هل هناك أجمل من أن يسألك أحدهم: لماذا؟ فتجيب: أنا حر. وأنا حر في هذا السياق تعني: أنا أؤمن بما أشاء وآكل وأشرب ما أشاء وأرتدي ما أشاء وأغني وأرقص وأقفز في الهواء وأمارس حياتي وأفكر كيفما أشاء. ببساطة تامة أنا حر، أنا "إنسان بكل الألوان".
"ماذا لو امتلكت خيار أن ألعب دور البطولة؟"، سؤال تطرحه أغنية "كل الألوان"، التي "اختارتها المؤسسة العربية للحريات والمساواة" انطلاقةً لحملة تحمل الاسم نفسه وتهدف إلى مواجهة جميع أنواع التمييز العنصري، وتحديداً تجاه أفراد مجتمع الميم.
بدأت الحملة في حزيران/ يونيو الماضي بحفل إطلاق الأغنية والفيديو المصوّر لها في بيروت، في مناسبة من بين مناسبات تأتي بين الفينة والأخرى لتواجه رمادية المدينة وقيودها بـ"كل الألوان".
في الحفل، همست في أذني إحدى المشاركات في فيديو الأغنية، مشيرة إلى الطفل الذي يحمل قلم أحمر الشفاه: "هذا أنا"، لم أفهم المغزى وقتها.
لاحقاً، بعد العودة لمشاهدة الفيديو التقطت السبب. هي الطفولة المشتركة بينهما، الطفولة التي قاست خلالها ما قاسته من محاولات لقمع جسدها وتغيير هويتها وما هي عليه، فاستمرت في ترداد عبارة تضمنتها الأغنية: "كيف تقاس الأوجاع؟".
لذلك لم يكن حفل إطلاق الحملة حدثاً عابراً، بقدر ما كان إعلاءً للصوت في مسيرة الدفاع عن حقوق الإنسان، في مجتمعاتنا التي لم تزل محكومة بالعادات والتقاليد والنمطية المقيّدة للحريّات. إنها حملة على كل الموروثات التي لا تزال تقبل ألواناً محددة من البشر وترفض ألواناً أخرى مشيطنةً التنوع الذي لا يراعي قوالبها، التنوّع الذي يميّزنا كبشر.
"حملة كل الألوان نابعة من فكرة إيجاد طريقة جديدة للمناصرة، وللوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص عن طريق الجمع بين الفن وحقوق الإنسان"، حسب ما تفيد رئيسة القسم الإعلامي في "المؤسسة العربية للحريات والمساواة" ميرا عبد الله.
وتقول عبد الله: "استغرق التحضير للأغنية والفيديو قرابة ثلاثة أشهر، تم فيها اختيار المشاركين انطلاقاً من مبدأ التقاطعية وجمع الحقوق الجندرية وحقوق أخرى بدءاً من العنصرية وصولاً إلى التمييز ضد الأجساد، مروراً بالقوالب النمطية ومعايرتها للأجساد التي تراها ملأى بالعيب، وذلك في إشارة إلى أن جميع الحقوق مترابطة والقضايا متشابكة، والمعاناة من التنميط في المجتمع والتمييز واحدة ومشتركة بين الجميع".
وتلفت عبد الله إلى مسألة تطوّع مشاركين كثر في نجاح هذا العمل، وتقول إن مساهمة التقنييّن فيه كانت مقابل أجر لا يتخطّى 10% مما يتقاضونه، "لا لشيء إلا إيماناً منهم بأهمية الحملة وهدفها… وكان لمساهمتهم هذه الأثر الكبير في نجاح العمل".
وتستمر حملة "كل الألوان" عبر التسويق للأغنية بهدف نشر المزيد من التوعية في ما يخص التنوع وحقوق الإنسان.
والجدير بالذكر أن جمع الأغنية والفيديو الموسيقي كان بجهود المغنيّة والممثلة منال ملاط، وقد لحنها أنطوني خوري وهو أحد أفراد "فرقة أدونيس" اللبنانية، وتولى فرج عون إخراجها، وجاك هالاجيان إدارة الإنتاج الفني مع فريق "المؤسسة العربية للحريات والمساواة"، بالإضافة إلى تعاون عدد من المتطوعين/ات والناشطين/ات.
"ردود الفعل كانت إيجابية"، تعلّق إحدى الحاضرات في حفل الإطلاق، مضيفة أن الأغنية واقعية إلى حد أنّها لامستها، وما يميّزها هو أنّها تطرقت إلى الجميع من دون استثناء.
شابة أخرى أثنت على "الجهد الرائع الذي تقوم به المؤسسة في مواجهة السياسات القمعيّة التي ترسّخ أشكال العنصريّة، وهذه الأغنية هي نوع من أنواع المقاومة لهذه السياسات".
"هل باستطاعة الفن أن يواجه التابوهات في المجتمع؟ وهل باستطاعته نصرة حقوق الإنسان في بلاد متمسّكة بالرفض لكل تنوّع؟" أغنية "كل الألوان" تحتفي بحقوق الإنسان العابرة لكل أشكال التمييز
"كل الألوان"... أغنية جديدة أطلقتها "المؤسسة العربية للحريات والمساواة" وأدتها الفنانة منال ملاط التي تحدثت لرصيف22 حول أهمية رفع الصوت في وجه الموروثات برغم قيود كثيرة حاصرت من فكروا بالمواجهة
هو الرفض والتصدّي بالحبّ والألوان. ولأن الفن تعبير عن الحياة، والأسرع عبوراً إلى قلوب الناس وعقولهم، وأعظم أثراً من الوعظ والخطب، جاءت الأغنية باللغة العربية الفصحى لتصل إلى كل ألوان العالم العربي.
ولكن هل باستطاعة الفن أن يواجه التابوهات في المجتمع؟ وهل باستطاعته نصرة حقوق الإنسان في بلاد متمسّكة بالرفض لكل تنوّع؟
تجيب منال ملاط عن السؤال، في حديثها لرصيف22، بالقول: "اعتماد الموسيقى وسيلة لطرح الحملة هي الطريقة المثلى لنشر التوعية في ما يتعلّق بالتنوّع وحقوق مجتمع الميم وحقوق الإنسان، لأني أؤمن بقوّة الفن والموسيقى في إحداث التغيير عبر اختراق الحدود وفتح الآفاق".
تؤمن ملاط بقدرة الموسيقى على تغيير طريقة التفكير، فـ"قوّة الفنّ تكمن في أنه لغة عالمية ومثله الموسيقى القادرة على اختراق القلوب". وتقول: "بإمكاننا إيصال الرسائل الأساسية في الانفتاح والتسامح بطرق مختلفة، لكن جميعها تعتمد على الإحساس لفهم الفكرة الأساسية، وهذا ما يتميّز به الفن على أمل أن يتوقف يوماً استخدام مصطلح تابو أو المحرّمات في ما يتعلّق بحقوق الإنسان".
رفع الصوت في وجه الموروثات التي تمارس القمع على الأفراد هو خطوة جريئة، وهذا ما تعبر عنه ملاط برغم قيود كثيرة واتهامات لاحقت فنانات وفنانين قرروا وقررن تناول هذا الموضوع والدفاع عنه.
"لطالما كنت على ارتباط وثيق بالقضايا والمواضيع التي تمسني وتشغلني. البعض يخافون من خطوة جريئة كهذه. لذا نراهم صامتين، البعض الآخر صدموا وأطلقوا الأحكام. أما أنا فقد اخترت التحدّث ورفع الصوت، اخترت الغناء، اخترت أن أكون امرأة بكل الألوان"، تختم ملاط حديثها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون