قد لا يحتاج هذا الطبيب اللبناني لسيرة ذاتية تُعرّف عنه. فـ"الجمال نادر وصعب".
التصق الشعار، الذي رفعه نادر صعب لمشفاه التجميلي في لا وعي اللبنانيين. تحوّل إلى عبارة ترددها الألسن. ولا تقل شهرة صعب العربية عن شهرته اللبنانية. هو "صانع المعجزات" كما يُعرّف عنه.
بدون سابق إنذار، انتشر بين اللبنانيين فيديو قصير، يُظهر صعب، كأستاذ جامعي يشرح لطلابه الخطوات الواجب اتباعها لتحقيق الأهداف.
"لوح الشرح"، كان عبارة، عن سيدة اختارها لتكون وجهاً إعلامياً لحملته الجديدة، التي استهدفت وسائل التواصل الاجتماعي، بدون الأخذ بعين الاعتبار انها متاحة للأطفال والمراهقين وذلك بدل الإعلانات المدفوعة.
تلمّس ثدييها وأردافها ليشرح لنا، نموذج الجمال الذي قرر أن نراه في الشارع. وضع المعايير، التي على النساء زيارته ليصلن إليها.
بعد أسبوع، توفيت السيدة الأردنية فرح القصاب، بعد إجراء صعب عمليات تجميل لها. كثر النقاش اللبناني حول قانونية وضع مستشفى صعب، أو مخالفته للقوانين.
قيل إن المستشفى غير مرخص، ثم قيل إنه مرخص. اللغط الذي أُشير حول الموضوع، وعدم إعلان معلومات دقيقة منذ اللحظة، يُشير إلى حجم شبكة الأمان والحماية التي يستند إليها صعب لبنانياً. لكن هذا ليس موضعنا هنا.
عمليات التجميل ليست شأناً جديداً. تختلف الأراء حولها. هناك من يراها اعتداء على جسد النساء، ومحاولة لتلبية معايير وضعها الرجال. هي جزء من نتاج السلطة الذكورية إذاً.
في المقابل، هناك من تعتبر ويعتبر، أن هذه العمليات حق للنساء. وأن للنسوة الحق المطلق بالتصرف بأجسادهن، وأن من يعتبر أن عمليات التجميل نتاج للمنظومة الذكورية، يُريد أن يُنصّب نفسه وصياً على أجساد النساء.
"ذهبت بقدميها إليه"
في الحادثتين السابقتين ما يُجيب على هذه الأسئلة. هوجم صعب من قبل الكثيرين عندما عرض جسد السيدة، كوسيلة دعائية لعمله. اعتُبر الأمر تسليعاً للجسد. هذا الكلام ليس تجنياً. لكن بعض من ردد هذا الخطاب، استخدمه انطلاقاً من كون السيدة شبه عارية. إنه الشرف الذي أهين بالجسد شبه العاري. وعندما توفيت القصاب، ردد الكثيرون: هي ذهبت بقدميها إليه. وكأنهم يقولون، إنها تتحمّل مسؤولية موتها. يكاد يتطابق هذا الخطاب، مع من يسأل المغتصبة: ماذا كنت ترتدين؟ أو يسأل المعنفة: ماذا فعلت لتُعنفي؟ لم ير هؤلاء، أن للقصاب الحق بالحصول على الخدمة الطبية التي طلبتها بالجودة المطلوبة. هذا حق لها. هنا، كان الخطاب الذكوري في أكثر أشكاله بشاعةً: الضحية مسؤولة عن موتها. تفتح هاتين الحادثتين الباب واسعاً أمام النقاش المرتبط بثقافة التسليع. من يُقرّر إذا ما كانت عمليات التجميل حق للنساء أم تسليع لهن؟ من يُعطي لنفسه الحق في وضع معايير الجمال؟ من قال إن أجساد النساء يجب أن تكون خالية، مما يُعتقد أنه عيوب؟الخطاب الذكوري في أكثر أشكاله بشاعةً يعتبر الضحية مسؤولة عن موتها، كمن يسأل المعنفة: ماذا فعلتِ لتُعنفي؟
من يقرر إذا ما كانت عمليات التجميل حق للنساء أم تسليع لهن؟ من يعطي لنفسه الحق في وضع معايير الجمال؟
عمليات التجميل بالأرقام
