ليست المرّة الأولى التي ينتحر بها شاب "بدون" لأنه يائس، و"البدون" أو غير محدّدي الجنسيّة أو عديمو الجنسيّة أخيراً، حسب تسمية الحكومة الكويتيّة، هم المقيمون بصورةٍ غير قانونيّة، أو أهل البادية، وهم فئة سكانيّة تعيش في الكويت لا تحمل الجنسيّة الكويتيّة، ولا جنسيّة غيرها من الدول.
ضاقت على "عايد" سبل العيش وتمّ تضييق الخناق عليه، وأصبح الموت ملاذه الوحيد، بعد أن أصبحت حياته معلّقة على بطاقةٍ أمنية، إن انتهت صلاحيتها انتهت حياته فعلياً. منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والبدون لا يستطيعون استلام رواتبهم بسبب انتهاء البطاقة الأمنيّة التي أصبحت غير قابلة للتجديد للعديد منهم، الذين لا يستطيعون تلقي أيّ رعاية صحيّة بدونها، بكلّ بساطة لا يستطيع البدون الحصول على أيّ شيء، حتى عرق جبينه أي معاشه بدون تجديد البطاقة الأمنيّة.
الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون، والذي تأسّس في عام 2010، لم يستطع أن يحلّ مشاكل البدون، بل على العكس تماماً، فقد ازدادت الأوضاع سوءاً، وأصبحت أكثر سوداويّة، رغم سجلّ الكويت الناصع إنسانيّاً، إلّا أن وضع البدون المعلّق يعتبر "نقطة سوداء" في تاريخ انجازات الكويت الإنسانيّة.
إن قضية التجنيس متروكة للدولة الكويتيّة، ولها الحقّ في تجنيس المستحقّين، لكن ما يحدث في قضايا التوظيف والعلاج والزواج والتعليم للبدون هو ظلم لا محالة، الأمية تنتشر بينهم بسبب عدم قدرتهم على التسجيل بالمدارس، لأنهم لا يستطيعون التسجيل بالمدارس الحكوميّة المجانيّة، فيضطرّون للتسجيل في مدارس أهليّةٍ رديئة فقط لضمان فرصة التعليم، والتي تُثقل كاهل الأهل، يعاني الكثيرون منهم من البطالة أو قلّة الأجور، والتي عتبر متوسطها أدنى من الراتب الذي يتقاضاه الوافد في الكويت.
كم عايد يجب أن يرفع راية اليأس وينتحر لأن هناك من يظن بأنه يخبّئ جنسيته، تلك التي لم ترحمه من اليأس والانتحار؟
مؤخّراً، توقّف الجهاز عن تجديد الكثير من البطاقات الأمنيّة التي يستخدمها البدون في الكويت كهويّة، وهي ليست جنسيّة، هي مجرّد بطاقة تُثبت وجوده كشخصٍ "غير محدّد الجنسيّة" في الكويت، هذه البطاقة تسمح له بالدخول للمستشفيات وإجراءات معاملاته البنكيّة، وحتى هذه البطاقة باتت لا تجدّد للكثيرين منهم مؤخّراً، ما أثار أزمة عدم استلام كثير من البدون لرواتبهم بسبب انتهاء بطاقاتهم الأمنيّة.
كثيرة هي الضغوط التي يعيشها البدون، ويمارس الجهاز المركزي سياسة الضغط حتى يخرج المدّعون منهم جنسياتهم الأخرى، وهناك فئة ظُلمت ، تحمل الاسم "إحصاء 65" (وهي فئة بلا جنسيات أخرى، وقدّمت طلب تسجيل للجنسية الكوتية عام 1965) ولم تحصل على أبسط حقوقها، لم يستطع الجهاز المركزي للبدون أن يعالج مشكلتهم بشكلٍ جذري على مدى 9 سنوات، وهو الأمر الذي يستدعي تدخّلاً جديداً لحلّ مشكلتهم، قد يبدأ هذا التدخّل بحلّ هذا الجهاز الذي لم يقم بشيء يُذكر.
منذ نوفمبر الماضي، والبدون لا يستطيعون استلام رواتبهم بسبب انتهاء البطاقة الأمنيّة التي أصبحت غير قابلة للتجديد للعديد منهم... بكلّ بساطة لا يستطيع البدون الحصول على أيّ شيء دون تجديد البطاقة الأمنيّة.
حادثة انتحار البدون بسبب اليأس وسياسة الموت على قيد الحياة ليست الأولى وأخاف ألا تكون الأخيرة، ولكن هل ستمرّ هذه الحادثة كأيّ حدثٍ عابر يشغل وسائل التواصل الاجتماعي لأيام، ثمّ نلتهي بهاشتاغ جديد وترند جديد، وتبقى قضية البدون معلّقة حتى إشعار آخر؟
كم عايد يجب أن ينتحر حتى تستفيق ضمائر المسؤولين؟
كم عايد يجب أن يرفع راية اليأس وينتحر لأن هناك من يظن بأنه يخبّئ جنسيته، تلك التي لم ترحمه من اليأس والانتحار؟
كم عايد سينتحر لينتصر صوت الحقّ؟
كم عايد انتحر من قبل ولم نسمع عنهم؟
هل ذهبت حياة عايد بلا قيمة؟
أي صفعة تحتاج الضمائر لتستيقظ من سباتها العميق، ومن مصالحها الشخصيّة ومن مكاسبها الانتخابيّة لتقف بصف الحقّ، وليس خلف الأصوات والناخبين، من سينصف عايد الذي لا يملك هوية ولا وطن ولا صوت يختار نوابه؟
حادثة انتحار البدون بسبب اليأس وسياسة الموت على قيد الحياة ليست الأولى وأخاف ألا تكون الأخيرة، ولكن هل ستمرّ هذه الحادثة كأيّ حدثٍ عابر يشغل وسائل التواصل الاجتماعي لأيام، ثمّ نلتهي بهاشتاغ جديد وترند جديد، وتبقى قضية البدون معلّقة حتى إشعار آخر؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
حَوراء -
منذ 10 ساعاتشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ يومكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ يوماي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ يومينوحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...
mahmoud fahmy -
منذ أسبوعكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم