يُقدّم فيلم (نورهان، حلم طفلة) للمخرجة مي قاسم، نموذجاً مثالياً للتطرّق لصعوبات امتهان المرأة للفنِّ في العالم العربي. فنورهان، جدّة المخرجة، امتهنت الغناء في الستينيات. حكاية الفيلم تنطلق مع اكتشاف الحفيدة، وهي مخرجة الفيلم مي قاسم، لماضي جدّتها الفنّي والغنائي.
بعد أن تخرّجت مي قاسم من دراسة السينما، حاولت جدّتها مساعدتها، وقدّمتها إلى مشاهير عالم الفنّ، هكذا اكتشفت الحفيدة الموهبة والشهرة التي كانت تتمتّع بهما جدّتها في العالمين الغنائي والسينمائي بين أعوام 1940 – 1965، ومن هنا بدأت تتقصى أخبارها في بحث كانت ثمرته فيلماً وثائقياً حمل عنوان: "نورهان: حلم طفلة".
فبعد أن تخرّجت مي قاسم من دراسة السينما، وحين حاولت جدّتها مساعدتها، قدّمتها إلى مشاهير منهم دريد لحام، وهنا اكتشفت الحفيدة الموهبة والشهرة التي كانت تتمتّع بهما جدّتها في العالمين الغنائي والسينمائي بين أعوام 1940 – 1965.
قرّرت مي قاسم أن تخصّص فيلماً عن هذا الماضي الفنّي لجدّتها، باستعادة الأرشيف البصري، السمعي، والفوتوغرافي لتصنع الفيلم، وأضافت في الأساليب السرديّة للفيلم التصميم الغرافيكي لرسوماتٍ متحرّكة. على المستوى التوثيقي لا يكتفي المشاهد بالتعرّف على ماضي الجدّة المغنّية، بل يتعرّف على مراحل فنيّة، غنائيّة، وسينمائيّة في الأربعينيات حتى الستينيات.
بدأ زوجها يعترض على حياتها المهنيّة، وفي نوبة غيرةٍ حرق كامل ألبوماتها وصورها وفساتينها، وبسبب قبلةٍ ظهرت بينها وبين ممثل في فيلم (الخير والشر)، حرق أرشيفها السينمائي: قصّة اعتزال نورهان الفنّ وهي في أوج شهرتها
طفولة نموذجيّة لفنّانة
نورهان من عائلةٍ شركسيّة استقرّت في دمشق، واسمها الأصلي هو (خيرية شركس)، ونورهان هو اسمها الفنّي الذي ستكتسبه لاحقاً، وهو مؤلّفٌ من دمج اسمي نور الهدى وأسمهان.
منذ الطفولة، اكتشفت نورهان آلة الفونوغراف في منزل الجارة، فتعلّقت بهذه الآلة التي تسمح لها بالإنصات إلى إسطوانات أم كلثوم، وتذكر منها أغنية (يلي حبك يا هناه)، واسطوانات محمد عبد الوهاب، وتغني بمرافقة الأصوات المسجَّلة، ثمَّ صارت تغنّي في استقبالات النساء الصباحيّة في البيوتات الدمشقيّة الكبيرة.
هي طفولة نموذجيّة لطفلةٍ ومن ثمّ فتاة، أحبّت الموسيقى والغناء، وأظهرت موهبةً في هذا المجال. ستحقّق نورهان النجاحات، وتقيم العديد من الحفلات في كلٍّ من العراق، سورية، لبنان، تونس والقاهرة، وستتعرّف إلى كبار الموسيقيّين مثل فريد الأطرش.
تُطلعنا في الفيلم على ورقةٍ موقّعةٍ من قبل محمد عبد الوهاب يمنحها الإذن بتقديم أغنيته (فات يوم)، إحدى الصور الفوتوغرافيّة تجمعها بالمغنية أنطوانيت اسكندر، وأمير البزق محمد عبد الكريم، كتب خلف الصورة: "ها نحن الثلاثة الغلبانين والمعذّبين في هذا العالم، ليس لدينا سوى الموسيقى سلوى لقلوبنا المحطّمة، فلا نحيا سوى لها ولا يبقى لدينا غيرها في الوحدة".
لحن لها العديد من الموسيقيين المرموقين: محمد محسن، فيلمون وهبي، حليم الرومي، سامي الصيداوي، عبد الرحمن الخطيب، ومحمد عبد الكريم، ومن عناوين أغانيها: بلد الجمال، مالك ومالي، يا مرخصين دمعكم، مين قلك حب. عملت نورهان أيضاً في الإذاعة اللبنانيّة، وكذلك صوّرت أفلاماً سينمائيّة منها: الخير والشر، 1946، ابنة الشرق، 1947، وليلى في العراق، 1951. لكن لماذا تتوقّف مغنيةٌ وممثلةٌ بعد كلِّ هذه النجاحات عن الفنِّ فجأة؟ وما هي العوامل التي تجعل من حالة الفنّانة نورهان نموذجيّة في دراسة معوّقات المرأة العربيّة في المجال الفنّي؟
الزواج المبكر والأمومة
تزوّجت نورهان في الرابعة عشر من عمرها، وهو زواج لم ينشأ عنه تفاهم، اختلفت طبيعة زوجها عما توقّعته من الرجال. بدأ زوجها يعترض على حياتها المهنيّة، وفي نوبة غيرةٍ حرق كامل ألبوماتها وصورها وفساتينها، وساءلها عن قبلةٍ ظهرت بينها وبين الممثل في فيلم (الخير والشر)، أجابت نورهان بأن الأمر مجرّد تمثيل، إلا أنه أقدم على حرق أرشيفها السينمائي، وبعد خمس سنوات جرى بينهما الطلاق.
تزوّجت للمرّة الثانيّة من الممثّل محمد سلمان، لكنها تركته لإدمانه القمار. لكن الأساسي هو أثر الزواج المبكّر على حياتها، وحياة أيّ موهبةٍ فنيّة، وخصوصاً أنه سيقود إلى الأمومة المبكّرة، فابن نورهان الأوّل سيفارق الحياة بسبب قلّة خبرتها في دور الأمومة على حدّ تعبيرها، ومن ثم ستنجب زياد، ابنها الذي ستعمل جاهدةً لتربيته وتنشئته.
النظرة الاجتماعية إلى الفنِّ
تروي نورهان عن حفلةٍ غنائيّةٍ دُعيت إليها مع صديقتها المغنية أنطوانيت اسكندر إلى مدينة حماه، وقد قامت مظاهرات في المدينة رافضةً قيام الحفلة، هتف المحتجّون: "فلتسقط الرذيلة"، كانت مدينة حماه تعيش صراعاً ثقافيّاً، لكن مدير الشرطة، الذي تنوّه نورهان أنه كان من الشركس، أصرَّ على عقد الحفلة، ووضع مدفعاً فوق المسرح. صب المحتجّون الماء الحارق على وجه نورهان، في الصور المنتشرة لها للإعلان عن الحفلة في شوارع المدينة. هنا تعاني الفنانة من نظرة المجتمع إلى الفنِّ إلى حدِّ وصفه بـ" الرذيلة ".
تروي نورهان أيضاً ما تعرّضت له من مضايقات في مهنتها كمغنّية، بسبب النظرة الاجتماعيّة إلى الفّنانة، تقول: "صاروا يطلبون مني مسايرة فلان والجلوس معه"، بمعنى أن تقوم بدور المغوية لبعض المعجبين بها من جمهورها، ما هو خارج حدود المهنة الفنيّة، لذلك وصفت نورهان الوسط الفني بـ"الزواريب المتسخة". وكذلك، لعب المردود المادي دوراً في ترك نورهان للغناء، فكان المردود ضعيفاً، تقول نورهان عن ذلك: "كنت أحيي الكثير من الحفلات المجّانيّة، حفلات لنقابة الفنّانين، للنادي العربي، وقدمت 40 حفلة مجانيّة لأجل فلسطين".
من خلال هذه التجارب، تكوّنت لدى نورهان نظرة حذرة عن الفنّ، فها هي حين سيكبر ابنها زياد، ستعتزل الغناء، توضّح السبب: "لم أكن أرغب في أن يكبر ابني زياد في هذه الأجواء، ويشيرون إليه بالإصبع بأنه ابن فنّانة تغنّي على المسارح في الليالي".
"لم أكن أرغب في أن يكبر ابني زياد في هذه الأجواء، ويشيرون إليه بالإصبع بأنه ابن فنّانة تغنّي على المسارح في الليالي": نظرة المجتمع للفنّ كانت سبباً في ضياع فرص فنانات مبدعات اعتزلن عملهن وشغفهن لحماية أسرهنّ.
هنا تستسلم نورهان إلى نظرة المجتمع بأنّ الفنَّ هو مهنة قد تأتي بالعار لابنها، وهنا لا يكون عامل الأمومة هو العائق، بمقدار ما تكون النظرة المتحيزة إلى الفنّ التي تؤثّر حتى في تقييم الفنان لنفسه، وتحديداً الفنّانات، حين يبخسن قدر أنفسهن، ويشعرن بالعار تجاه المهنة التي يمارسنها.
على إثر تركها الفنّ تضطرّ نورهان لإعالة نفسها وابنها، أن تفتح صالون حلاقة نسائي لاقى شهرة واسعة، إذ كانت النساء ترتاده لمشاهدتها والتعرّف عليها كنجمةٍ عربيّةٍ مشهورة، وتأثّر الابن زياد بعمل صالون والدته للتزيين، وسافر إلى فرنسا للتخصّص في هذا المجال.
هنا نجد أن نورهان تخشى على ابنها من تأثّره بمهنتها كفنّانة، لكنها لا تخشى من تأثره بمهنتها الثانية. في الفيلم أيضاً نتعرّف على أحد أفراد عائلة نورهان، باسم نشأت، وهو يهوى الغناء لكن نورهان ترفض دخوله في عالم الفنّ أيضاً.
حكاية نورهان أي (خيريّة شركس) هي حكاية جيل يقدّمها الفيلم، للتعرّف على العوائق التي تقف في طريق المرأة العربيّة لامتهان الفنّ، ومن العوائق الواضحة أمام تقدّم المرأة العربيّة أكثر، وإنتاج المجتمع العربي لعدد أكبر من الفنّانات نجد: الزواج، الأمومة، النظرة الاجتماعيّة والنظرة الدونيّة للفنّ.
نورهان موهبة واحدة من مواهب خسرناها ونخسرها يوميّاً في مجالات الفنّ العربي كافة، وحكايتها في هذا الفيلم تحيي هذا الشغف وهذه الموهبة التي لم تلق دعماً كافياً، ولكنها على قصر عمرها تستحق الاهتمام والتقدير.
يعرض الفيلم حالياً في سينما ميتروبوليس صوفيل في بيروت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع