علي بسيوني أستاذ في الجامعة، يرتدي زيا خاصا بالحفلات والسهر، ينزل من سيارته، لقد قرر أن يتمرد، يسهر ويحتسي المشروبات الروحانية، ويصادق متحررات، وكانت البداية دخول ملهى ليلي شهير، ولكن أوقفه أفراد أمن المكان.
قال له أحدهم: "رايح فين؟"، فرد عليه: "داخل جوا!"، ظل أحد طاقم الأمن ينظر إليه من أعلى لأسفل علامة الاحتقار، قبل أن يبلغه: "لا! ممنوع، لازم حجز"، يحاول أستاذ الجامعة ثانية الدخول، ولكنه يفشل.
المشهد السابق في فيلم "سكر مر"، والذي أنتج عام 2015 للمخرج هاني خليفة، أبرز حالة سادت في أماكن سهر معينة باتت مقتصرة على فئة معينة، ويمنع من دخول بعض الأشخاص، فلا يوجد رسمياً ما يمنع، ولكنه "عُرف"، حتى أصبح من المعتاد سماع أن أحدهم تم منعه لأنه من منطقة شعبية، أو لأنها ترتدي الحجاب، أو أن حسابه على "فيسبوك" لا يشفع له.
في إحدى ليالي مارس الماضي، قرَّر أحمد محمد (اسم مستعار) 27 عاماً، يعمل في شركة للتسويق العقاري، ويقيم في حي السيدة زينب بالقاهرة، التوجه إلى ملهى ليلي راقي في القاهرة، ارتدى أفضل ما لديه، تعمَّد تغيير طريقة مشط شعره، مسح حذاءه جيداً، واستقلَّ سيارة أجرة عامة، ليقابل أصدقاء آخرين في طريقهم إلى نفس المكان، ولكنه لم يتمكن من الدخول.
سبب منعه من الأساس كانت بطاقة الهوية، والتي تشير إلى سكنه في مكان شعبي، بحسب ما قاله أحمد لـ"رصيف22".
يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه شرائح من الطبقات الاجتماعية المتوسطة الانفتاح، والبحث عن أدوات جديدة للمتعة خارج طبقتها التي تتسم بالتدين المحافظ.
يشرح أحمد شعوره بعد رفضهم دخوله: "أحسستُ وقتها أن كل محاولات البحث عن أدوات جديدة للسعادة لن تفي بالغرض، إذا كنت من منطقة شعبية أو طبقة اجتماعية مختلفة عن الطبقات التي يُسمح لها بالدخول، فأنت مرفوض".
قرَّر أن يتمرَّد، يسهر، ويحتسي المشروبات الروحانية، ويصادق متحررات، وكانت البداية دخول ملهى ليلي شهير، ولكن أوقفه أفراد أمن المكان
كانت هذه هي المحاولة الأولى لأحمد في الدخول إلى أحد هذه الأماكن، والتي "تحتاج السهرة الواحدة فيها إلى حوالي 30% من راتبه الشهري".
ينتقد أحمد طرق قضاء وقت الفراغ، والاستمتاع لأبناء طبقته الاجتماعية، يقول: "حاولت الانبساط بطريقة مختلفة عن طريقة المناطق الشعبية، والتي تنحصر أغلبها في الجلوس على القهوة، ولعب البلايستيشن".
"أعطني حسابك على "فيس بوك" من فضلك"
يحكي إسلام كامل، 32 عاماً من منطقة فيصل بالجيزة، وهو موظف خاص بشبكات الإنترنت، عن أول مرة قرَّر فيها الذهاب إلى مكان شهير في القاهرة للسهر، وشرب الكحوليات، والاستماع لغناء فِرَق "الأندرجراوند"، مع أصدقاء اقترحوا الاحتفال بعيد ميلاد صديق آخر، إلا أنه فوجيء بـ"شروط" الدخول.
يقول إسلام: "فوجئت أثناء الحجز في المكان الشهير، بطلب إرسال لينك حسابي الشخصي على "فيسبوك"، قبل الرد بالموافقة أو الرفض، اندهشت من الطلب، ولكنني لم أفكر في الأمر، وقمت بإرساله على الفور، قلت في نفسي سأستفسر عن الأسباب في وقت لاحق".
ويكمل إسلام: "ذهبنا في الموعد، ودخلنا الحفل، ولكنني أصرّيت على الاستفسار حول أسباب الاطلاع على الحسابات الشخصية للراغبين في السهر، فعرفت من أحد العاملين هناك بشكل ودي، أنه إجراء مُتَّبَع لمعرفة طريقة تفكير الشخص الراغب في الدخول للملهى الليلي، وما إذا كان سيكون هناك توافقاً بين حسابه وبين المجتمع الذي نحاول الحفاظ عليه بالداخل أم لا".
"الطبقات الفقيرة والمتوسطة تحاول الترقي اجتماعيا، والطبقات الأخرى تقاومهم، وتحافظ على عالمهم الخاص".
قصة أخرى يرويها الشاب عمر عمران، 24 عاما طالب ويقيم في منطقة الحلمية الجديدة، عن إحدى أماكن السهر في "مدينة 6 أكتوبر" بأطراف القاهرة، بعد منعه من الدخول رغم الحجز المسبق، وكانت معه صديقتاه، بسبب بيانات البطاقة الشخصية لإحداهن.
يقول عمران لـ"رصيف 22": "حجزنا، وذهبنا في الموعد المُحدَّد، ولم تكن هذه المرة الأولى التي نتوجه فيها لأماكن السهر والحفلات، ولكن تم منعنا من الدخول بحجة التأخر عن موعد الحجز، ما دفعنا للدخول في مناقشة حادة، اعتراضاً على منعنا تحديدا مع استمرار السماح لآخرين بالدخول".
"بطاقة الفتاة تشير لأنها من منطقة ريفية، وصورتها في الهوية الشخصية بالحجاب رغم خلعها له، هذا كله سيجعل من الصعوبة السماح بالدخول"، هذا ما قيل بشكل ودي للشاب وصديقاته بعد منعهم من الدخول وإيقافهم على البوابة، بينما يسمح للباقين بالدخول، بحسب عمران.
قصة أخرى يرويها أحمد عصام، 28 سنة، باحث في أحد المراكز القانونية ويقيم في إمبابة، مع مجموعة من الأصدقاء الذين توجهوا للسهر في ملهى بالمعادي، ولكنه مُنع هو فقط من الدخول، بينما سُمح لباقي الأصدقاء، وعندما رفضوا، وأصرّوا على الدخول جميعاً، مُنعوا جميعا، وأبلغوا بإلغاء الحجز.
ويحكي عصام: "كنا مجموعة من 4 أشخاص، أثناء الدخول تم إيقافي من قبل الأمن الخاص بالمكان، وبعد عدة أسئلة تم منعي من الدخول، بحجة أنني أرتدي شورت وهذا مخالف لقواعد المكان، بينما في اللحظة نفسها دخل آخر يرتدي شورت دون أن يعترضه أحد، عرفنا وقتها أن الملابس هي السبب، فربما لم يكن شكلها لائقا على المكان".
"أُفضِّل السَّهر في المقاهي الشعبية"
لا يوجد ما ينظم عملية الدخول للملاهي الليلية، وحضور الحفلات التي يتم تقديم فيها المشروبات الكحولية، إلا أن يتجاوز سن الراغب في الدخول 21 عاما، لذلك فإن عملية التنظيم المتبعة بعيدا عن اللوائح الرسمية تختلف من مكان لأخر.
أحد الشباب العاملين في مكان شهير في العجوزة، يقول في تصريحات لـ"رصيف 22"، ولكنه تحفّظ على ذكر اسمه، إن الفكرة ليست طبقية تماماً، ولكن نحاول الابتعاد قدر الإمكان عن المشكلات التي قد تحدث نتيجة السهر، وتناول الكحول.
يضيف الشاب: "نحاول طوال الوقت أن يكون الجميع في المكان متناغم مع بعضه البعض، لذا قد نعتذر لبعض ممن يسكنون في مناطق شعبية، أو من يرتدي زيا غير مناسب للمكان".
إذا كنت محجبة، أو من منطقة شعبية أو ريفية، فأنتم ممنوعون "عرفيا" من الدخول لملاهي ليلية عديدة في القاهرة وضواحيها
يعلل الشاب، وهو مسؤول عن تلقي الحجوزات وتأكيدها في ملهى ليلي، إن الأمور نسبية تماما من مكان لأخر، ولكن كل مكان لديه قواعد الدخول الخاصة به، والتي يجب أن يلتزم بها الراغبون في السهر، تجنبا للمشكلات، وحتى لا يكونوا ملفتين للنظر داخل المكان، سواءً نتيجة مظهرهم أو سلوكهم".
ويكمل: "أنا من منطقة شعبية، أنا مجرد موظف في هذا المكان، لا أملكه، ولا استطيع السهر فيه، وأفضل الأماكن التي تشبه الطبقة التي أنتمي إليها، سواء المقاهي الشعبية أو ملاعب كرة القدم، لكل منطقة أو طبقة اجتماعية طريقتها في الانبساط والسهر".
وتروج أفلام ومسلسلات مصرية صورة نمطية عن رومانسية الفقر، والمبالغة في إظهار "السعادة الحقيقية" في المناطق الفقيرة، سواء بالتركيز على الحارة البسيطة، والتي يظهر فيها رواد المقاهي يستمتون بلعب الطاولة على أنغام "الست" أم كلثوم، وفي الخلفية صوت أطفال يلعبون كرة القدم في جو من البهجة، بل ومألوف أن نرى أثرياء يتأثرون بما يعتبرونه بساطة، وشجاعة "ولاد البلد"، ويختار طريقة استمتاعهم.
يقول سعد صديق، باحث علم اجتماع بجامعة عين شمس، إن الفكرة خلف منع البعض من دخول تلك الأماكن تتمحور حول محاولة الترقي الاجتماعي التي تقوم بها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الأمر الذي يجد مقاومة من الطبقات الأخرى، في محاولة للحفاظ على عالمها الخاص.
ويضيف صديق، في تصريحات لـ"رصيف 22"، إن محاولة أبناء الطبقات الاجتماعية المتوسطة، خلق مساحات جديدة لهم في أماكن الطبقات الأخرى، يجعل من الصعب إعادة التأقلم بشكل أو آخر مع أدوات طبقتهم الحقيقية في المتعة، ما قد يشكل خطراً حقيقياً على نظرتهم للجلوس على المقهى مثلاً، أو لعب الكرة في الشَّارع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...