يقول طبيب التجميل اللبناني حسين الهاشم في موقعه الالكتروني إن هناك أكثر من 16 مليون تدخل عالم التجميل، بين جراحة وغير جراحة تجري في العالم سنوياً، ويدعو الهاشم إلى وقف "ازدراء" من يجرون ويجرين عمليات التجميل ويقول: "على التشهير أن يتوقف". وفي الصفحة الأولى لموقع الهاشم، فإنه يرى أن "كل امرأة جميلة، وفن الجراحة التجميلية هو كشف الجمال في داخلها". عملياً هذه الكلمات، تُعد اللبنة الأولى في سياق ثقافة الاستهلاك. وهو ما مهّد لأن تُطلق مصارف لبنانيّة قروض التجميل، التي تتراوح قيمتها بين ألف وخمسة آلاف دولار. ولفهم الموضوع بشكل أعمق يجب معرفة ما الذي تقوله الأرقام في لبنان. يقول رئيس الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل والترميم، الدكتور إيلي عبد الحق إن هناك 95 طبيباً ينتمون للجمعية في لبنان، مع الإشارة إلى إمكانية وجود جراحي تجميل لا ينتمون للجمعية بحسب أحد الأطباء المنتمين لها. ويُشير في اتصال مع رصيف22 إلى أن عدد العمليات الجراحية التي تجرى سنوياً في لبنان بلغ تقريباً 20 ألف عمليّة، و30 ألف إجراء تجملي غير جراحي. 2/3 الخاضعين لهذه العمليات والإجراءات لبنانيين، و1/3 غير لبناني، فيما 6/7 منهم نساء و1/7 رجال. وتزيد نسبة العمليات سنوياً في لبنان بين 10 و 20%. تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن عمليات إزالة الشعر لا تدخل في هذه الأرقام، فيما تعتبرها الجمعية الدولية لجراحة التجميل جزء من عمليات التجميل غير الجراحية، وتبلغ نسبتها 12% عالمياً، من العمليات غير الجراحية. ويلفت عبد الحق إلى أنه في المرتبة الأولى في نوع العمليات التي تجريها النساء، تأتي عمليات الأنف وشفط الدهون، ويليها شد البطن، وتقع في المرتبة الثالثة عمليات الصدر. أمّا بالنسبة للرجال، فبحسب عبد الحق، فإن عمليات تجميل الأنف تأتي في المرتبة الأولى، ويليها الجفون ثم شدّ الوجه ورابعاً شفط الدهون.إقفال عشرات مراكز التجميل
تجدر الإشارة إلى أن وزير الصحة اللبناني السابق وائل أبو فاعور أقفل عشرات مراكز التجميل في لبنان، بسبب عدم حصولها على الترخيص الضروري. وهو ما دفع حينها بالهيئة التأسيسية لنقابة خبراء وأصحاب مراكز التجميل وخبيرة التجميل جاين نصار للرد على أبو فاعور، وقد قالت نصار حينها إن هناك "3500 مركز تجميلي في لبنان تعمل فيها 15 ألف عاملة، ومن أصل الـ15 ألفاً، هناك فقط 19 عاملة لديها إذن مزاولة المهنة". تطال هذه الصناعة مروحة واسعة من اللبنانيين واللبنانيات، ومن هنا لا يُمكن أن يستمر تجاهلها، خصوصاً لجهة توفير سلامة من يطلبون هذه الخدمة، والتأكّد من توفر نظام المساندة الطبي للأطباء في حال حصول أي مضاعفات خلال إجراء العمليات. لكن النقاش لا يُمكن أن يُحصر في الجانب الطبي والتقني. انتشار عمليات، يجب أن يجعلها على رادار البحث في لبنان خارج إطار الثنائيات القاتلة، إضافة إلى ضرورة جمع الأرقام حول طالبي هذه الخدمة: من أي طبقات اجتماعية واقتصادية؟ من أي مناطق؟ أي فئات عمرية؟ الأرقام ضرورية لفهم الظاهرة وتحليلها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...