شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا تحلموا بالصحافة"... دعوة لتجنّب كليات الإعلام تثير الجدل في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 19 يوليو 201912:13 م

أثارت دعوات أطلقها صحفيون وإعلاميون على السوشيال ميديا موجهة للأجيال الجديدة لتجنب دخول كليات الإعلام الجدل، وانقسمت الجماعة الصحفية بين مؤيد للفكرة متذرعين بمبررات واقعية، الظروف المعيشية الصعبة للعاملين في المجال الإعلامي، والتضييق على حرية الرأي والتعبير، وذهب آخرون إلى الدفاع عن حق الشباب في اختيار مستقبلهم، وضرورة إتاحة الفرصة لهم، علهم يتمكنون من تغيير تلك الظروف.

"نفسي أبقى مذيعة شاطرة زي لميس الحديدي" تقول سلمى إبراهيم نصر الدين، الطالبة بمدرسة الملكة الخاصة للغات، بمنطقة بولاق الدكرور التابعة لمحافظة الجيزة، والحاصلة على المركز الثاني مكرّر بالقسم الأدبي في الثانوية العامة بمجموع، 408.5.

سلمى لديها شغف منذ صغرها بأن تصبح إعلامية بارزة في إحدى القنوات التليفزيونية، وفق تصريحات صحفية بعد إعلان النتيجة، ولهذا كان هدفها الحصول على مجموع يؤهلها الدخول لكلية الإعلام، لتحقق حلمها.

رغبة سلمى ونظيراتها من طلاب الثانوية العامة في دخول الكليات المؤهِّلة للعمل في المجال الصحفي اصطدمت بدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من العاملين في المهنة إلى تجنب دخول كليات الإعلام.


محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، ومدير تحرير جريدة "الشروق" أحد أبرز الداعين إلى تجنب كلية الإعلام، يقول إنَّ سبب دعوته التي أطلقها عبر صفحته على فيسبوك، أنّ "سوق الإعلام" بات طارداً للكفاءات والمهارات حتى "متوسطي المهارة"، بسبب السلطة الحاكمة في مصر التي لديها "موقف مباشر ضد الصحافة".

السلطة في مصر، بحسب ما يرى عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، تمكّنت من تأميم عدد كبير من الصحف، أما الصحف التي لم تتمكّن من تأميمها وضعتها تحت السيطرة والمراقبة، فيما حجبت الباقي.

ويتساءل عبد الحفيظ أين سيعمل خريجو كليات الإعلام في ظل هذا الوضع، مستطرداً: "هشغلهم في العلاقات العامة"، مشدداً على أن "سوق العمل الصحفي في مصر لم يعد يحتمل".


ويدافع عبدالحفيظ في تصريحات لرصيف22، عن دعوته ويقول "أنا مش بسوّد الدنيا في وش الناس"، ولكن هذه هي حقيقة الوضع الآن نتيجة معاداة السلطة للصحافة وعزوف رجال الأعمال عن إطلاق تجارب صحفية جديدة، فيما يقوم الملّاك الحاليّون للصحف بإغلاقها، مشيراً إلى إعلان ملّاك جريدة التحرير إغلاقها في غضون شهرين، وإغلاق ملّاك صحيفة البديل للموقع الإلكتروني بعد التوقف عن إصدار الجريدة الورقية.

"الصحافة الخاصة انحصرت في 4 منصات" وفق عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، وهي: المصري اليوم، مصراوي، الشروق، فيتو، أما القنوات الفضائية المصرية فأصبحت في يد جهة واحدة تديرها.  

مصادرة المستقبل

في المقابل، يرى  الكاتب الصحفي خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، ورأس تحرير موقعين تمّ حجبهما على التوالي، "البداية" و"كاتب"، الدعوات بعدم دخول كليات الصحافة والإعلام بأنها "مصادرة للمستقبل"، وانعكاس للواقع الحالي الصعب الذي يختبره الصحفيون، وشدد على حق الأجيال الجديدة في "صنع مساحتها" الخاصة بها.

ويوجز البلشي رأيه في تصريح لرصيف22: "الآن ربما القيام بوقفة لمراجعة الأوضاع شيء ضروري جداً، لكن دون مصادرة المستقبل وحقّ هذه الأجيال في صنع مساحتها".

من ناحية أخرى، يرى عصام خضيري، صحفي مصري، أن حملة بعض الصحفيين التي تنصح طلاب الثانوية العامة بعدم دخول كليات الإعلام "غير موفقة"، وتضر مهنة الصحافة أكثر مما تُفيدها، لأن الطبيعي في أي مهنة دخول أجيال جديدة إليها، يقول: "العناصر الشابة الجديدة تساعد المؤسسات الصحفية على الازدهار والتقدم أكثر".

وقال خضيري، الصحفي بموقع "مصراوي"، في تصريحات لرصيف22، إن العاملين بالصحافة في مصر عند مرحلة عمرية معينة، خاصة منتصف الثلاثينات التي يفترض أن تكون أوج انطلاقة الصحفي، تجد أغلبهم يتملكهم انطباع  الموظفين المسنين، في إشارة إلى انشغالهم بالتأمينات والمعاشات، خاصة الذين يعتقدون أن حصولهم على كارنيه عضوية نقابة الصحفيين هو نهاية المطاف.


"الأجيال الجديدة قد تنجح"

مهنة الصحافة في تطوّر متسارع، والمؤسسات الصحفية المصرية تحتاج الآن إلى كوادر شابة تستطيع مواكبة هذا التطور، حسبما يرى خضيري، الذي نصح طلاب الثانوية العامة، ممن لديهم الرغبة والإصرار في العمل بحقل الصحافة أن يدخلوا كليات الإعلام، وألا يلتفتوا لمثل هذه الدعوات، وأن يحددوا مستقبلهم بأنفسهم، شريطة أن "يدرسوا ويتعلموا كل جديد، وأن يصقلوا مهاراتهم اللغوية ويتعلموا اللغات في فترة الجامعة مع الإلمام بمهارات الصحافة الحديثة".

آلاء نبيل، طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الإعلام، جامعة 6 أكتوبر، ينتابها مشاعر مضطربة، شعور بالندم لاختيارها المجال، وآمال كبرى لتحقيق أحلامها، بحسب روايتها لرصيف22.

وترفض آلاء الدعوات التي تطالب طلاب الثانوية العامة بعدم الالتحاق بكليات الإعلام، ووصفتها بأنها "دعوات للإحباط". 

وقالت نبيل: إن الوضع الحالي قد يكون صعباً، ولكن الجيل الجديد قد ينجح في مواجهة التحديات التي تواجه العاملين في المجال الصحفي حالياً، ويحقق نجاحات أكبر في المهنة.

محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين في مصر: سوق الإعلام بات طارداً للكفاءات والمهارات وحتى متوسطي المهارة، بسبب السلطة الحاكمة في مصر التي لديها "موقف مباشر ضد الصحافة"

"لا عمل في الصحافة والفضائيات"

ويردّ محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، على من يقول إن الجيل الجديد قد يحمل حلّاً للتغلّب على الوضع الحالي، قائلاً : "الكلام ده لما الخريج يخشّ مؤسسة ويشتغل فيها"، مضيفاً أنه لا يوجد مؤسسة صحفية تقبل في الوقت الحالي خريجين جدد، وشدّد على أن مهنة الصحافة مرتبطة بالسياسة، فحينما يكون هناك هامش من الحرية، يعمل الصحفيون ويؤدون رسالتهم وينقلون للقارئ ما يجري، أما حينما تحاصر ولا تستطيع العمل والكتابة بحرية "يبقى أولى بينا نشوف مهنة تانية".

وتابع دعوته لطلاب الثانوية العامة عدم دخول كليات الصحافة والإعلام، بالإشارة إلى أن العاملين بمهنة الصحافة في الوقت الحالي "لا قادرين يؤدوا رسالتهم" على النحو الأمثل، ولا "قادرين يفتحوا بيوتهم"، لذا يرى أنه "على الأقل ما نغريش الناس ونقولهم الحياة جميلة ووضع الصحافة تمام".


وفي هذا السياق وجَّه الإعلامي شريف مدكور، رسالة لطلاب الثانوية العامة في فيديو بثّه عبر حسابه على "فيسبوك" للراغبين في الالتحاق بكلية الإعلام: "عاوز بس أقول نصيحة للناس اللي عاوزه تدخل إعلام، سوق الإعلام في مصر تقريباً مقفول، قنوات كتيرة بتقفل، وقنوات ممكن تقفل.. مابنصحش أي حد يدخل كلية الإعلام، علشان مش هتلاقوا شغل في الإعلام".

كما طالب  الصحفي محمد علي خير، طلاب الثانوية العامة عدم الالتحاق بكليات الصحافة والإعلام، وكتب عبر صفحته على موقع فيسبوك: "أرجوكم لا تفكروا في الالتحاق بكلية الإعلام.. مش هتلاقوا شغل في الصحافة أو الفضائيات.. نصيحة أب يحبكم.. والله".


وانتقد الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، دعوة طلاب الثانوية لعدم الالتحاق بكليات الإعلام، وكتب: "لهذا الحد أصبح هذا المجال طارداً لمن يهواه.. وإلى هذا الحد بلغ اليأس من الإصلاح وانعدام الأمل في غدٍ إعلامي أفضل".


وأكد أستاذ الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، عبر صفحته الشخصية على "فيس بوك" أن هناك فوضى، و"أوضاع إعلامية سيئة"، وفرص تذهب كثيراً لغير المؤهل، لكنه استطرد متسائلاً: "هل هذا يدعو إلى أن نطالب بإلغاء الدراسات الإعلامية وغلق كليات الاعلام وترك المجال يزداد سوءاً؟"، مشيراً إلى أهمية العمل على التغيير للأفضل.

البحث عن فرصة

أيمن صلاح (اسم مستعار) طالب جامعي، طرق أبواب عدة مؤسّسات صحفية للتدرب فيها ومن ثمّ العمل، يقول لرصيف22، إن من بين الصحف التي رغب في التدرب بها جريدة الأهرام القومية، لكن طُلب منه دفع مبلغ مالي قدره 650 جنيهاً، ولكنه رفض لقناعته بأنها طريقة لاستغلال رغبة الشباب في العمل الصحفي.

توجه صلاح، وعملاه (21 عاماً)، بعد محاولة التدريب في "الأهرام" إلى جريدة "الجمهورية"، وهي كذلك من الصحف القومية، لكنه لم يتدرّب بها لأنهم طلبوا منه أيضاً مبلغاً مالياً مقابل التدريب.

آخر محطات صلاح، الذي يحلم بأن يكون صحفياً مرموقاً، كانت جريدة ورقية خاصة، حيث كان التدريب فيها مجّانياً، لكنه لم يُكمل فيها شهراً واحداً، حيث كان الصحفي المكلف بتدريب الراغبين في دخول المجال الصحفي غير ملتزم بمواعيده معهم، ولا يعلمهم أي شيء، يقول: "بيحكي عن إنجازاته لمدة تصل إلى ثلاث ساعات".

الآن توقف صلاح عن البحث عن مؤسسة يعمل بها إلى ما بعد التخرج من الجامعة في العام المقبل. وعلى الرغم من رفضه في البداية الحصول على تدريب مدفوع، لكن تجربة التدريب المجاني في الجريدة الخاصة التي لم يستفد منها سوى نصائح في جلسة جمعته مع رئيس تحريرها، جعلته يقول إن "أي شيء مش مدفوع ملهوش لازمة"، مقرراً في المستقبل أن يبحث عن فرصة تدريب مدفوعة.

خالد البلشي، عضو مجلس نقابة سابق ورئيس تحرير لموقعين حجبتهما السلطات: "القيام بوقفة لمراجعة الأوضاع  ضروري جداً، لكن دون مصادرة المستقبل وحقّ هذه الأجيال في صنع مساحتها"

رواتب متدنية

في تقرير نشرته شبكة الصحفيين الدوليين في أبريل من العام 2018، عن معدل أجور ورواتب الصحافيين في العالم العربي بين الأعوام 2007 إلى 2017، كشف أن رواتب الموظفين في مصر زادت بنسب متفاوتة بين 10 و15% في العام 2016، وبالرغم من هذه الزيادة، إلا أن رواتب الصحفيين ليست مرتفعة، وبحسب العاملين، فإن الصحافي أو المحرّر يتقاضى راتباً يتراوح بين 2000 و2500 جنيه. وقبل الثورة، لم تكن معدلات أجور الصحافيين تزيد عن ألف جنيه.

محمد إبراهيم (اسم مستعار) صحفي يعمل بمؤسسة خاصة منذ بضعة سنوات، فضل عدم ذكر هويته، يحصل على راتب 2000 جنيه (120 دولار)، يؤكّد لرصيف22، إن هناك زملاء بالجريدة يعملون مثله منذ سنوات يتقاضون أقل من  1700 جنيه.

وأوضح أن أبرز التزاماته الشهرية تتوزع على النحو التالي أجرة سكن (1500 جنيه)، وحارس عقار ومياه وكهرباء (500 جنيه).. "يعني المرتب كله بيروح أول ما بيتقبض"، مشيراً إلى أن ما يعرف بـ"بدل التدريب والتكنولوجيا" الذي تصرفه نقابة الصحفيين لأعضائها وقيمته 2100 جنيه (126 دولار)، هو الذي يساعده على الحياة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، بخلاف بعض المساعدات غير الدورية التي يتلقاها من أسرته، لافتاً إلى أنه يدفع مواصلات شهرياً حوالي 700 جنيه، ليتبقى له حوالي 1400 جنيه فقط تكفي بالكاد مصاريف المنزل دون حدوث طارئ. 

دخل إبراهيم مهنة الصحافة في العام 2010، وحمل مع اندلاع ثورة يناير آمالاً كبيرة مع زيادة عدد الصحف وارتفاع "سقف الحرية"، وهو ما دفعه للاستمرار في المهنة رغم أن "البداية كانت صعبة"، يقول لرصيف22، إن الصحيفة التي يعمل بها مازالت تقبل ضمّ صحفيين جدد، ولكن كـ"متدربين" دون أن يحصلوا على أي مقابل مادي، ويتم استبدالهم غالباً كل 3 أشهر بمتدربين غيرهم.

ورغم رفضه دعوات مقاطعة دخول كليات الصحافة والإعلام، إلا أنه يرى أن أصحاب هذه الدعوات على صواب في مسألة أن المجال الصحفي أصبح "مغلقاً تماماً" في الوقت الحالي، لافتاً إلى أن الوضع في العامين التاليين للثورة كان مفتوحاً ومبشّراً لكن ما حدث بعد ذلك كان صادماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image