أعلنت السلطات الهولندية في 19 تموز/ يوليو، قبولها حكم المحكمة العليا المؤيد لحكم سابق قضى بتحميلها جزءاً من المسؤولية عن مقتل 350 مسلماً بوسنياً على أيدي قوات صرب البوسنة خلال المجزرة التي وقعت في بلدة "سربرنيتشا" خلال العام 1995.
وكانت المحكمة العليا قد رأت أن قوات حفظ السلام الهولندية كان يمكنها السماح للرجال المسلمين بالبقاء في قاعدة "الملاذ الآمن"، وأنها من خلال تسليمهم، جعلتهم عرضةً لسوء المعاملة أو الموت على أيدي القوات الصربية البوسنية.
وطوال السنوات السابقة، كانت السلطات الهولندية تردد أن كتيبة من قوات حفظ السلام الهولندية عجزت عن التحرك في "سربرنيتشا" لأن قيادة القوات الأممية تخلت عنها من دون تقديم دعم جوي إليها، لكن في المقابل كان أهالي الضحايا يحمّلون قوات السلام الهولندية مسؤولية الفشل في منع وقوع المأساة.
وفي العام 2017، خلال أزمة سياسية بين تركيا وهولندا، على خلفية منع سلطات أمستردام تجمعات مؤيدة لاستفتاء يعطي الرئيس التركي مزيداً من السلطات، اتهم أردوغان هولندا بالضلوع في مجرزة "سربرنيتشا".
عن المجزرة
في مطلع حزيران/ يونيو 1995، حاصرت قوات صرب البوسنة منطقة قرب مدينة "سربرنيتشا"، صنفتها الأمم المتحدة "منطقة آمنة" تحت حماية 600 جندي هولندي تابعين للأمم المتحدة مزودين بأسلحة خفيفة.
هاجمت القوات الصربية من الجنوب، ما دفع الآلاف من المدنيين البوسنيين والمقاتلين إلى الهرب شمالاً باتجاه "سربرنيتسا". وفي 10 تموز/ يوليو، تجمع هناك أربعة آلاف شخص. وواصل الصرب تقدمهم، وفر عدد يفوق عدد اللاجئين إلى القاعدة الهولندية الرئيسية في بوتوكاري.
وفي 12 تموز/ يوليو، فرّ نحو 15 ألفاً من البوسنيين ممن بلغوا سن الخدمة العسكرية من المنطقة المحاصرة، لكنهم تعرضوا للقصف أثناء فرارهم عبر الجبال. وقتل بعضهم بعد استسلامهم.
وبعد ذلك، نقلت الحافلات نحو 23 ألف سيدة وطفل، وعزل الصرب جميع الذكور الذين تراوحت أعمارهم بين 12 و77 عاماً لـ"التحقيق معهم في ارتكاب جرائم حرب مشتبه فيها"، واحتُجز المئات من الرجال في شاحنات ومستودعات.
حينذاك، وللمرة الأولى، قُتل عدد من المسلمين البوسنيين في مستودع بالقرب من قرية كرافيكا.
من جانبها، سلّمت قوات حفظ السلام الهولندية نحو 5 آلاف شخص ممن احتموا بقاعدة القوات الأجنبية. وفي المقابل، أطلقت القوات الصربية 14 عنصراً من قوات حفظ السلام الهولندية الذين اعتقلوا في نوفاكاسابا، وهي قاعدة عسكرية صربية.
وخلال أربعة أيام، أُعدم نحو 8 آلاف من مسلمي البوسنة من الرجال والفتيان على يد قوات صرب البوسنة في مواقع عدة حول "سربرنيتشا"، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة أبشع عملية قتل جماعي في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن عدد ضحايا المذبحة بلغ نحو 8 آلاف رجل وفتى مسلم قُتلوا بشكل ممنهج، في حين قدّرت محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة العدد بنحو 7 آلاف.
وارتكبت هذه الجريمة وحدات من الجيش الصربي تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش نتيجة تحريض من الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادزيتش الذي أوقف عام 2008، واعتبرت الهيئات القضائية الدولية أن المجزرة ترقى لمستوى الإبادة وفقاً للقوانين الدولية.
وقد دفنت الجثث في مقابر جماعية جرى نبشها لاحقاً وتوزيع الرفات على مقابر أخرى أصغر ومشتتة من أجل إخفاء حجم المجزرة.
"سفاح البوسنة" و"جزار البلقان"
وفي آذار/ مارس 2016، حكمت محكمة الجزاء الدولية على رادوفان كرادزيتش الذي عرف بـ"سفاح البوسنة" بالسجن 40 عاماً بتهمة الإبادة الجماعية. أما الجنرال راتكو ملاديتش، الذي عرف باسم "جزار البلقان"، فقد اعتقل في أيار/ مايو 2011 ونُقل إلى لاهاي حيث حكم عليه في العام 2017 بالسجن مدى الحياة لإدانته بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وفي نهاية الحرب عام 1995، اختفى ملاديتش وعاش متخفياً في صربيا تحت حماية أسرته وعدد من عناصر قوات الأمن، وظل هارباً من العدالة 16 عاماً، لكنه اعتقل بعد تعقبه إلى منزل أحد أقاربه بمنطقة ريفية شمال صربيا عام 2011.
محكمة تقرر أن السلطات الهولندية مسؤولة جزئياً عن مقتل 350 مسلماً بوسنياً من ضحايا مجزرة سربرنيتشا عام 1995
وفي حزيران/يونيو 2017 حملت محكمة استئناف لاهاي أمستردام جزءاً من مسؤولية مقتل نحو 350 رجلاً مسلماً خلال المجزرة، وحينذاك قالت القاضية غيبكه دوليك: "حكمت المحكمة بأن الدولة الهولندية تصرفت بشكل مخالف للقانون. لذا عليها دفع تعويض جزئي" لأسر الضحايا، مضيفةً أن عناصر القوة الهولندية في القوات الدولية سهلوا الفصل بين الرجال والأولاد المسلمين "مع أنهم كانوا يعلمون باحتمال تعرضهم لمعاملة غير إنسانية من قبل صرب البوسنة".
وما شأن أردوغان؟
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أشار إلى هذه المذبحة في العام 2017، وحمل الهولنديين المسؤولية عن مقتل ثمانية آلاف مسلم، بطريقة وصفها مراقبون بأنها استغلال سياسي لمذبحة حقيقية بعدما منعت هولندا وزيرين من حكومته حينذاك من إلقاء خطبة أمام الجالية التركية في البلاد لحثهم على المشاركة في الاستفتاء الشعبي الذي كانت تنظمه تركيا، كما استعملت الشرطة الهولندية الكلاب وخراطيم المياه لتفرقة متظاهرين يحملون الأعلام التركية في روتردام.
وكانت التجمعات التركية تهدف إلى تشجيع الناخبين الأتراك المقيمين في أوروبا على تأييد استفتاء 16 نيسان/ أبريل، الذي كان يرمي إلى توسعة صلاحيات الرئيس حينذاك، وهو الأمر الذي انتقده مسؤولون في الاتحاد الأوروبي.
وفي آذار/مارس 2017، قال أردوغان إن ذلك الإخفاق، الذي وصفه بأنه لا يزال ذكرى محرجة في هولندا، يظهر أن "المعايير الأخلاقية الهولندية تحطمت".
وأغضب حديث أردوغان السلطات الهولندية، حتى إن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته وصف تصريحات أردوغان بأنها "تزييف حقير".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...