من المطار إلى وسط المدينة
عندما تصلون إلى مطار تبليسي، عاصمة جورجيا، يبدو الأمر وکأن فيلماً عن أوروبا الشرقية قد بدأ؛ فكلُّ شيء مألوف بالنسبة لكم، ومن المؤكد أنكم قد شاهدتهم كثيراً من مشاهد هذه المدينة في الأفلام والمسلسلات التي تجري أحداثها في أوروبا الشرقية؛ شعور انتابني أيضاً عندما وصلتُ مطار عاصمة صربيا قبل ذلك.
المطار قديم وصغير، ولكنه أعيد بناؤه، وتمّ إجراء تغييرات فيه لجعله أكثر راحة للركاب. هذه علامة على بدء مرحلة جديدة في هذا البلد الصغير في أوروبا الشرقية، وهو البلد الذي كان ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفيتي، ولكنه اليوم، تمايل نحو الغرب، وأصبح في زمرة أعداء عملاق المنطقة، أي روسيا.
كنتُ انظر إلى المطار منذ هبوط الطائرة على الأرض حتى عند توقفها الكامل. شاهدتُ العديد من المباني القديمة وفضاءات مهجورة في جميع أنحاء المطار. ثمة مبان وفضاءات بألوان غامضة من المحتمل أنها شهدت العديد من الأحداث والمراحل التاريخية في عمرها.
عند الوصول إلى المطار، استغرق الأمر بعض الوقت لفحص جوازات السفر. تمشّيت في الصالة. في إحدى اللافتات، تمّ وضع شروط تقديم طلب اللجوء بلغات مختلفة، بما في ذلك العربية والفارسية، وتتعلق هذه اللافتة بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تبليسي، وبدت لي علامة أخرى على الرغبة تجاه الغرب في جورجيا.
بعد تدقيق ضباط المطار في جوازات سفرنا، وصلنا أنا وزوجتي إلى المنطقة الخاصة بالركاب في المطار. تسليم شنط السفر استغرق بعض الوقت. اشترينا من هناك شريحة جورجية للهاتف النقال، وهي رخيصة ومتاحة في جورجيا.
كان سائقو سيارات الأجرة في المطار ينتظرون المسافرين مرتدين أزياءً متشابهة. كنت قد بحثت من قبل حول أسعار سيارات الأجرة في تبليسي. أسعار سيارات الأجرة هنا ليست عالية.
أعطينا اسم الفندقِ لسائق التاكسي واتّفقنا على السعر، ثمّ توجهنا نحو الفندق في وسط المدينة والذي يبعد عن المطار بحوالي 25 دقيقة.
في جورجيا، عدد السيارات ذات المقود الأيمن كبيرٌ جدّاً، كما أن هناك قليلاً من السيارات ذات المقود الأيسر. مشهد مثير للاهتمام ويجعل الشخص يحتار إن كان في الاتجاه الأيسر أو الأيمن.
كانت السیارات في تبليسي ملطخة بالطين بسبب الأمطار ووضع بعض الشوارع في المدينة، لكن أغلبها من ماركات عالمية غالية.
إيران لديها مشاكل في مجال السيارات. بدأت الحكومة الإيرانية الآن بحظر استيراد السيارات الأجنبية، كما أنها كانت قد وضعت قيوداً شديدة على استيرادها. ونتيجة لذلك، فإن وضع السيارات في البلدان مثيرٌ للاهتمام وممتع بالنسبة لكل إيراني عند سفره إلى دول أخرى. هنا مثلاً يمكن استخدام سيارة باهظة الثمن في إيران كتاكسي في جورجيا!
المسيح في كلِّ مكان
تبليسي، عاصمة جورجيا، هي مسقط رأس القديس جورج. الساحة الرئيسية الصغيرة والجميلة في المدينة، أي ساحة الحرية، تحتضن تمثالاً ذهبياً لهذا النبي وهو واقف على حصان فوق عمود مرتفع.
تبليسي، يمكن أن تسمى مدينة الكنائس. مدينة ذات أشخاص متدينيين بإمكانكم رؤية إشاراتهم الدينية في أي مكان؛ من عدد كبيرٍ للكنائس في المدينة إلى الوجود المكثّف للزوّار في الكنائس. أما صور السيدة مريم والرُّسُل والصلبان فيمكنكم رؤيتها في كلّ مكان من المدينة. سيارات الأجرة والمحلّات التجارية والأماكن العامة تحتوي على صور السيدة مريم وشخصيات مسيحية مقدسة أخرى، كما أن هدوء الناس بدت لي كدليل آخر على تدينهم.
تتشكل المدينة من قسمين: الجديد والقديم. القسم القديم هو مركز المدينة وجنوبها، والجديد هو الناحية الشمالية. العديد من المباني في المناطق المركزية والجنوبية في المدينة، قديمة، الأزقة أيضاً، وشوارع لم يتمّ ترميمها منذ سنوات عدّة.
جورجيا تجذب السُّيّاح الأجانب إليها، خاصة الإيرانيين
لدى الإيرانيين رغبة كبيرة تجاه جورجيا. الحكومة الجورجية، رغم علاقتها الجيدة مع الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر من وجهة نظر النظام الإيراني)، إلا أنها فتحت الأبواب امام المواطنين الإيرانيين، ووفرت لهم رحلة رخيصة من خلال إلغاء تأشيرة الدخول بالنسبة لهم. بالإضافة إلى ذلك، تمنح جورجيا الإقامة للإيرانيين بشروط سهلة ويسيرة مثل شراء منزل هناك، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين الإيرانيين إلى نقل جزء أو كلّ حياتهم إلى جورجيا.
في المناطق المختلفة من مدينة تبليسي، يمكنكم مشاهدة لافتات باللغة الفارسية لشركات نشطة في شراء المنازل ومنح الإقامة في هذا البلد. كما ساهمت محاولة جورجيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ونهجها الغربيّ في تعزيز رغبة المواطنين الإيرانيين في الإقامة في هذا البلد أو الدراسة فيه.
كان بإمكاننا رؤية ازدهار سياحة جورجيا في مطعم الفندق أثناء الإفطار عندما كان يجلس السياحُ من بلدان مختلفة، من الدول العربية مثل مصر وجنوب الخليج إلى شرق آسيا، كالصين، والدول الأفريقية.
وقد أدّى ذلك إلى زيادة عدد الرحلات الجوية بين طهران وتبليسي، في ظلّ ظروف أصبح السفر والحصول على التأشيرات من الدول الأوروبية والأمريكية أكثر صعوبة بالنسبة للإيرانيين.
وجورجيا قد سهلت تأشيرة الدخول بالنسبة للعديد من دول العالم بهدف تعزيز اقتصادها وتعزيز السياحة في البلاد. كان بإمكاننا رؤية ازدهار سياحة جورجيا في مطعم الفندق أثناء الإفطار عندما كان يجلس السياحُ من بلدان مختلفة، من الدول العربية مثل مصر وجنوب الخليج إلى شرق آسيا، كالصين، والدول الأفريقية.
لغة كبار السن الأجنبية هي الروسية. وملابسهم بسيطة وعادية للغاية، ومعظمهم هادئون للغاية. في المقابل، يتحدث جيل الشباب بلغة إنكليزية جيدة. يرتدون ملابس عصرية، سراويل جينز، أو قمصاناً بألوان فاتحة. وتسريحات شعرهم أيضاً مختلفة تماماً عن كبار السن.
ومن إحدى ميزات تبليسي هو العدد الكبير من محلات الصرافة التي يمكن مشاهدتها في أي شارع وزقاق، وفي أي وقت من النهار أو الليل.
المجتمع الجورجي
الفرق بين الأجيال أو تلك الفجوة بين الشباب والكبار في السنّ واضحٌ جدّاً في جورجيا.
لغة كبار السن الأجنبية هي الروسية، فجميعهم يعرفونها ويتحدّثون بها. ملابسهم بسيطة وعادية للغاية، والوجوه وطريقة حلاقة الشعر لديهم عادية، ومعظمهم هادئون للغاية. في المقابل، يتحدث جيل الشباب بلغة إنكليزية جيدة. يرتدون ملابس عصرية، سراويل جينز، أو قمصاناً بألوان فاتحة. وتسريحات شعرهم أيضاً مختلفة تماماً عن كبار السن.
إن كنتم تبحثون عن عنوان أو معلومات باللغة الإنكليزية هناك، فينبغي أن تسألوا الشباب الجورجيين.
مترو جورجيا
مترو تبليسي قديم وكبير جدّاً. تم بناؤه قبل 53 عامًا في الحقبة السوفيتية، ولكنه لم تتمّ إعادة بنائه بعد. شكله وطرازه يشبه مترو موسكو وباكو، مع هذا الفرق أنه لم يتمّ تجديده بعد، ورائحة القدمة تنبعث من كلّ زاوية فيه.
متحف تاریخ جورجيا هو متحف كبير نسبياً، ومتعدد الطوابق. يرتبط كلُّ طابق بمرحلة تاريخية خاصة، والفترة السوفيتية فیه تتميّز عن الأخريات باللون الأسود.
الدرج والمحرّكات السريعة القديمة تعمل حتى الآن. تتحرك الدرجات بسرعة عالية، حيث تتطلب مهارة للوقوف عليها، وقد تكون مرعبة بالنسبة للآخرين، لكن ورغم ذلك خطوط المترو سوف تأخذك إلى كلّ مكان في المدينة.
مترو تبليسي، تذكار باقٍ من الفترة السوفيتية؛ الفترة التي تظهر في المتحف الخاص بتاريخ جورجيا باللون الأسود.
متحف تاریخ جورجيا هو متحف كبير نسبياً، ومتعدد الطوابق. يرتبط كلُّ طابق بمرحلة تاريخية خاصة، والفترة السوفيتية فیه تتميّز عن الأخريات باللون الأسود.
الكنائس والمعالم السياحية وتذكارات جورجيا
في الجزء الأوسط والجنوبي من تبليسي، يمكنك رؤية كنائس مختلفة وجميلة، صغيرة وكبيرة. والسياح تشاهدهم في كلّ مكان. وهناك عدد من باعة المقتنيات السياحية والنصب التذكارية.
تحاول الحكومة الجورجية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت تقف في صفّ المعارضة مع روسيا.
يمكنكم أن تشعروا بذلك من خلال رموز مختلفة؛ من بين هذه الرموز، أعلام الاتحاد الأوروبي في كلّ مكان، واستخدام اليورو. كما أنه یتمّ مواجهة الرموز الروسية في جورجيا، بما في ذلك اللغة الروسية.
الوضع الاقتصادي للشعب متوسط، ويمكن ملاحظة ذلك من حالة الملابس ومراكز التسوق والمتاجر.
المباني الكبيرة والقديمة في المناطق المختلفة في المدينة، هي آثار جميلة تدلّ على فترات مختلفة في جورجيا. ومن ضمن هذه المباني، جامعة تبليسي والبرلمان والمتحف الوطني.
يقسم نهر "متكوري" المدينة إلى جزئين، ويضع المناطق السياحية والأثرية إلى جانبيه، بالإضافة إلى الفنادق التقليدية الصغيرة والأسواق التي تحتوي على المأكلولات وتذكارات السفر المكتظة بالسيّاح والباصات التي تنقلهم.
يقع القصر الرئاسي على أحد التلال المطلّة على النهر، فإن وقفتم إلى جانبه تستطيعون رؤية المدينة من فوق. كما يمكن رؤية القصر الرئاسي بقبّته الزجاجية من أيّ نقطة في المدينة.
هناك تمثال لـ"أم جورجيا"، بطول 20 متراً، حاملةً في إحدى يديها السيف وفي الأخرى كأس النبيذ، أحد رموز تبليسي. ويطلّ التمثالُ على النهر المركزي للمدينة، ويمكنكم رؤيته هو الآخر من أيّ مكان في تبليسي.
يقع سوق لبيع القطع الأثرية القديمة إلى جانب اللوحات والصناعات اليدوية في أراضي حديقة مشهورة في تبليسي، ويشتهر باسم "مشرالي خیدي"، وهو من الأماكن الأكثر جاذبية للسيّاح الأجانب، خاصة النوع الذي يبحث عن تاريخ جورجيا الحديث.
الجزء الأكثر جاذبية من هذا السوق هو بيع العملات المعدنية والفواتير والأشياء العسكرية والإدارية المتعلّقة بالفترة السوفيتية، والتي تباع بسعر منخفض؛ من الميداليات والأزياء العسكرية وحتى الاسطوانات الموسيقية والدفاتر وتراميس الماء والنبيذ والأعلام والزيّ الرسمي للجيش السوفيتي.
عند رجوعكم من جورجيا ستحملون معكم الشعور بمزيج من الأجواء السوفيتية والغربية الحديثة، وروائح الكنائس وهدوئها، وبهجة من مشاهدة كثيرٍ من الجمال في فضاء صغير، وذلك إلى جانب أسعارها المناسبة، قد يكونا السببين الأساسين لزيارتها من قبل كثير من السيّاح من دول قريبة وبعيدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين