شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هكذا أدخلت ابنتي بوتفليقةَ إلى السّجن

هكذا أدخلت ابنتي بوتفليقةَ إلى السّجن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 9 يونيو 201903:50 م

الثّامنة والنّصف صباحاً من أوّل أيّام رمضان

ـ ما الذّي تنتظر لتأخذ مريم إلى الرّوضة؟

ـ لن آخذها.

ـ ولا أنا سآخذها.

في الحقيقة، لم تكن المرّةَ الأولى التّي نصل فيها إلى نقطةٍ يُعاند فيها الواحدُ منّا آخرَه، فتضيع مصلحة أو يترتّب ضرر، إذا لم يتنازل أحدُنا في النّهاية، منذ تزوّجنا خلال شهر يوليو من عام 2008.

والحقَّ أقول إنّها كانت الأكثرَ تنازلًاً؛ إذ لم أتفطّنْ إلى أنّني متعسّف في حقّها إلّا قبل شهرين، فصرت أبادر إلى التّنازل، بل إنّني بتّ قلّما أترك الأمور تصل إلى مقام المعاندة أصلًاً.

سبق لي أن أحسستُ بأهمّيتي عند أهلي، لكنّ إحساسي بها، وهم يحملون القناديل، ليلتها، ويُنادون عليّ في الخلاء، "رزيــــــــــــــــــق.. رزيــــــــــــــق"، تفوّق على المرّات كلّها في العمق.

10 شباط/ فبراير 2019

كنتُ في مدينة وادي سوف (600 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة)، لتقديم مداخلة عن مشروع المقاهي الثّقافيّة، الذّي أشرف عليه، ضمن المعرض الوطنيّ للكتاب، على أن أغادر في الغد برّاً إلى الجزائر العاصمة، لأنشّط فضاء "صدى الأقلام".

هَمَمْتُ بتسليم نفسي لأقرب نَعْسَةٍ، فإذا بالهاتف يرنّ.

ـ بوكبّة (هكذا تُناديني؛ لأنّ أمّي تمنعنا من أن نستعمل اسميْ بعضِنا في حضرتها، عملاً بالتّقاليد) ابنتنا "خيال" مريضة.

لم يكن من عادتها أن تخبرني بما يُقلق طمأنينتي من أخبار البيت في حالات سفري. فهي تتولّى تلقائيّاً التصرّف في الأمور. ولأنّها نقلت لي مرض البنت، فهذا يعني أنّها عجزت عن التصرّف فعلاً.

11 شباط

هدّدني سائق سيّارة الأجرة المتوجّهة من وادي سوف إلى مدينة برج بوعريريج أكثر من مرّة بإنزالي في المحطّة الموالية، لأنّني أحرقتُ مخّه بضرورة الإسراع.

خفتُ أن أفقد صغيرتي، فألوم نفسي حتّى أموت. وفي اللّحظة التّي بلغتُ فيها الإحساسَ الأقصى بالاختناق، بثّت الإذاعة خبر انطلاق المقهى الثّقافيّ في مدينة ورقلة، فعادت إليّ القدرة على التنفّس. ابنتي تذبل في برج بوعريريج، وولدي ينتعش في ورقلة. هل هذا مدعاة للعزاء أم لتأنيب الضّمير؟

لم أنتبه إلى أنّني نسيتُ الهدايا، التّي قدّمها لي القائمون على معرض الكتاب في وادي سوف، إلّا وأنا أصعد سلّم العمارة في برج بوعريريج! ولم أنتبه إلى أنّني لم أنلْ لقمة منذ البارحة، إلّا وأنا أغادر مستشفى الأطفال، بعد أن طمأنني صديقي المسرحي والممرّض، نجيب عبدون، على "خيال" وأمّها، التّي بقيت معها في المستشفى.

ـــــــــــــ

أنا زوجتي

عدت إلى البيت في حدود منتصف اللّيل. فوجدتُ البنات صاحياتٍ، لأصير أباهنّ وأمَّهنّ في الوقت نفسِه، على مدار عشرة أيّام.

