شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لا تزال الأعمال المنزليّة تعتبر عملاً مرهوناً بالمرأة... قم يا رجل!

لا تزال الأعمال المنزليّة تعتبر عملاً مرهوناً بالمرأة... قم يا رجل!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 28 يونيو 201909:01 م

"في كلِّ مرة أزورك فيها وأراقب كيف يساعدك زوجك في المهام المنزليّة وكيف تقسّمون الأدوار بينكما أشعر بأنني على استعدادٍ لطلب الطلاق من زوجي الكسول"، هذه الكلمات خرجت من فم صديقتي في يومٍ من الأيام عن طريق المزاح، غير أن الحسرة كانت باديةً على وجهها.

منذ أن تزوّجت "سمر" (28 عاماً) وجدت نفسها أمام شريكٍ يحبّها ويعمل ليلاً نهاراً لتأمين جميع طلباتها، إنما تتحكّم العقليّة الشرقيّة بجميع تصرّفاته، إذ يرفض رفضاً قاطعاً مساعدتها في تدبير شؤون المنزل، على اعتبار أن الأعمال المنزليّة هي مسألة خاصّة بالنساء، ودخول الرجل في مثل هذه التفاصيل الصغيرة هو انتقاص من رجولته، أما المشكلة الأكبر فتكمن في كونه يزرع في رأسها باستمرار الشعور بالذنب والتقصير، بخاصّةٍ عندما يعود إلى المنزل ويجد أنها لم تنته من ترتيب المنزل، ووضع كلِّ غرضٍ في مكانه المحدّد، فتضطرّ حينها لخلق الأعذار والتبرير وكأنها متهمة بجريمةٍ خطيرة وتحاول الدفاع عن نفسها.

 

الامتيازات الذكوريّة

بالرغم من الأصوات الكثيرة التي تطالب بإزالة الفوارق بين الرجال والنساء، وكسر الصور النمطيّة، والوقوف بوجه القوالب الاجتماعيّة التي تعتبر أن الرجل كائن "أسمى" من المرأة ويتمتّع بحقوقٍ وامتيازاتٍ خاصّة، وبمعزل عن الانجازات الكثيرة التي حقّقتها المرأة لناحية فرض نفسها وإثبات حقِّها في أن تكون متساوية مع الرجل، إلا أنه، وحتى هذه اللحظة، لا تزال مسألة الامتيازات الخاصّة بالرجال تتفوّق في هذه المعادلة.

خلف جدران منزلها، قد تعيش المرأة شكلاً من أشكال الظلم، ولا نتحدّث هنا عن الممارسات المجحفة التي قد يمارسها بعض الرجال بحق زوجاتهنّ، كإرغامها على ممارسة الجنس معه (الاغتصاب الزوجي) أو حرمانها من حقوقها الأساسيّة (العمل، الخروج من المنزل....)، إنما نتحدّث عن قضيةٍ قد تكون بسيطة بشكلها إنما معقّدة بمضمونها: محاسبة المرأة على فوضى المنزل، ونعتها بأبشع الصفات في حال أخلّت بما يعتبره المجتمع "واجباتها ومسؤوليتها الأساسيّة".

بالرغم من أننا في العام 2019، إلا أنه حتى اليوم تتمُّ مسامحة الرجال الفوضويين على عكس ما يحصل مع النساء الفوضويات.

قد تعيش المرأة شكلاً من أشكال الظلم، ولا نتحدّث هنا عن الممارسات المجحفة التي قد يمارسها بعض الرجال بحق زوجاتهنّ، إنما  عن قضيةٍ قد تكون بسيطة بشكلها إنما معقّدة بمضمونها: محاسبة المرأة على فوضى المنزل

برزت 3 دراسات مؤخّراً لتأكيد ما تعرفه الكثير من النساء بصورةٍ غريزيّةٍ:

 -لا تزال الأعمال المنزليّة تعتبر عملاً مرهوناً بالإناث، خاصّةً بالنسبة للنساء اللواتي يعشن مع الرجال.

-تعمل المرأة في المنزل أكثر عندما تعيش مع رجلٍ، مقارنةً بتلك التي تعيش بمفردها.

-على الرغم من أن الرجال يقضون وقتاً أطول في المهام المنزليّة من الرجال الذين ينتمون إلى الأجيال السابقة، إلا أن الرجل العصري عادةً لا يقوم بالأعمال التقليديّة مثل الطبخ والتنظيف.

وقد تحدّثت الدراسة الثالثة عن السبب المحتمل بالقول: اجتماعيّاً، يتمُّ الحكم على النساء (دون الرجال) بشكلٍ سلبي بسبب منازلهنّ الفوضويّة وإهمال الأعمال المنزليّة.

ويُعدّ هذا مثالاً على كيفيّة تأثير العادات الاجتماعيّة، سواء أكان الفرد يؤمن بها أم لا، على السلوك، كما يقول علماء الاجتماع الذين أجروا البحث، وعندما يتعلّق الأمر بالجنس، كانت التوقّعات بشأن الأعمال المنزليّة من بين أبطأ التغييرات.

الصورة النمطيّة والتوقّعات

تقول "غادة" (29 عاماً) لرصيف 22: "تربيت على فكرة أن المهام المنزليّة هي من مسؤوليّة المرأة، فلم أشاهد أبي يوماً وهو يقوم بتوضيب أيِّ غرضٍ، حتى أنني أذكر جيّداً كيف كانت والدتي تتهكّم عليه بالقول: "أنت تعيش في المنزل كضيفٍ معزّزٍ مكرّم".

وبدورها عندما تزوّجت هذه الشابة، أصبحت تقوم بجميع المهام المنزليّة وحدها، وتحرص دوماً على أن يكون منزلها نظيفاً ومرتباً حتى وإن كانت مريضة: "شو بدّك الناس تحكي عليي وتقول عنّي بلا ترتيب".

والمثير للدهشة أن "غادة" لا تتذمّر من وضعها، لا بل على العكس تدافع عن زوجها بالقول: "حرام شو بدّو يعرّفو بشغل البيت..."، هذا وتؤكّد أنها مع المساواة بين الجنسين في جميع المجالات، باستثناء المهام المنزليّة: "بعد ناقص نشوف شاب حامل المكنسة وعم بنضّف والبنت قاعدة ما عبالي بال...هوّي شغلو متعب أكتر أنا تعوّدت اهتمّ بكل شي بالبيت".

في حديثها لصحيفة "نيويورك تايمز"، توضّح "سارة تابود"، عالمة الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، أن "الجميع يعرف الصورة النمطيّة أو التوقّعات، لذلك حتى لو لم يؤيّدوها شخصيّاً، فسيظلّ ذلك يؤثّر على سلوكهم، حتى لو قالوا إن لديهم آراء تقدميّة حول أدوار النوع الاجتماعي".

 

المرأة تعمل ضعف الرجل

يُعدّ الوقت الإضافي الذي تقضيه النساء في العمل المنزلي غير مدفوع الأجر من جوهر عدم المساواة بين الجنسين، كونه يؤثّر على كيفية تعامل الرجال والنساء في المنزل، ومقدار الوقت الذي تقضيه المرأة في العمل مدفوع الأجر.

في المتوسط، تقضي المرأة 2.3 ساعة في اليوم في المهام المنزليّة، في حين أن الرجل يقضي 1.4 ساعة، بحسب ما كشفته بيانات وزارة العمل الأميركي.

حتى عندما يقول الرجال إنهم يقسّمون العمل المنزلي بالتساوي، فإن البيانات تظهر أنهم لا يفعلون ذلك، لكون المرأة تقوم بالمزيد من هذه الأعمال في المكتب أيضاً.

في إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرت في مجلة Demographic، تمَّ تحليل بيانات المسح الأميركي لاستخدام الوقت، واتّضح أن الأمهات المتزوّجات يقمن بأعمالٍ منزليّةٍ أكثر من الأمهات العازبة، ينمن أقلّ، ويقضين وقت فراغ أقلّ.

وقالت "جوانا بيبين"، عالمة الاجتماع في جامعة ماريلاند: "أحد الاحتمالات هو ما تعتقده النساء أنه متوقّع منهنّ كي يكنّ زوجات وشريكات صالحات وأن يلتزمن بهذه المعايير عندما يعشن مع شخصٍ ما".

وتحدّثت "جوانا" عن وجود احتمالاتٍ أخرى: الرجال خلقوا المزيد من الأعمال المنزليّة، كانت الأمهات العازبات أكثر تعباً، أو أن الأطفال قاموا بمهامٍ أكثر عندما عاشوا مع أم عزباء.

هذا وتظهر الأبحاث أن النساء يملن إلى القيام بمزيدٍ من الأعمال داخل المنزل، مثل التنظيف والطهي، ومعظم هذه الأعمال تحدث بشكلٍ يومي، أما الرجال فيقومون في معظم الأحوال بأعمالٍ خارج المنزل، مثل جزِّ العشب أو غسل السيارة، وهي مهام تحدث بوتيرةٍ أقلّ من الأعمال المنزليّة.

إثبات الذكورة

يبدو أن مسألة الأعمال المنزليّة تتعدّى الحدود الجغرافيّة، فقد وجدت دراسةٌ حديثة نُشرت في مجلة Gender & Society، أن الرجال الذين يعيشون في المدن يقضون وقتاً أقلّ في الأعمال خارج المنزل مقارنةً بالقرويين أو الريفيين، في حين أن النساء يقضين نفس الوقت في إتمام الأعمال المنزليّة، بغضِّ النظر عن الأماكن التي يعيشون فيها.

اعتبر الباحثان "ناتاشا كوادلين" من جامعة أوهايو و"لونغ دون" من جامعة ميريلاند، أن هذا النموذج يكشف مقدار الأعمال المنزليّة التي تُعتبر من مهام المرأة.

وخَلُص الباحثان إلى القول بإنه من بين طرق إثبات الذكورة أن يقوم المرء بانجاز الأعمال المنزليّة التي باتت حكراً على الرجال، والطريقة الثانية تكمن في رفض القيام بالأعمال التي جرت العادة على أنها خاصّة بالنساء.

حاولت دراسةٌ نُشرت الشهر الماضي في دورية Sociological Methods & Research شرح أسباب قيام المرأة بقدرٍ أكبر من الأعمال المنزليّة.

وعليه أجرى الباحثون تجربةً للكشف عن المعتقدات التي تؤثّر على سلوك الناس.

فقد عُرضت على 624 شخصاً صورة لغرفة معيشة عارمة بالفوضى ومطبخ يضمُّ طاولة قهوة مبعثرة وصحون موضوعة على المناضد، وبطانيّات متناثرة في كلِّ مكان، وكذلك عُرضت على المشتركين نسخة نظيفة لنفس المساحة.

وفضحت النتائجُ العذرَ القديم القائل بأن النساء بطبيعتهنّ أقلّ تسامحاً مع الفوضى، إذ تبيّن أن الرجال يلاحظون أيضاً الغبار وأكوام الملابس المتّسخة، ولكنهم لا يُحاسبون بنفس المعايير الاجتماعيّة المتعلّقة بالنظافة.

فعندما قيل للمشتركين بأن المرأة كانت تشغل المساحة النظيفة، حُكم على الغرفة بأنها أقلّ نظافةً مما كانت عليه عندما كان يشغلها الرجل، واعتبر المشتركون أن هناك احتمال بأن ينظر الزائرون إلى الغرفة التي تشغلها المرأة بشكلٍ سلبي، كما رجّحوا أن تشعر المرأة بأنها أقلّ ارتياحاً لاستقبال الزائرين.

وبالرغم من أنه تمّت معاقبة الرجال والنساء حين كانت الغرف فوضويّة، إلا أنه حين تمّ إخبار المشتركين أن شاغل الغرفة رجل، قالوا إنها بحاجةٍ ماسّةٍ للتنظيف، وإن الرجال أقلّ إحساساً بالمسؤولية وأقلّ جدّية في العمل من النساء الفوضويات.

وأشار الباحثان إلى إن الفوضى بدت وكأنها تلعب دوراً في الاعتقاد الشائع الذي يصوّر الرجال على أنهم كسالى، ولكن برز اختلافٌ رئيسي: على عكس النساء، قال المشتركون إنه ليس من المرجّح أن يقوم الزوّار بالحكم على الرجال الفوضويين، كما إنه ليس من المرجّح أن يشعر هؤلاء الرجال بعدم الارتياح لاستقبال الزوّار.

حتى اليوم تتمُّ مسامحة الرجال الفوضويين وتبرير طيشهم ومبالاتهم، على عكس ما يحصل مع النساء الفوضويات

وتعليقاً على هذه الدراسة، قالت "سارة تابود": "يمكن لهذا أن ينشّط القوالب النمطيّة السلبيّة عن الرجال إذا كانوا فوضويين، ولكنه غير هام لأنه لا يتوقّع أن تكون له تبعات اجتماعيّة عليهم"، وأضافت: "سيُنظر إلى الأمر على أنه جزء من طباعهم كصبيان".

هذا واعتبر المشتركون أنه في معظم الوقت ستكون المرأة مسؤولةً عن تنظيف الغرفة، بخاصّةٍ إذا كان شاغلاها رجلاً وامرأة متزوّجين، أو كانا يعملان بدوامٍ كاملٍ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image