شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لوّ أننا كبرنا على أن العناق ليس عيباً

لوّ أننا كبرنا على أن العناق ليس عيباً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 18 يونيو 201903:36 م

المشكلة بالمجتمع مرّةً أخرى أم فينا؟ نحن الذين لم نكبر على "العناق" وحصرناه في علاقةٍ بين شخصين من جنسين مختلفين، عادةً ما يمارسانه في الخفاء بعيداً عن الألسن التي ترشقهم بالاتهامات، إلى أن يشاء القدر والعائلة قبل أن يشاءا، فيجمعان مبلغاً أو يستدينانه ليتاح لهما العناق في "الحلال" خوفاً من العادة قبل الحرام.

لكن الغريب حقاً هو حالة الاستهجان والاستغراب لفكرة أن يكون شقيقان، ذكراً وأنثى، قريبين لدرجة أن يتعانقا بمودّةٍ في مكانٍ عام،

وفي مرّاتٍ كثيرةٍ كان العناق صورةً التقطناها بجانب العائلة والمقرّبين من الأصحاب، لكننا لم نعتد عليه إلّا في المناسبات التي تتطلّب منا عناقاً بروتوكوليّاً، وقبلة على الخدِّ الأيمن ومثلها اثنين على الأيسر، أو حضناً إلزاميّاً بين الأم وطفلها حتى سنٍّ معيّن، وغالباً ما تحافظ الأم دون غيرها على احتضان أبنائها إلى أن تغادرهم، رغم أننا في نكباتنا وعثراتنا قد لا نحتاج لأكثر من عناقٍ لا يقطعه أيُّ كلامٍ من العائلة قبل أيِّ شخصٍ آخر، يُقال لنا من خلاله: "لستَ وحيداً.. أنا أكترث لأمركَ وأشعر بكَ"، ولعلَّ افتقاد الكثيرين منا لهذا العناق المُفرِّغ للطاقات السلبيّة التي نختزنها في أجسادنا وعقولنا، يقودهم لمنحنياتٍ كثيرةٍ، يجعلهم يحصرون تفكيرهم فيه بغرفةٍ مغلقةٍ وسرير!

أما العلاقة بين أفراد العائلة، فكثيراً ما تُبنى على أساس العادة أيضاً أو حتى الواجب، ليكون الحبُّ فعلاً إلزامياًّ بعيداً كلَّ البعد عن المشاعر العفويّة، خوفاً من أن يُوسَمَ الابن بـ "العاق"، رغم أن العقوق في نظري متبادلٌ، فهو حالةٌ من ردِّ الفعل على الفعل نفسه، لكنّنا نأخذ من الدين نصفه ومن الحقيقة نصفها، ونعيش في عالمين مفصولين حول ما علينا أن نفعل وما نحبُّ أن نكون، وبدل أن نُعاتب نكره، أو نُربّي الحقد داخلنا ليكبر فينا على مهلٍ، ونصبُّ بسببه غضبنا على ما حولنا من الأشياء الجميلة والسيّئة التي نمرّ بها تباعاً في حياتنا، كأننا بهذا نراها من مرآة روحنا، أو عبر ما عشناه من خوفٍ وافتقارٍ للحبِّ.. مظلمة وغاضبة!

لكن الغريب حقاً هو حالة الاستهجان والاستغراب لفكرة أن يكون شقيقان، ذكراً وأنثى، قريبين لدرجة أن يتعانقا بمودّةٍ في مكانٍ عام، أو أن يخرجا معاً في الصباح الباكر، لشرب فنجاني قهوة والتحدّث مطوّلاً عن شيءٍ يمرُّ في حياتهما، أو قرارٍ يودُّ أحدهما اتخاذه بعقلانيةٍ ومنطقيّةٍ، بعيداً عن صخب الحياة.

 لم نكبر على "العناق" وحصرناه في علاقةٍ بين شخصين من جنسين مختلفين، عادةً ما يمارسانه في الخفاء، إلى أن يشاء القدر والعائلة قبل أن يشاءا، فيجمعان مبلغاً ليتاح لهما العناق في "الحلال".

نحن لو كبرنا على الحبِّ لما اشتعلت كلُّ هذه الحروب، ولما افتتح جهاز الإحصاء المركزي في دولنا تعداداً بحاجةٍ إلى تحديثٍ يومي للجثث المتزايدة في صراعاتنا اللامنتهية.

علّموا أبناءكم أن يظلّوا قريبين من بعضهم، حبّاً لا عادةً، أن يتعانقوا إن احتاجوا للبكاء، أو حين يعيشون فرحاً مصاحباً لنوبة ضحكٍ هستيريّة.

نحن لو كبرنا على الحبِّ لما اشتعلت كلُّ هذه الحروب، ولما افتتح جهاز الإحصاء المركزي في دولنا تعداداً بحاجةٍ إلى تحديثٍ يومي للجثث المتزايدة في صراعاتنا اللامنتهية، فهذه ضريبة الكراهية التي نُدلّلها داخلنا رويداً رويداً، كطفلٍ صغيرٍ يكبر فيصير وحشاً، نلده ثم نعطيه مفاتيحنا ونقاط ضعفنا كي يفتك بنا.

علّموا أبناءكم أن يظلّوا قريبين من بعضهم، حبّاً لا عادةً، أن يتعانقوا إن احتاجوا للبكاء، أو حين يعيشون فرحاً مصاحباً لنوبة ضحكٍ هستيريّة، حين يفشلون أو ينجحون، وكلّما ظنوا أن الوحدة ستأكل ابتسامتهم.. علّموهم الحبّ وأهميّة العناق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image