدول تدخيناً وأسعار السجائر
ومن أكثر الدول العربية
تناولاً للسجائر الأردن ومصر والمغرب والجزائر وتونس، إذ احتلت الأخيرة المرتبة الأولى عربياً في نسبة المدخنين الذكور (50%)، بحسب ما أفادت منظمة الصحة العالمية عام 2017.
وبلغت نسبة المدخنين في مصر 20.2% عام 2016 بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. أما في المغرب، فيدخن نحو 4 ملايين مواطن 15 مليار سيجارة سنوياً، وكشفت مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان عن أن انتشار التدخين يقدر بنسبة 18% لدى المغاربة الذين تخطوا الـ15 عاماً.
من جهته كشف رئيس مصلحة طب القلب في المستشفى الجامعي نفيسة أحمد في الجزائر البروفيسور جمال الدين نيبوش أن 47% من الجزائريين مدخنون، %20 منهم شباب.
ويراوح سعر علبة السجائر (نوع مالبورو) بين 1.56 و 7.1 دولار في بعض الدول العربية بحسب موقع Expatistan المتخصص بمقارنة الأسعار بين دول العالم:
فلسطين: 25 شيكلاً (7.1 دولار)
السعودية: نحو 25 ريالاً (6.66 دولار)
الإمارات: 21 درهماً (5.72 دولار)
البحرين: نحو دينارين (5.24 دولار)
قطر: 17 ريالاً (4.67 دولار)
عُمان: 1.5 ريال (3.89 دولار)
السودان: 162 جنيهاً (3.59 دولار)
المغرب: 33 درهماً (3.44 دولار)
الأردن: نحو 2.4 دينار (3.43 دولار)
الكويت: نحو دينار (3.02 دولار)
لبنان: نحو 4548 ليرة (3.01 دولار)
ليبيا: نحو 4.1 دينار (2.89 دولار)
تونس: 7 دنانير (2.44 دولار)
العراق: نحو 2816 ديناراً (2.36 دولار)
الجزائر: نحو 282 ديناراً (2.35 دولار)
مصر: نحو 39 جنيهاً (2.35 دولار)
سوريا: 1065 ليرة (2.1 دولار)
اليمن: 401 ريال (1.6 دولار)
موريتانيا: 56 أوقية (1.56 دولار)
و
أكدت منظمة الصحة العالمية مراراً أن "وباء التبغ من أكبر الأخطار الصحية العمومية التي شهدها العالم على مرّ التاريخ"، مشيرةً إلى أنه يقتل سنوياً أكثر من 8 ملايين نسمة في أنحاء العالم، منهم نحو 7 ملايين ممن يتعاطونه بشكل مباشر ونحو 1.2 مليون من غير المدخّنين المعرّضين لدخانه غير المباشر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...