شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أُقيم تحت حماية السلاح... غضب شعبي ديني سببه

أُقيم تحت حماية السلاح... غضب شعبي ديني سببه "عرض أزياء" في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 19 أغسطس 201902:55 م

غضب ديني وشعبي واسع خلّفه "عرض أزياء" احتضنته المدينة السياحية في محافظة الأنبار (غرب العراق) عدّ الأول من نوعه في المحافظة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وبرغم أن العرض نُظّم "تحت حماية السلاح" في "مكان معزول" داخل الجزيرة السياحية، في 12 آب/أغسطس الجاري، لم تزل أصداء الاحتجاجات ضده مستمرة وتواصل الجدل حوله محتدماً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد.

ففي 18 آب/أغسطس، صدر بيان عن "شيوخ وعلماء وأعيان وكفاءات وشباب وأهالي الفلوجة (شمال غربي البلاد) يستنكرون فيه "بأشد عبارات الإدانة" ما وصفوه بـ "إقامة عرض أزياء فاضح في مدينة الحبانية السياحية بالأنبار، هذه المدينة المعروفة بمدينة المساجد والمقاومة والصمود، مدينة الشهداء وعوائلهم التي تمتاز بالعفة والمحافظة على أعراضها والملابس الساترة لنسائها".

وحمّل هؤلاء مدير القرية السياحية التي تبعد 20 كيلومتراً غرب الفلوجة، مؤيد مشوح، ومصممة الأزياء العراقية المشرفة على الحدث إيناس التميمي "جميع التبعات القانونية والأعراف العشائرية عن الإساءة المتعمدة لمدينة الفلوجة وأهلها"، متوعدين بملاحقة قانونية لـ"كل الساعين للفساد في الأرض لتبقى الفلوجة البياض الناصع الذي يقض مضاجع الفاسدين والخونة من دون أن ينالوا من كرامتها وأهلها".

لإعادة الحياة إلى المدينة

وكانت وسائل إعلام عراقية قد نقلت عن التميمي تأكيدها أن المدينة السياحية لم تشهد عرضاً للأزياء منذ ثمانينيات القرن الماضي، مردفةً "أحبننا إعادة هذه النشاطات إلى المدينة السياحية".

وقالت مصممة أزياء عراقية أخرى تدعى لما الجميلي: "أردنا أن نبيّن للجميع أن المدينة السياحية بدأت بالازدهار، ولا توجد أي إشكالات أو عراقيل"، لافتةً إلى أن مصممات الأزياء العراقيات أردن تحدي الظروف بإقامة أول مهرجان للأزياء النسائية في المدينة السياحية.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب الكثير من العراقيين عن سعادتهم بمثل هذه الفعاليات التي تبعث على "الأمل" وتتخطى "الفكر المتطرف والتقاليد البالية"، في حين اعتبره البعض "دون المستوى، وعرض أجساد لا يرقى لعرض أزياء".

في الأثناء، سعى البعض من أبناء الفلوجة للتبرؤ من الحدث بالقول إن المدينة السياحية لا تنتمي إلى مدينتهم ولا تمت إليها بصلة.

ذراعان مكشوفتات تنتهكان "قدسية كربلاء"

تذكرنا ثورة الأعيان والعلماء وشيوخ العشائر من أجل "عفة الفلوجة" بالغضب الواسع الذي أظهره عدد من السياسيين ورجال الدين الشيعة، والذي فجره حفل افتتاح بطولة غرب آسيا نهاية تموز/يوليو الماضي، على ملعب "كربلاء المقدسة".

وكانت تعليقات مستنكرة عدة تمحورت حول قيام فنانة عراقية "مكشوفة الذراعين" بعزف النشيد الوطني خلال الحفل. وعلى الرغم من مطالبة العديد من الشخصيات البارزة، على رأسها نائب رئيس العراق ورئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، بالتحقيق في الواقعة ومعاقبة القائمين عليها لمنع تكرارها، دعمت شريحة واسعة من المواطنين العراقيين العازفة وعدوا الهجوم عليها "تخلفاً وتطرفاً".

للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي تحتضن المدينة السياحية بالأنبار عرضاً للأزياء النسائية، تقول منظِّماته إنه يسعى لإعادة الحياة والثقة إلى المدينة، لكن علماء ومشايخ قبائل وأهاليَ يرونه "إساءة لعفة مدينة المساجد والشهداء وقدسيتها" ويتوعدون بملاحقة قضائية لمنظميه
بعد اتهام عازفة عراقية مكشوفة الذراعين بانتهاك "قدسية كربلاء" وتجريم ارتداء الشباب "الشورت والبرمودا" في كركوك، اعتبر علماء ومشايخ الفلوجة عرضاً للأزياء النسائية "إساءة لعفة" مدينتهم، ونشطاء يتساءلون عن "تفشي الفكر المتطرف" في العراق


تضييق على ملابس الرجال أيضاً

التضييق المتعلق بالمظهر والملبس في العراق الذي كافح طويلاً للتخلص من تنظيم "داعش" وممارساته المتطرفة، لم يقتصر على النساء وحدهن. 

ففي أيار/مايو الماضي، أصدرت شرطة محافظة كركوك الشمالية بضعة قرارات لـ"ضبط السلوك العام"تضمنت "منع ارتداء الملابس غير اللائقة من قبل الشباب في الأماكن العامة، تحديداً الشورت والبرمودا (سروال يصل إلى الركبة)، مشيرةً إلى أن ذلك يأتي في إطار "مراقبة حالات التخنث لبعض الشباب للمحافظة على أصالة المجتمع العراقي وقيمه".

وصرح متحدث باسم شرطة كركوك آنذاك لشبكات محلية بأن "لبس الشورت أو البرمودا ممنوع في كركوك وكل من يخالف سوف يحاسبه القانون"، مشدداً على أن ذلك "جاء وفق أوامر من قيادة العمليات المشتركة".

واعتبر معلقون عبر السوشيال ميديا أن مثل هذه الخطوة بمنزلة "إحياء لشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتشددة في السعودية". ودان معظمهم اعتبار ارتداء الرجال السراويل القصيرة ممارسة إجرامية.

وبرغم الانتقادات التي طالت محافظة كركوك إثر قرار حظر البرمودا، أعلنت شرطة محافظة الأنبار، مطلع آب/أغسطس الجاري، شن حملة أمنية لتعقب مرتدي البرمودا من أبناء المحافظة، زاعمةً أن ذلك "بناءً على مناشدات من المواطنين والعوائل".

وعزت شرطة المدينة سبب منع هذه الملابس "غير اللائقة" بانتهاكها قانون الآداب العامة وإقدام العديد من مرتديها على "التحرش بالنساء"، معتبرةً أنها ترقى إلى "الظواهر الشاذة التي تخدش الحياء ولا تمت إلى الأعراف العشائرية بصلة".

وتزامن إعلان الشرطة تأكيد نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي قيامها بتوقيف العديد من شباب المحافظة وأطفالها و"حلق رؤوسهم" عقاباً على ارتداء البرمودا.

وانتقدت الإعلامية والبرلمانية العراقية السابقة ثروة عبد الواحد الحملة ضد البرمودا مبالغاً فيها، مطالبةً المسؤولين بتخفيف لهجتهم المتوعدة للمخالفين، في حين تساءل آخرون عما إذا كان هناك تعقب للفاسدين والمخربين بالحماسة نفسها.

وتطرح هذه الإجراءات الرسمية والمواقف الشعبية والدينية المتشددة والمتكررة، بحسب نشطاء عراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، علامات استفهام حول "جدوى الانتصار المزعوم على داعش في البلاد إذا كانت أفكاره لا تزال منتشرة بقوة".

مفهوم القداسة لدى المواطنين مختلف

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة بغداد علي طاهر لرصيف22: "في الحقيقة، هذا ليس تشدداً من المجتمع العراقي، بقدر ما تمثل هذه الإجراءات المقيدة للحريات والمضادة للتحرر أحد أشكال بسط النفوذ لقوى الإسلام السياسي على المجتمع"، مضيفاً: "الموضوع لا يتعلق بالقيم والقدسية والأخلاقيات المجتمعية بقدر ما يتعلق بتوضيح حدود النفوذ في المجتمع".

ويدعم قوله بأن أكثر من 30 ألفاً من أهالي كربلاء حضروا حفل الافتتاح في ملعب المدينة ولم ينزعجوا من العازفة التي ثار ممثلو الإسلام السياسي عليها، مشيراً إلى أن "المجتمع العراقي فيه مساحة حرية أوسع بكثير مما تظن قوى الإسلام السياسي، ومفهوم القداسة والعفة لدى المواطنين مختلف تماماً".

ويضيف طاهر: "اعتراض هذه القوى راجع لرغبتها في إخضاع المناطق التي يثيرون جدلاً حول ما يجرى فيها لنفوذهم، بزعم جعلها ‘مناطق آمنة دينية‘".

ويشدد ختاماً على أنه "بالحصيلة النهائية، فإن المجتمع (العراقي) سيفوز... سينتصر. لكن المشكلة هي غياب قوى مدنية أو علمانية تجابه هذا الإسلام السياسي، لذا عملياً، نسجل على ساحة الدولة، خسارات مثل إغلاق الملاهي والأماكن التي يمارس فيها الأفراد حرياتهم، تحت عناوين مختلفة مثل القدسية واحترام القوانين، لكن  هذا لن يدوم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image