على صفحته في فيسبوك صورة لامرأة فلسطينية في مسيرة العودة المصادفة في 4 أبريل 2018 والتي عرفت بجمعة الكوشوك في مقاطعة غزة الفلسطينية وكتب التالي.
يرى افيخاي ادرعي المتحدث بلسان جيش الدفاع الاسرائيلي للاعلام العربي أن النضال من أجل الحرية واسترجاع الأرض عمل لا أنوثة فيه وغير مخصص للنساء، وأن المرأة غير الأنثوية المنصاعة الخاضعة، امرأة "غير صالحة" و"غير شريفة"، وأن مكان المرأة الفلسطينية هو بيتها ودورها هو الاهتمام بأولادها فقط.
ناهيك بأبوية وذكورية خطاب افيخاي فإن خطابه معادٍ للمثلية أيضاً لقد قالها بالخط العريض المرأة غير الأنثوية والتي لا تريد الزواج من رجل ولعب دور ربة البيت هي امرأة "غير صالحة، مخربة، غير شريفة، طالحة، همجية وحقيرة" وبأن زينة النساء أنوثتهن وخضوعهن للرجل وتربيتهن لأولادهن.
لكن ماذا عن النساء المثليات؟ والنساء عابرات النوع الاجتماعي اللواتي تدعي إسرائيل أمام العالم تقدميتها وتحضرها من خلال "تقبلهن" والـ"تسامح" معهن؟
يبدو أن إسرائيل بالعربية مختلفة عن إسرائيل بالانجليزية، ففي الوقت الذي تسوق فيه نفسها كوجهة للسياحة الغربية نحو الشرق الأوسط، حيث أنفقت 90 مليون دولار في 2010 للحصول على لقب عاصمة السياحة المثلية لتل أبيب لتستغل حقوق المثليين في التغطية على انتهاكاتها الحقوقية ضد الشعب الفلسطيني، وكأن "تقدمية" إسرائيل في مجال حقوق المثلية ومحاولة إثبات عداء المجتمع الفلسطيني تحديداً (والشرق أوسطي بشكل عام) للمثلية الجنسية، كما قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي أمام الكونجرس كإشارة للشرق الأوسط على أنه المكان الذي "يشنق فيه المثلي وترجم فيه النساء" وبأن دولته الوحيدة "المحترمة" لحقوق المثليين ستبرر انتهاكاتها الموثقة من قبل جمعيات حقوق الإنسان الدولية.
ولنتخيل ما الذي سيحدث لذلك الخطاب لو حقق نضالنا للحريات الجنسية والجسدية أهدافه في المنطقة داخل المجتمعات الناطقة بالعربية بشكل عام والفلسطيني تحديداً. بالتأكيد ستخسر إسرائيل ورقتها الرابحة التي تستخدمها في حماية نفسها أمام المحافل الدولية، لذلك يبدو من المهم جداً أن ترسخ إسرائيل من خلال إعلامها العربي إيديولوجيات العداء تلك المرتبطة بالأبوية وكره النساء وعداء المثلية في المجتمعات الناطقة بالعربية.
يرى افيخاي ادرعي المتحدث بلسان جيش الدفاع الاسرائيلي للاعلام العربي أن النضال من أجل الحرية واسترجاع الأرض عمل لا أنوثة فيه وغير مخصص للنساء..
أنفقت إسرائيل 90$ مليون عام 2010 للحصول على لقب عاصمة السياحة المثلية لتل أبيب لتستغل حقوق المثليين في التغطية على انتهاكاتها الحقوقية ضد الشعب الفلسطينيهذه المقالة تحاول فهم توظيفات أيدلوجيات عداء المثلية التي يقوم الخطاب الصهيوني على نسبها للمجتمع الفلسطيني في المحافل الدولية باللغة الإنجليزية من جهة، ويرسخها في إعلامه الناطق بالعربية في المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، وما إذا لعب قيام الاحتلال الصهيوني أي دور بترسيخ أي نوع من أيدلوجيات معادية للمثلية الجنسية داخل المجتمعات الناطقة بالعربية عبر الزمن من خلال هذا الخطاب؟
الاستعمار ونشر عداء المثلية تاريخياً
لقد اشمئز الزوار القادمون من الغرب من تسامح وانفتاح المجتمعات العربية والشرقية عموماً مع الممارسات الجنسية المثلية بين الرجال تحديداً، في الوقت الذي كانت تعتبر جريمة وانحرافاً في الغرب وتعاقب بالسجن إن لم يكن بالموت. كانت الدولة العثمانية قد ألغت تجريم الممارسة الجنسية المثلية عام 1858، كل هذا الاشمئزاز والتقزز الغربي من الانفتاح الجنسي في بلادنا بشكل عام في ظل حملات استعمارهم لها، لعب دوراً بالقضاء على ذلك الانفتاح واستبداله بكراهية وعداء للمثلية والمثليين جنسياً في المجتمعات المحلية. فالمستشرق البريطاني ريتشارد ف. برتون في عام 1886 يؤكد أن الغرب من خلال اتصاله الواسع المشمئز قد فرض نوعاً من الكتمان على الممارسات الجنسية المثلية في المجتمعات الشرقية، فيقول "في عصرنا الحاضر، فإن الاتصال الواسع بالاوروبيين لم ينتج إصلاحاً بل نوعاً من الكتمان بين أفراد الطبقات المترفة، رذيلتهم على حالها اليوم كما كانت في الماضي، لكنهم لا يريدون عرضها أمام عيون الغرباء"[1] كما يذكر تشارلز ليندولم في عام 1982 حول ما يتعلق بشمال باكستان أن "العلاقات المثلية كانت أكثر شيوعاً منذ جيل مضى عما هو عليه الآن، قبل تدخل النفوذ الغربي الذي جلب معه وصمة العار حول المثلية الجنسية، على الأقل بين المتعلمين"[2]. ويؤكد العالم السياسي اللبناني أسعد أبو خليل حدوث الأمر نفسه في البلاد العربية أيضاً "حين وفد التغريب إلى الشرق الأوسط، جلب معه عناصر متنوعة من أيديولوجيات العداء الغربية، مثل رهاب المثلية الجنسية، لا نقول إنه لم تكن هناك عناصر معادية للمثلية الجنسية في التاريخ العربي/الإسلامي، ولكن تلك العناصر لم تشكل أيديولوجية عداء كهذه".[3] فأن تسبب الاستعمار والتدخل الأجنبي الغربي بحسب أدبائه وأدبائنا على حد سواء بنشر عداء المثلية في بلادنا من خلال هذا الاشمئزاز، فهل لعب الاحتلال الإسرائيلي ذو الدور بصفته امتداداً لتلك المطامع الغربية في أرض الشرق؟عداء المثلية في النصوص العبرية
في أهم النصوص الطبية ونصوص علم الجريمة العبرية المطبوعة في فلسطين في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، تم تصوير الممارسات المثلية الذكرية بشكل أو بأخر على أنها صفة شرقية مثيرة للاشمئزاز تماماً كما فعل الخطاب الاستشراقي من قبل، فعلى سبيل المثال كتاب أعداء الشباب عن العداوات المنقولة جنسياً يسهب الحديث حول "البغاء المثلي" و"العلاقات الجنسية بين الرجال"، مشيراً إلى أن "هذه الممارسات أكثر شيوعاً في أرض المشرق"[4]. أما المستشرق يوسف واستينز[5] فقد أشار إلى "النزعات المثلية" في المدن السامرية، وفي مقدمتها نابلس، في حين أن الدكتورة توفا أشكنازي الرائدة في الدراسات البدوية الصهيونية[6] اقترحت أن "البلوغ الجنسي عند البدو يحدث مبكراً في سن أصغر، والشهوة المبكرة تدفعهم نحو علاقات غير طبيعية"[7]، وهو ما يحاول جعل الممارسات المثلية "غير الطبيعية" بحسب تصريحها جزءاً من البداوة المحلية لا يجدها المجتمع البدوي شائنة ولا يحارب وجودها. أما عالم الجريمة كارل فرانكنشتاين الألماني المولد، فتعامل مع المثلية الجنسية في الجامعة العبرية بعمق أكثر في كتابه إهمال الشباب المنشور سنة 1947 وأكد على النزعة إلى الممارسات الجنسية المثلية بين الرجال في نابلس حيث ادعى أن"جريمة المثلية الجنسية شائعة"، وأن "الجرائم الجنسية" أكثر انتشاراً بين الشباب من خلفية شرقية مقارنة مع الشباب الأوروبي.[8] وفي مقالة نشرتها الصحيفة العبرية إيتون ميوشاد في يناير 1934 تحت عنوان العالم السفلي في تل أبيب[9] نجد أن جزءاً من المقالة يصف "نوادي المثلية الجنسية" وكمحاولة لشرح انتشار ذلك "الشذوذ" على حد تصريحه في المجتمع اليهودي تذكر"هذه الشذوذات أكثر شيوعاً في الشرق، فالمرء لا يضطر للبحث عنها في أزقة يافا ومقاهيها ستشاهد الشباب المترف يمارس الحب في العلن ولا يكتفي بيافا، فيذهب إلى تل أبيب ليحتفل" هذا لا يوثق لنا اشمئزاز المجتمع الصهيوني من المثلية الجنسية في الماضي (كما في منشور افيخاي على فيسبوك بالعربية في الحاضر) وعداءه لها فحسب بل تقبل المجتمع الفلسطيني لها بالمقابل آنذاك (أي قبل الاحتلال) . هذا مثال على الكثير من المقالات والأدبيات العبرية الأخرى التي تؤكد الفكرة نفسها حول تسامح المجتمع الفلسطيني مع التعددية الجنسية واعتبار الأدبيات العبرية ذلك "الوباء" مصدر خطر على المجتمع الصهيوني حينذاك، وهو ما يذكرنا كثيراً بالخطاب العربي المعادي للمثلية الشائع (ليس عن طريق الصدفة) في بلادنا اليوم. يقول أوفري عيلاني في مقالته الرذيلة الشرقية: تمثيلات اللواط في الخطاب الصهيوني المبكر. [caption id="attachment_152093" align="alignnone" width="700"] من مسيرة الفخر في تل أبيب 8 يونيو 2018[/caption]الاستنتاج
من مسيرة الفخر في تل أبيب 8 يونيو 2018 برز الخطاب الصهيوني العبري الكاره للمثلية (الفلسطينية) في الماضي الممتد بالخطاب الإعلامي الصهيوني العربي في الحاضر، والخطاب الصهيوني الكاره لكارهي المثلية (الفلسطينيين) بالانجليزية. اليوم هما الخطاب نفسه، الهدف منه هو شرعنة الاحتلال والفصل العنصري وهو خطاب معادٍ للمثلية بجوهره، هدفه خدمة المشروع الصهيوني المنتهك لحقوق شعب بأكمله بمثليه وغيريه، لا أريد أن أناقش في هذه المقالة مدى كذب تلك الادعاءات التي تسوقها الصهيونية حول تقبلها للمثلية مقابل عداء المجتمع الفلسطيني لها، متجاهلةً وجود جمعيات فلسطينية مثلية (أصوات نساء فلسطينيات مثليات والقوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني) مناهضة للاحتلال أو أن قانون تجريم الممارسات الجنسية المثلية في" الضفة الغربية"، الذي وضعه الانتداب البريطاني بالأساس قد تم إلغاؤه في الخمسينات، لأنني سأبدو وكأنني أؤكد حينها شرعية الاحتلال في حال كانت تلك الاضطهادات حقيقية الحدوث في الأرض الفلسطينية والشرق الأوسط، فإن كانت إسرائيل ترى شرعية احتلال أرض الشعوب التي لا "تتسامح" مع المثلية كما تسوق من خلال غسيلها الوردي، فحان الوقت لنجعل إسرائيل تتساءل حول سبب عدم تسامح تلك الشعوب مع المثلية؟ وما إذا كان ذلك الاحتلال قد سبب عدم التسامح هذا من الأساس، خصوصاً أن الأدبيات العبرية تؤكد وتحتقر وجود ذلك التسامح بشكل مفرط في الأرض الفلسطينية قبل حدوث ذلك الاحتلال، وتأكيد نفس الأدبيات العبرية الرسمية بأن عدم التسامح مع المثلية كانت سمة يحتفل بها المجتمع الصهيوني حينها بدلاً من الفلسطيني، فهل يمكن أن يكون الاحتلال قد سبّب معاناة المثليين الفلسطينيين بنشر الكراهية ضدهم وليس فقط باحتلال أرضهم وقتل وتهجير وتعذيب شعبهم في سجون ذلك الاحتلال. لقد تغير الوضع اليوم إذ أصبحت غالبية الحركات حول العالم أكثر وعياً باستغلال إسرائيل حقوق المثليين لأغراض غير إنسانية مشينة، وبدأ النشطاء حول العالم الكتابة والحديث وعقد النقاشات حول ذلك وفضح الاحتلال الإسرائيلي، ففي 2017 وجدنا 50 ناشطاً إسرائيلياً يعلنون اعتراضهم على الاحتلال والعنصرية والغسيل الوردي، وكذلك إنتاج الفيلم الوثائقي كشف الغسيل الوردي: سياتل تحارب بالمقابل، عام 2015، الذي يتناول غضب نشطاء في عام 2012 رداً على محاولة تغطية إسرائيل لانتهاكاتها باستخدام الحقوق المثلية في ولاية سياتل، وحركة "مراقبة الوردي الإسرائيلي" والتي هي مجموعة من النشطاء العرب تأسست في 2010 لفضح سياسات إسرائيل ومقاطعة المؤسسات والأحداث المسوقة لاستغلال حقوق المثليين في اضطهاد الشعب الفلسطيني وغيرها الكثير، التي تمنحنا الأمل في وقف تلك السياسات المستخفة بعقولنا وإنسانيتنا وجنسانيتنا حول العالم وإنهاء الاحتلال. [1] Georg Klauda, Globalizing Homophobia, Dec 08, 2010, mronline.org [2] Charles Lindholm, Generosity and Jealousy: The Swat Pukhtun of Northern Pakistan (New York: Columbia University Press, 1982), 224. [3] AbuKhalil,As‘ad,A Note on the study of homosexuality in the arab/islamic civilization, the arab studies journal(fall,1993), p34. [4] Seidman , M. 1950 . Enemies of Youth [ Oyvey hano’ar ] . Tel Aviv : M. Neuman p127 [5] Waschitz , Y. 1947 . The Arabs in Eretz Yisrael [ Ha’aravim be’eretz yisra’el ] , Merhavia : Sifriyat Poalim/ Lakol ,p 229. [6] وهي الدراسات الأكاديمية التي تمت على يد باحثين/ات حول حياة البداوة المحلية الفلسطينية بشكل خاص. [7] Ashkenazi , T. 1957 . The Bedouins – Their Origins, Lives and Customs [ Habedouim – motza’am, khayeihem uminhageihem ] . Jerusalem : Re’uven Mass, p73. [8] Frankenstein , C. 1947 . Youth Neglect: What is It, How it Came About and its Signs [ Azuvat Hano’ar: Mahuta, hithavuta usimaneiha ] . Jerusalem : Szald Children and Youth Institute, p 140. [9] Iton Meyuchad . 1934 . “In the Tel Aviv Underworld.” Iton Meyuchad , January 31.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...