"أتردد إلى محاكم القاهرة لأكثر من أربع سنوات الآن، منذ طلاقي، ولم أحصل على حكم نفقة إلا في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، هو بالطبع مبلغ لا يكفي لإعالة طفلي الوحيد لكنني لم أستطع حتى صرفه بعد كل هذا".
هكذا تروي ليلى إبراهيم (اسم مستعار) (35 عاماً) تجربتها المريرة كمطلقة سعت طويلاً للحصول على نفقتها ونفقة صغيرها من طليقها حسبما روت لرصيف22.
ليلى ليست سوى واحدة من آلاف المطلقات المكافحات من أجل الحصول على حقوقهن المادية والمعنوية. في المقابل يقول كثير من المطلقين إنهم ظلموا جراء تسويات الطلاق وقضاياه. وخلال العام 2018، شهدت مصر 211554 حالة طلاق مقابل 198269 في عام 2017، بنسبة زيادة قدرها 6.7٪.
أمام تكرار تجارب طلاق مريرة لم يحصل فيها أحد الطرفين على حقوقه، ظهر في الآونة الأخيرة مقترح مشروع قانون تنظيم التأمين الموحد الذي صاغت الهيئة المصرية العامة للرقابة المالية مسودته النهائية، 21 نوعاً من "التأمين الإجباري"، تتضمن التأمين على جميع المواطنين ضد "مخاطر الطلاق”، وهو مقترح يثير العديد من التساؤلات والشكوك بسبب ضبابيته.
ورغم أن بعض المطلقين والمطلقات يأملون أن يحسم المشروع الحقوق المالية المترتبة على الطلاق، يثير المقترح العديد من التساؤلات والشكوك.
"لدعم المطلقة والحد من الطلاق"
يعتقد البعض أن مشروع القانون المقترح يهدف إلى "دعم المطلقات ومساعدتهن على إعالة أبنائهن وأنفسهن بعد محنة الطلاق، والحد من انتشار الطلاق لا سيما الحالات التي تحدث بسبب استهتار الأزواج".
ويتضمن مشروع القانون المشار إليه سلفاً في مادته الرقم 98 "التأمين ضد مخاطر الطلاق"، البند الحادي والعشرين في أشكال "التأمين الإجباري".
ومن دون أي تفاصيل حول كيفية تنفيذه أو لائحته التنفيذية، اشترط نص المشروع أن يُطبّق وفقاً لما "يصدر عن الهيئة (المصرية العامة للرقابة المالية) من ضوابط وشروط وأسس تسعير بشأنها".
ومن غير الواضح من المستفيد من وثيقة التأمين ضد الطلاق، هل الزوج أم الزوجة؟ ولا توقيت الحصول على التعويض، هل في الطلقة الأولى أم الثانية أم الثالثة؟ وكيف سيتعامل القانون في حالة تعمد الطلاق للحصول على التعويض؟ والموقف الشرعي من هذا النوع من الطلاق؟ خاصة أن هناك مؤخر صداق وغيره من الأمور التي تضمن للزوجة حقوقها المادية؟".
علامات استفهام كثيرة
يرى المحامي المصري المختص في قضايا الأسرة والمرأة علي صبري أن مشروع القانون الجديد "يطرح العديد من التساؤلات وغير واضح المعالم، إذ لم يحدد كيفية جمع التأمينات. هل من خلال فرض رسم تأميني على وثيقة الزواج، أو يقتطع من الرواتب ويصرف كمعاش بعد الطلاق، وهنا تظهر إشكالية الأعمال الحرة وغير الدائمة التي يصعب رصدها.
ويقول لرصيف22 "ليس مفهوماً هل سيصرف للمطلقة فقط أم للطرفين، وهل سيفرض (مبلغ التأمين) على النساء والرجال أم على الرجال فقط، أو على المتزوجين وحدهم أم على جميع المواطنين البالغين وهكذا".
ويضيف: "المسيحيون مثلاً ليس لديهم طلاق. فهل سيفرض عليهم هذا التأمين؟ والبعض لا يتزوجون قدراً أو عمداً، فما موقف القانون منهم؟".
ويؤكد أن "آلية التنفيذ هي التي ستحدد ما إذا كان القانون سيكتب له الاستمرار أو لا، وما إذا كان سينصف المطلقة حقاً أم لا"، مبيناً أنه "قد يظل نصاً غير مفعل لاستحالة تطبيقه إذا ارتأى الخبراء ذلك".
ويرجح صبري أن ينجح المشروع ويحظى بقبول إذا تضمن "صرف تعويضات فورية للمطلقة ترحمها من مشقة إجراءات التقاضي وطول أمدها من دون اشتراط حد أدنى لعدد سنوات الاشتراك".
ليلى وأحمد وغيرهما العديد من المطلقين والمطلقات في مصر يرون أنهم ظلموا مادياً في تجربة الطلاق. للمرة الأولى يقترح مشروع قانون جديد بنداً يلزم المواطنين بـ"التأمين الإجباري ضد مخاطر الطلاق"، لكن الكثيرين يرونه "غير منطقي" و"من المستحيل" تطبيقه... ما القصة؟
المحامية والناشطة النسوية المصرية انتصار السعيد تعرب لرصيف22 عن خشيتها من أن يسهل المشروع "التحايل" على مستحقي التأمين، في حين يراه المحامي علي صبري "غير منطقي". مطلقون ومطلقات من مصر كشفوا لنا عن آمالهم، وعن مخاوفهم أيضاً
مخاوف من "التحايل"
أما المحامية المصرية البارزة ومديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون (مؤسسة غير ربحية معنية بقضايا المرأة)، انتصار السعيد فقالت لرصيف22 "أنا مع القانون بالتأكيد لحماية المطلقة في حالة طلاقها وضمان الحصول على مبلغ مالي يساعدها على تلبية متطلبات الحياة".
واستطردت: "لكن أعتقد أن اللائحة التنفيذية أو المذكرة التفسيرية الخاصة به لا بد أن تتضمن تفاصيل مهمة تخدم هذا السياق في ما يتعلق بكيفية وطبيعة جمع وصرف التأمين ولأي مستفيد ومدى تأثير هذا التأمين على الحقوق الشرعية المستحقة للمطلقة مثل النفقة ومؤخر الصداق وغيرهما، بحيث يضمن (المشروع) بشكل فعال حقوق المطلقة وإلا أصبح مجرد حبر علي ورق".
وتمنت السعيد "أن يتضمن القانون تعويضاً أو تقسيماً للثروة المشتركة بين الزوجين والمكتسبة خلال فترة الزواج لتلافي المشكلات الناتجة من عدم تطبيق بعض أو أغلب أحكام النفقات في قانون الأحوال الشخصية الحالي، الذي يبلغ في العام المقبل مئويته الأولى، وهذا ما يشير إلى إصداره في ظروف اجتماعية واقتصادية مغايرة تماماً للواقع".
وأضافت: "حتى ينجح المشروع، في إنصاف وتأمين وضع المطلقات كما هو مفترض، يحتاج إلى مذكرة تفسيرية ولائحة تنفيذية شارحة مضمونه كي نضمن تطبيقه بنجاح ونصل للهدف من سنّه ونتفادى الثغرات ونضمن وصول مبلغ التأمين أو التعويض لمستحقيه، وإلا أدى إلى التحايل عليهم بجمع الأموال بحجة التأمين، وفي النهاية لا يحصلون على شيء أو على مبالغ زهيدة مقارنة بما هو مستحق".
ترقب وشكوك
ماجد رضا (26 عاماً) متزوج ولا يمانع في سن مثل هذا التأمين الإجباري، بشرط أن "يعدل في تعويض الطرفين لأن لكل حالة طلاق خصوصية وأحياناً يكون الرجل ضحية ومتضرراً من الطلاق".
ويقول لرصيف22: "بعض الفتيات، أو أهاليهن، يستسهلن الطلاق للحصول على المكاسب المادية حالاً، ويتسرعن في طلب الطلاق. لا بد أن تكون هناك ضمانات بألا يسهم هذا المشروع في تشجيع المزيد من هؤلاء على هذا المسلك"، مردفاً "ينبغي أيضاً أن يعوض الخسائر النفسية وليس المادية فحسب".
أحمد صلاح (32 عاماً) مطلق أيضاً ويعتقد أن القانون فكرة جيدة بشرط أن يضع ضوابط لمعرفة أي الطرفين تضرر من الطلاق ولا يترك الأمر على إطلاقه، مشككاً في أنه "قد يدفع بالكثير من الزوجات لاستسهال طلب الطلاق من أجل الحصول على التأمين المقرر"، لكنه لا ينكر "حق كل امرأة في مثل هذا التأمين".
مروان أحمد (اسم مستعار) (36 عاماً) مطلق ويعتقد أنه لم يكن ليقدم على تجربة الطلاق إذا كانت هناك "ضريبة أو مبلغ تأميني كبير سيفرض عليه عند وقوع الطلاق".
لكن المحامي علي صبري لا يعتقد من خلال تجارب عاصرها مع عشرات المطلقات والمطلقين، أن "إجبار الزوج والزوجة على الاستمرار في الحياة الزوجية تحت ضغط المادة صائب لأنه قد يؤدي لجرائم مجتمعية أكثر خطورة".
"سيىء وغير منطقي"
تعارض ليلى إبراهيم، وهي حاصلة على شهادة في القانون، هذا المشروع وتعتقد في استحالة تطبيقه وتصفه بـ"الفكرة السيئة للغاية"، مشددةً على أن "هذا التأمين مسؤولية الدولة وليس الأفراد. الدولة ينبغي أن تنشىء صندوقاً لتعويض المطلقات على الأقل ريثما يتمكنّ من صرف نفقاتهن ونفقات أطفالهن من مطلقيهن".
يتفق معها صبري الذي يعتقد أن "فكرة التأمين الإجباري غير منطقية، بشكل عام"، موضحاً أن التأمين ضد المخاطر هو "دور الدولة التي يفترض أن تخصص جزءاً من وارداتها لهذا الغرض"، لكنّ لديه اقتناعاً بأن مثل هذا القانون "هو لمصلحة المرأة كونها المتضررة الأولى من الطلاق، خاصةً مع وجود أطفال، وبالتالي ينبغي أن تكون هي المستفيدة من التأمين المزمع".
ويشير صبري إلى أن "التأمين الحقيقي للمطلقات ليس في فرض تأمين جديد بل في ضمان تنفيذ الأحكام (الخاصة بالنفقة المفروضة على المطلق لمصلحة طليقته وأبنائه) الحالية" وهو يقترح "إلغاء الحد الأقصى لصرف النفقة من بنك ناصر (500 جنيه/ 30 دولاراً شهرياً حالياً)، ومنحه سلطة صرف جميع النفقات، أياً تكن قيمتها، وتحصيلها لاحقاً من الأزواج".
متى يخدم المطلقة؟
من جهتها، تشدد نرمين أبو سالم مؤسِّسة مجموعة "أمهات مصر المعيلات" التي تضم قرابة 70 ألف منتسبة (مطلقة وأرملة) على فيسبوك، لرصيف22، على أن "الشرع والعرف والقانون تلزم الرجل بالإنفاق على الأسرة، وبالتالي ينبغي أن يسعى هذا المشروع لحماية حقوق المرأة التي تتحمل في الغالب مسؤولية تربية الأبناء بعد الطلاق وتترك من دون مورد رزق أو مسكن وتعاني أخطر المشكلات المادية والنفسية جراء الطلاق، من خلال اقتطاع قيمة التأمين من الرجل ومنحه للمرأة".
كما تطالب بتحديد "استثناءات" ضمن مشروع القانون "تميز" المطلقة التي لا تستطيع العمل لأسباب تتعلق بالسن أو الحالة الصحية وغيرهما، لأنها تكون أشد تضرراً، مع فرض "غرامات" على المطلق وتعويض يتناسب مع طول مدة الزواج والخسارة التي تكبدتها المرأة.
وبعد اعتماده من الهيئة المصرية العامة للرقابة المالية، من المفترض إرسال مشروع القانون لمجلس الوزراء ليعتمده هو أيضاً، تمهيداً لطرحه للمناقشة والتصويت في مجلس النواب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...