أوقظهنّ للمدرسة/ أعدّ لهنّ الماء السّاخن/ أُلبسهنّ/ أعدّ لهنّ فطور الصّباح/ أصحبهنّ إلى المدرسة/ أتبضّع للغداء/ أراعي أذواقهنّ في الأكل/ أحرص على أن يكون طعام أمّي بلا ملح ولا دسم/ أعيدهنّ إلى البيت/ أغدّيهنّ/ أفصل بينهنّ للاستقرار على قناة تلفزيونيّة/ أساعدهنّ في حلّ التّمارين/ أعيدهنّ إلى المدرسة/ أغسل الثّياب/ أنظّف البيت/ أعيدهنّ إليه/ أتبضّع للعشاء/ أغيّر لهنّ ثيابهنّ/ أعدّ لهنّ لمجة العشيّة/ أراقبهنّ من الشّرفة وهنّ يلعبن في السّاحة/ أستصعدهنّ عند حلول المغرب/ ألاعبهنّ حتّى ينسين غياب أمّهن/ أعشّي الجميع/ أحكي لهنّ حكاية/ أنقل كلّ واحدة إلى سريرها/ أنهار على السّرير.

بعد ثلاثة أيّام، لكثرة قيامي بما كانت تقوم به "أمّ علياء"، ولشدّة حرصي على ألّا أترك البناتِ يفتقدنَها، شرعتُ أنسى نفسي وأتقمّص نفسَها، حتّى أنّني انهرتُ مرّةً على السّرير، بعد أن أَنَمْتُ البنات، ورحتُ أنتظر مجيء "عبد الرزاق بوكبّة" لاحتضاني. أحسستُ بالغضب لأنّه لم يأت، فشرعتُ في البحث عنه في جنبات البيت.

ـ عمّن تبحث يا ولدي؟

ـ أبحث عن نفسي يا أمّي!

ـــــــــــــــــــــــــ

شريط الذّاكرة

لم تكن لنا إلّا غرفة واحدة في قرية "أولاد جْحيْش"؛ فكنت أتوسّط أمّي وأبي في النّوم. ولم أجد تفسيراً لكوني أجد نفسي على حاشية الفراش في الصّباح، مثلما لم أجد تفسيراً لتحريض أمّي أحياناً على أن أذهب إلى بيت جدّي قبيل المغرب.

لقد كانت تعطيني التّمر أو التّين المجفّف أو الخرّوب كي أذهب، فإذا وجدت منّي معارضةً، أعطتني صفعةً يتناثر معها ما أعطتني على الأرض.

استقرّ في ذهني بالتّراكم أنّ أمّي لا تحبّني، وإلّا لماذا تريد أن تتخلّص منّي، بدفعي إلى بيت جدّي؟

استجبت لها مرّةً. لكنّني لم أذهب إلى بيت الجدّ، بل اعتليت صخرةً كؤودًا في منتصف الطريق، واستسلمت للخوف من اللّيل الوسيع وعواء الذّئاب.

عاد أبي من الصّيد، ولم يتحمّل ألّا أنال من لحم الأرنب البريّ، فانطلق يستجلبني من بيت الجدّ، الذّي أكّد له أنّه لم يَرني.

لم تكن لنا إلّا غرفة واحدة في قرية "أولاد جْحيْش"؛ فكنت أتوسّط أمّي وأبي في النّوم. ولم أجد تفسيراً لكوني أجد نفسي على حاشية الفراش في الصّباح، مثلما لم أجد تفسيراً لتحريض أمّي أحياناً على أن أذهب إلى بيت جدّي قبيل المغرب.

سبق لي أن أحسستُ بأهمّيتي عند أهلي، لكنّ إحساسي بها، وهم يحملون القناديل، ليلتها، ويُنادون عليّ في الخلاء، "رزيــــــــــــــــــق.. رزيــــــــــــــق" (هكذا ينادونني)، تفوّق على المرّات كلّها في العمق.

كنتُ ناويًا أن أبقى فوق الصّخرة العجوز حتّى الصّباح، لولا أنّي سمعت أمّي تعجن قولها بدمعها: وينك يا وليدي؟ الفراش من دونك شوك.

ــــــــــــــــــ

الرّابعة بعد الزّول

ـ ما الذّي تنتظر حتّى تعيد مريم من الرّوضة؟

ـ أنا ذاهب يا عمري.

غلب رمضان مديرة الرّوضة ومعلّماتها، فغفلن عن الأطفال، الذّين كانوا قد ربطوا أحدَهم من يديه، وراحوا يجرّونه إلى صندوق كبير.

ـ ما هذا يا مريم؟

ـ بابا.. سندخل بوتفليقة للحبس!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image