العناق هو عبارة عن "لملمة أرواحٍ ذاق بها الاتساع"، فهذه الحركة العفوية التي تتلامس فيها الأجساد تحمل في طياتها مشاعر صادقة. لغة العشق، الحنان، الإشتياق والولع... لغة العناق صامتة إلا أنها تعبر عن مشاعرنا بطريقةٍ أفضل من لغة الشفاه. ليس هناك شعور أجمل من العثور على حضنٍ دافىء نلجأ إليه بحثاً عن الراحة النفسية والأمان، سواء كان الارتماء في أحضان الحبيب/ة، أو الصديق/ة أو الأهل للهروب... إليكم ثقافة العناق.
لغة الحب العالمية
"ضميني ليحدث الالتماس فنحترق معاً" (ليدي بيرد). يعدّ الاتصال البشري بالغ الأهمية، خاصة في المراحل المبكرة من حياة الإنسان، إذ أن نمو الطفل يعتمد على "اللمسة المادية" التي يتلقاها في المراحل الأولى من حياته، عن طريق العناق الذي يقدمه له الأهل لتهدئته عند شعوره بالغضب، بالألم أو أثناء نوبة البكاء، كما أنه يعتاد ثقافة العناق عن طريق معانقة "دبدوبه" أو لعبته المفضلة.واللافت أن للعناق أوجهاً كثيرة، فعند الشعور بالخوف، بالسعادة وبالحزن يلجأ الناس إلى المعانقة بحركةٍ بسيطةٍ نابعة من القلب ومؤثرةٍ بشكل كبير. تحدث موقع "أوديسيه" عن العلم وراء العناق، معرفاً إياه بالقول:" يضع أحد الأشخاص ذراعيه من حولك ويشد، فيزيل كل خوفك وقلقك مما يجعلك تتنفس مجدداً"، بمعنى آخر يمكن القول إن كل مشاعر الخوف والقلق تتلاشى حين يقوم أحد بمعانقتنا بطريقةٍ حارةٍ تجعلنا نشعر بالراحة والدفء.
العناق يساهم في تدفق السيروتونين مما يحسن مزاجنا ويزيد من شعورنا بالسعادة.
لغة العشق، الحنان، الإشتياق والولع... لغة العناق صامتة إلا أنها تعبر عن مشاعرنا بطريقةٍ أفضل من لغة الشفاه.ونتيجة العواطف التي تكمن وراءها فإن لغة العناق تساهم في خلق روابط أقوى بين الناس، واللافت أن هذه الحركة الجسدية البسيطة هي أشبه بدواءٍ مجاني، لأن هذا الشعور الجميل الذي ينتابنا جرّاء العناق هو أشبه بنشوة روحية.
كيف يتغير مفهوم العناق مع العمر؟
تطورت طريقة التفكير والنظرة إلى المعانقة وفق كل شخص، ففي حين أن البعض يشعر بالراحة عند احتضان شخصٍ قابله للتو، فإن البعض الآخر يعتبر أن العناق "فعل حميمي" مخصص لأشخاصٍ مقربين منه ويكون على علاقة وثيقة بهم.من هنا تناول موقع "The school of life" موضوع العناق، شارحاً من خلال فيديو قصير فكرة مفهومنا العام للعناق، تطوره مع الوقت، اختلاف وجهات النظر حوله، ورغبة الناس في إيجاد الراحة في أحضان الطرف الآخر.
فالعناق يرافق المرء في سن مبكرة من حياته، فعندما يدخل الطفل في حالةٍ من الإضطراب العاطفي أو حين يشعر بالألم، فإن أول ما يقوم به الأهل هو معانقته بعيداً عن الكلمات المعقدة.
أما في فترة المراهقة، فيختلف الوضع كثيراً، لأن مقدار العناق ينخفض كلما تقدم المرء في السن واقترب من مرحلة البلوغ، وذلك يعود لكونه قد أصبح في هذه المرحلة أكثر نضجاً وعقلانيةً، وبالتالي لم يعد يبحث كالطفل عن الطمأنينة من خلال الفعل الجسدي.
ولكن لماذا يعود العناق بقوة بين البالغين؟ في "سيكولوجية العناق" تعتبر المعانقة تراجعية إنما ليست بالضرورة من الناحية السيئة، فقد نشعر بإحراج أو بالعجز عن الاعتراف بأننا نحتاج إلى بعض الدعم الجسدي والمعنوي، ولكن هذه المشاعر طبيعية.
فمع الوقت قد نستبدل فكرة الارتماء في أحضان الأهل إلى عناق الأصدقاء، الإخوة أو الزملاء في العمل، خاصة أنه على المستوى الفطري فإننا نختبر جميعاً مشاعر التوتر والخوف وخيبة الأمل، وبالتالي نشعر بالرغبة في معانقة الآخرين في مرحلةٍ من مراحل حياتنا.
جرعة عناق
بالتزامن مع الشعور بالارتباط الوثيق بالآخرين، فإن العناق يمكن أن يجلب مجموعة من الفوائد الصحية للجسم والعقل، إذ تبين أن الاحتضان الدافىء يجنب المرء الإصابة بالمرض خاصة في فصل الشتاء.ففي دراسة أجريت في العام 2015، وشملت 404 أشخاص بالغين، قام باحثون من جامعة "كارنيجي ميلون" بدراسة تأثير العناق على نزلات البرد، ليتبيّن أن الأشخاص الذين حصلوا على العناق كانوا أقل عرضةً للإصابة بالزكام، كما أن الذين شعروا بدعمٍ إجتماعي عن طريق المعانقة اختبروا أعراضاً أقل حدة من غيرهم. وتعليقاً على ذلك، يقول أستاذ علم النفس "شيلدون كوهين" إن "العناق يحمي الناس الذين يعانون من الإجهاد من زيادة خطر الإصابة بنزلات البرد التي تكون مرتبطة بالضغط النفسي"، وذلك يعود إلى شعور المرء بأن هناك أشخاصاً إلى جانبه لمساعدته على مواجهة الشدائد.
ومن أبرز الفوائد التي يمكن أن يجنيها المرء من العناق:
تعزيز جهاز المناعة: العناق يقوي جهاز المناعة من خلال الضغط اللطيف على بعض الأجزاء في الجسم. ففي دراسة أجريت في العام 2010 ونشرت في مجلة Development Review تم فحص آثار العلاج بالتدليك وتبين أن المشتركين أظهروا انخفاضاً ملحوظاً في معدل ضربات القلب وضغط الدم وتحسن في جهاز المناعة، مما أدى إلى زيادة في عدد خلايا الدم البيضاء وانخفاض في مستوى الكورتيزول.
التقليل من الإجهاد: عندما نشعر بالإرهاق، فإن الخلايا العصبية ترسل معلومات إلى جسمنا لتحرير هرمون الكورتيزول، الذي يبطىء من عملية الشفاء في الجسم من خلال تحفيز استجابة الجسم لعملية "القتال أو الهروب" مما يخلق عدداً من المشاكل الصحية. واللافت أن الدراسات أظهرت أن العناق يمكن أن يؤثر على مستويات الكورتيزول عن طريق التسبب بإفراز هرمون الأوكسيتوسين، المعروف ب"هرمون الحب" أو "هرمون العناق"، مما يساعد على الشعور بالراحة والاسترخاء وخفض مستوى التوتر.
النمو: تعتبر البشرة بمثابة دفاعٍ أساسي ضد العوامل الخارجية وتتجدد بشكل لا يصدق، كما أن البشرة هي جامعة بيانات دماغنا. فأقدامنا، أصابعنا، شفاهنا، كلها مصممة بطريقةٍ تجمع أصغر تفاصيل البيانات الحسية وتنقلها إلى الدماغ عبر النهايات العصبية، واللمس هو الإحساس الأول الذي نكتسبه والذي يعزز من قدراتنا النفسية. فمنذ مئتي عام، رصد العلماء الفرنسيون مخلوقاً يشبه الإنسان ويعيش في الغابات، وبعد القبض عليه تبين أنه صبي يبلغ من العمر 11 عاماً، للوهلة الأولى ظنوا أن المراهق "فيكتور" يعاني من اضطرابات عقلية لحين أن إكتشف علماء النفس أنه حرم من اللمسة الجسدية مما أعاق تطور قدراته الفكرية والعقلية. فالعناق يؤثر على معدل النمو الفكري والعقلي لدى الإنسان.
الشعور بالسعادة: يساعد هرمون السيروتونين على الشعور بالسعادة والاسترخاء والثقة، كما أنه يحدّ من الشهية وينظم المزاج، فهذا الهرمون يؤثر على سير العمليات الفكرية والعاطفية والوظائف الحركية وضغط الدم. وبالرغم من أن العديد من مضادات الاكتئاب تعتمد على زيادة إنتاج السيروتونين، فإن هناك طريقة أسهل من اللجوء إلى مثل هذه الأدوية وهي عبر: العناق الذي يساهم في تدفق السيروتونين مما يحسن مزاجنا ويزيد من شعورنا بالسعادة.
مكافحة الشيخوخة: مع التقدم في العمر، تنخفض مستويات الهرمون مما يؤدي إلى فقدان كتلة العضلات، إلا أن العناق يساهم في إفراز الأوكسيتوسين الذي يحافظ على شباب الجسم وقوة العضلات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه