"الليلة ينقسم اللبنانيون أمام مشهدين: إمّا يتابعون #السيد_حسن_نصراالله والحديث عن الحرب والصواريخ وإما يواكبون احتفال #biaf وتكريم الفنانين بحضور عربي وأجنبي في ساحة الشهداء. #هيدا_لبنان".
تغريدة بسيطة كتبها الإعلامي اللبناني يزبك وهبة في 12 تموز/ يوليو كانت كافية لتنطلق ضده هجمة اتهمه المشاركون فيها تارةً بـ"العمالة لإسرائيل" وتارةً أخرى بـ"الخائن"، في لغة صار من الشائع استسهال استخدامها للتهجّم على كل رأي لا يعجب "الجماهير".
هذه الجماهير معظمها لا يكتب للمزايدة، بل هو مقتنع بأن أي صوت مخالف، ولو بدرجة بسيطة، للغة التي تشرّبها ويعيد إنتاجها يومياً، هو صوت "مشبوه" يرتبط بـ"مؤامرة" تُحاك في مكان ما، وهذا ما يعقّد عيش اللبنانيين المشترك لأن هذه الثقافة عامة وعابرة لانقساماتهم.
هذه المرة، ساعد الجماهير في هجمتها قيام "المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي" أفيخاي أدرعي بسرقة نص تغريدة وهبة واستخدامه في تغريدة خاصة بعد وضع إضافات "إسرائيلية" عليه، رغم أن لديها كامل الأرضية المناسبة لتنفعل بوجود عنصر أدرعي أو بدونه، والأمثلة على ذلك كثيرة.
أحد المغرّدين تساءل عما إذا كان الأمر يعبّر عن "النهج الفكري نفسه" أو "الأهداف والأولويات"، وعمّا إذا كان أدرعي "يعمم البلاغات على دعاة السيادة في لبنان".
كثيرون ظنوا أن هذه الهجمة سببها تقني وهو اعتقاد البعض أن وهبة هو مَن نقل عن أدرعي، فطالبوا هذا البعض بتحري الدقة وقراءة توقيتي نشر التغريدتين، لتبيان الحقيقة.
ولكن المسألة أبعد من ذلك. إنها مسألة ثقافة ومسألة تبدّل في وعي جماهير حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله.
خطأ وهبة
عندما قارن وهبة بين تزامن مشهد بث مقابلة مع نصر الله على قناة "المنار" وما يتضمنه من جماهير تتحلق حول شاشات التلفزة في بيوتها أو في المقاهي لسماع حديثه عن أن "المقاومة قادرة على إعادة اسرائيل إلى العصر الحجري"، ومشهد مقابِل بطله جماهير لم تكن مهتمة بما يقوله، وجسّدها في متابعي مهرجان بياف، وهو حدث فني سنوي يقام في وسط بيروت، كان يعبّر عن فكرة قديمة. وهنا مكمن خطئه.
ينطلق كلام وهبة من فكرة ظهرت منذ بداية التسعينيات، عن إمكانية التعايش بين سلاح حزب الله وبين الدولة، فكرة قُتلت في شباط/ فباير 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.
كانت هنالك فلسفة رائجة، لا يزال مؤيدو حزب الله يرددونها حتى الآن في مساجلاتهم لخصومهم، عن أنه يمكن تحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان في ظل نشاط حزب الله في جنوب لبنان مع عزل باقي المناطق عن تبعات هذا النشاط لتكون مكاناً قادراً على استقطاب السائحين عبر ما فيها من أماكن سهر ولهو وحياة هادئة.
هذه المعادلة التي تتضمن منذ أول أيامها عوامل تفجيرها صمدت لسنوات، برعاية النظام السوري، وبنوع من غطاء دولي لها. ولكن منذ انسحاب إسرائيل عام 2000 من معظم الأراضي اللبنانية التي كانت تحتلها بدأت تتهاوى وقتلها تغيير حزب الله لطبيعة مشاركته في النظام السياسي اللبناني من كونه حزباً يكتفي بإيصال بعض النواب إلى البرلمان إلى حزب يريد المشاركة في الحكومة ثم حزب يريد السيطرة على الحكومة وتحديد سياساتها.
مع هذا التغيّر انتهت المعادلة السابقة، وصار لبنان بمؤسساته السياسية مسؤولاً عن كل تصرّف يقوم به حزب الله بدون تنسيق مع باقي المكوّنات، وهو ما لا يكل المسؤولون الإسرائيليون عن ترديده، ولم تعد المعادلة القديمة الهشة قادرة على الاستمرار.
هنا بالضبط مكمن خطأ وهبة. لم يلحظ في تغريدته هذه المتغيّرات ولم يلحظ أن ما استجد غيّر وعي جماهير حزب الله.
حملة عنيفة ضد الإعلامي اللبناني #يزبك_وهبة بسبب تغريدة بسيطة كتبها... #حزب_الله لا يزال يمارس الشراكة مع باقي المكونات اللبنانية، بشكل أو بآخر، لكنه صنع جماهير تقف دائماً على يمينه
تغريدته "تنتقص من حجم أنا جماهير حزب الله التي تضخّمت كثيراً في السنوات الـ14 الماضية"... حملة عنيفة ضد الإعلامي اللبناني #يزبك_وهبة بسبب تغريدة بسيطة كتبها
فهذه الجماهير لم تعد تكفيها نفسياً فكرة بناء لبنان على معادلة مزدوجة، ولم تعد تقبل بأية "فلسفة" تقوم على أساس أن حزب الله له حصة محدودة من تقرير أمور حياة اللبنانيين، أو بعضهم ممن يعيشون في مناطق سيطرته المباشرة. صاروا يرفضون أي خطاب لا يعترف بأن حزبهم المفضّل يهيمن بالكامل على لبنان.
حزب الله لا يزال يمارس الشراكة مع باقي المكونات اللبنانية، بشكل أو بآخر، لكنه صنع جماهير تقف دائماً على يمينه.
لهذه الأسباب قامت الحملة ضد تغريدة وهبة، لأنها تنتقص من حجم أنا الجماهير التي تضخّمت كثيراً في السنوات الـ14 الماضية. ما عادوا يقبلون بالتسويات التي يتلاقى الجميع في منتصفها، بل صاروا يشعرون بأنهم يمتلكون القوة والحق لتقرير شؤون لبنان والدول المحيطة فيه والشرق الأوسط وربما العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين