"حاسس إن جزء مني هيتلغي بتجريم الليركا ومش هبقى نفس الشخص اللي كنت عليه الشهر اللي فات". بهذه الكلمات عبّر طارق الذي يعمل مبرمج كوميوتر عن مشاعره، تعليقاً على قرار وزارة الصحة المصرية القاضي بإدراج عقار البريغابالين ضمن قائمة العقاقير المخدرة المحظور صرفها من الصيدليات بدون وصفة طبيب.
وكانت وزارة الصحة المصرية قد قررت في مطلع آب/ أغسطس الجاري، إضافة مادة "البريغابالين" "Pregabalin" إلى قائمة العقاقير المخدرة، لتصبح جميع المستحضرات الدوائية التي تحتوي على تلك المادة غير قانونية، وتدخل في الجدول رقم 2 من الملحق الخاص بقانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960.
وأشار القرار إلى أن مادة الـ"بريغابالين" تستخدم مضاداً للصرع. وحذرت الوزارة مدمني العقار من عدد من الأعراض التي يسببها، ومنها حالة دائمة من الزيغان، والإصابة بحصوات الكلى وبأمراض القلب، وانخفاض الدافع الجنسي الذي قد يصل أحياناً إلى العجز.
ودعت الأمانة العامة للصحة النفسية في وزارة الصحة مدمني "الليرولين والليريكا" اللذين يحتويان على هذه المادة للتوجه إلى المراكز والمستشفيات التي تعالج الإدمان، مؤكدة أنها ستتعامل معهم كمرضى وليس كمجرمين، وفقاً لبيان أصدرته في منتصف آب/ أغسطس.
الشاب الذي لم ينته بعد من دراسته للحقوق، واختار لنفسه اسم طارق اسماً مستعاراً قال لرصيف22: "متضايق أكيد من القرار، لكن هذه ليست أزمة ضخمة في حياتي، إلا أنها مشكلة".
طارق الذي لم يبلغ بعد الرابعة والعشرين من عمره، يتعاطى الليريكا منذ نحو عام ونصف العام، يشير إلى أن"الدواء لم يكن ممنوعاً وكان سهل لأي شخص أن يشتريه، لكن هنالك صيادلة كانوا يرفضون بيعه ويعتبرون ذلك مسألة غير أخلاقية".
ويوضح أن تعاطي الليريكا على أنه مخدر منتشر منذ سنوات ويعتقد أن مشكلة نقصه من الأسواق ووجوده في السوق السوداء هي سبب صدور قرار وضعه في جدول المخدرات.
"أنا شخص هاوي مخدرات... بجرب أي حاجة"، هكذا وصف طارق نفسه خلال حديثه عن بداية طريقه مع الليريكا، وأضاف: "بدأت بتعاطي المخدرات منذ سنتين".
سهولة الحصول على مخدر الليريكا قبل منعه كانت أهم مميزات تمسك طارق به. "كان سهلاً أن أحصل عليه. وأيضاً هو أفضل عقار من حيث التأثير، وعندما أتناوله لا أشعر بقلق من أي شيء"، يقول في إشارة إلى اضطرابات القلق التي تسببها بعض أنواع المخدرات.
مع أهلي 5 أقراص… مع أصدقائي 15
جرعات المخدر بحسب طارق تختلف حسب الحالة التي يريد أن يعيشها. "الجرعة تبدأ من 3 أقراص وأحياناً تصل إلى 10 أو 15"، يقول ويضيف: "لو عايز أتحرك عادي ممكن 5 أقراص. الشعور كأنك دخلتي جوة مخك، وما فيش أي حاجة لها علاقة بالمستقبل أو الماضي. حياتك ما فيش فيها عواقب لكن تكوني مدركة كل اللي حواليكي".
يجد طارق صعوبة في التعامل مع الناس في حال عدم تعاطي الليريكا. يقول: "لو أنا مش واخد ليركا مش هعرف أتكلم مع الناس، الليركا بتخليني جريء وما فيش قلق، ولو بسمع غنوة بيكون وقعها عليا مختلف وأحس إن المزيكا ملموسة".
أما الجرعة التي تصل إلى 15 قرصاً فتؤدي إلى انفصال عن الواقع، يقول طارق: "أي حاجة تتربط بالواقع بتتلغي. يعني لو واخد خمس أقراص أعرف المحيط حولي وأدركه لكن بعد العشر أقراص ما فيش ربط بالواقع، ابدأ أشوف ألوان وأشكال وأصوات على حسب الحالة، أنا لو في رحلة مع أهلي آخذ خمس أقراص ولو في رحلة مع أصحابي آخذ 15 قرص".
يفتقد طارق وجود علاقات بتجار وموزعي المخدرات، ويقول: "بعد جدولته (ضمّه لجدول المخدرات) لن أعرف كيف أحصل عليه، فليس لدي علاقات بموزعين، ولو أقمت علاقات بموزعين سيكون السعر مضاعفاً، لذا سأنتقل إلى مادة أخرى كالبانجو لأن الحصول عليه أسهل وأي واحد من أصحابي يمكنه الحصول عليه وهو موجود في كل المناسبات".
ويضيف: "لا أشعر بأن تعاطيّ لليريكا أو المخدرات فيه مشكلة، لم أصل إلى مرحلة إني أبيع مقتنيات كي أشتري المخدر، ممكن ألا يصل المتعاطي إلى الإدمان"، ويتابع: "أي حاجة حلوة في الدنيا قابلة للإدمان، الناس بتخاف من الكيميا بس أنا فاهم الدنيا ماشية إزاي وآخذ إيه وإمتى".
وبشأن التأثيرات السيئة والمضاعفات، قال طارق: "هناك أشخاص حصلت معهم 'خبرات حلوة' وأشخاص 'خبرات وحشة' لأن أجسامنا مختلفة وأدمغتنا تختلف. أيضاً تأثير الجرعة يفرق بين شخص وآخر. لا توجد قاعدة للحكم، وطبعاً هنالك حدود حتى لا يدخل الشخص في حالة إدمان".
الحشيش يخليكي مكسلة ومسترخية ومش عايزة تعملي حاجة، هو مخدر مناسب لو مش وراكي حاجة تعمليها لكن الليركا بيدي نشاط جامد".
"الحشيش يخليكي مكسلة ومسترخية ومش عايزة تعملي حاجة، هو مخدر مناسب لو مش وراكي حاجة تعمليها لكن الليركا بيدي نشاط جامد. ممكن أعمل مليون حاجة وما حسش بإرهاق أو ملل سواء مجهود جسماني أو ذهني".
يعدد طارق "مزايا" المخدر الممنوع ويضيف: "هو أيضاً مضاد للقلق والاكتئاب بشكل سحري، ممكن أن أشتغل 12 ساعة متواصلة من دون تعب ويكون مظهري طبيعياً. وقبل أن يضاف إلى الجدول كان رخيصاً، الـ5 حبات بـ17 جنيهاً، وتأثيره يستمر 10 ساعات مثلاً، ولا حاجة لإضافة شيء له. الحشيش تضاف له مكونات لا أحد يعرف ما هي. وأيضاً هو يمنح إحساساً عظيماً أثناء الممارسة الجنسية".
واجه طارق بعض المشاكل في الحصول على الليريكا بسبب نقصه في السوق في بعض الأحيان، وأوضح: "يجب أن تعرفي صيدلانياً بشكل شخصي كي يوفر لك كمية كافية، لكن أحياناً الصيدلاني ينظر إليك على أنك مدمنة وهذا مزعج جداً".
ويختم طارق حديثه مع رصيف22، بتبرير الأمر لنفسه ويقول: "الليريكا كانت تساعدني. ممكن أن يكون قد دمر حياة آخرين. أنا لست مدمناً لكن المخدرات كالمسدس ممكن أن تستخدمها كحماية لحالتك النفسية".
في الوقت الذي يفكر فيه طارق في وسيلة بديلة لضبط حالته النفسية، أرسل لرصيف22 رابطاً على الإنترنت يتبادل فيه مستخدمو البريغابالدين خبراتهم، ويتدثون عن تأثيرات الجرعات المختلفة عليهم والتي تنوعت من شخص إلى آخر وقيّم البعض تجاربهم على أنها إيجابية فيما اعتبرها آخرون سلبية.
وتوضح يمنى أشرف، مالكة إحدى الصيدليات في منطقة المهندسين (محافظة الجيزة)، أن المادة الفعالة التي تستخدم للعقاقير المجدولة وُجدت في السوق قبل فترة طويلة، وتوصف للمرضى الذين يعانون من التهاب الأعصاب وآلام الظهر وما بعد جراحات العظام أو مضاعفات السكر.
وتقول الصيدلانية الأربعينية: "كل دواء يؤدي إلى إدمان يجب أن يكون تحت إشراف الطبيب ورقابة الصيدلي، ونعرف الأدوية المجدولة من خلال منشور توزعه الوزارة ونقابة الصيادلة على الصيدليات".
تلقي يمنى الضوء على أن جدولة بعض الأدوية تجعل عدداً من المرضى يقبلون عليها لقوة تأثيرها ولأنها تسكّن الآلام.
كما تؤكد أن الإقبال على هذه العقاقير أعلى في المناطق الشعبية، وتضيف: "لكن الإدمان أصبح في كل مكان وفي أوساط أبناء الفئات العمرية الصغيرة".
"كأنك دخلت جوا مخك، المزيكا بقت ملموسة، ممكن تشوف ألوان وأصوات مش موجودة"... هذه بعض تأثيرات عقار "ليريكا" المتداول بكثرة في السوق المصرية، والذي أدرجته وزارة الصحة مؤخراً ضمن قائمة المواد المخدرة
"مدمن الليركا يكون في حالة إنكار ولا يقتنع بأنه مدمن، وإذا كان ممكناً أن يتوقف عن تعاطيه يومين فإنه سيعود إليه مرة أخرى"... هكذا يرى الطب تأثير العقار المخدر على متعاطيه، مؤكداً أنه يختلف عن الحشيش ذي التأثيرات النفسية فقط
وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة عن مدى الانتشار الذي حققه العقار المدرج على قائمة المخدرات، فإن مؤشرات "المؤسسة العالمية للمعلومات والاستشارات الدوائية (IMS) توضح أن العقار بات من أكثر 20 صنفاً دوائياً متداولاً جداً في السوق المصرية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
أعراض خطيرة
يوضح طبيب علاج الإدمان مينا فارس أن العقار المحظور يستعمل لعلاج آلام الظهر والأعصاب ولكن لا بد من وصفه بجرعة محددة، إلا أن البعض تعامل معه على أنه مخدر وبدأ يتعاطاه بجرعات تبدأ من قرصين وتصل إلى 15 قرصاً.
ولا يقلل فارس إطلاقاً من خطورة تأثيرات اللورالين والليريكا على المتعاطين والمدمنين، ويقول: "أعراضه خطيرة جداً قد تصل إلى تشنجات وضرب الأرض بالرأس مما يؤدي إلى إصابات بالغة قد تنتهي بالموت".
بحسب فارس، لا توجد إحصاءات أو أرقام تقديرية للمتعاطين لعدم ظهور المخدر في تحاليل المخدرات "لكن هنالك حاجة جديدة بدأت تظهر ووضعت شروط تحليل جديدة خاصة بهذه المادة تكشف التعاطي من عدمه، وهي تستخدم في حدود ضيقة لأنها تحتاج إلى تحليل خاص بسعر مرتفع نسبياً".
"مدمن الليريكا يكون في حالة إنكار وغير مقتنع بأنه مدمن، وإذا كان ممكناً أن يتوقف عن التعاطي ليومين إلا أنه يعود إلى المخدر مرة أخرى"، يقول فارس.
ويوضح الفرق بين مستخدم هذا المخدر ومدمنه: "هنالك أناس تستخدم المخدرات بطرق مختلفة وجرعات مختلفة وقد لا تتأثر بها ولكن المدمن يستخدمها يومياً وبجرعات كبيرة، ويتأثر نفسياً وجسدياً وتتأثر حياته العملية والاجتماعية والأسرية، وكل المواد المخدرة تحمل أعراض انسحاب جسدية، عدا الحشيش التذي يكون تأثيره نفسياً فقط".
يقول فارس: "الأعمار الصغيرة تنجذب للأقراص المخدرة والشخص يدخل هذه الدائرة وقد لا يخرج منها".
من جهتها، رحبت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في بيان بقرار الوزارة الذي سيرتبط تطبيقه بالنشر في الجريدة الرسمية، وهو ما لم يحدث بعد، ولفتت إلى انتشار سوء استخدام الأدوية التي تحتوي على مواد البريغابالين والغابابنتين، وأشارت إلى تصدر مستحضر ليرولين (الذي يحتوي على مادة البريغابالين) أصناف الدواء الأكثر مبيعاً في مصر خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.
واعتبرت أن هذا السبب يعود إلى انتشاره بين متعاطي المخدرات، أي أنه يساء استخدامه، ويستخدم لغير أغراضه المعروفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...