منذ إعلان فوز الروائية العُمانيّة جوخة الحارثي بجائزة "المان بوكر" العالميّة، تبدّى لي خوف مبطّن من تعليقات "بعض" الجمهور العربي، الذكوري خصوصاً، وبين مثقفين رجال، حول هذا الفوز. فلا بد من أن يصيب نجاح أيّ امرأة عربيّة نقداً في الوسط الثقافي والعام، نظراً لجنسها أوّلاً وأخيراً، فما بالك لو كان هذا النجاح قد أتت تبشيراته من الغرب، وما بالك لو كان النقد برمّته والاحتجاج غير المعلن، قائماً على ترّهات لا تخصّ منتجها الأدبي نفسه الذي نالت عنه هذه الجائزة، وتكرّسها اليوم واحدةً من الكاتبات العربيّات اللواتي وصلن إلى جمهور واسعِ.
ولو كان الفائز رجلاً لسمعنا التهليلات الكبرى لفوزه، كون هذه المنظومة من أصغر ناشر فيها إلى أكبرهم، يُشرف عليها الرجال، وبالطبع لا يهون على بعض الرجال أن تقودهم امرأة.
وجوخة الحارثي منذ اللحظة التي أُعلن أنها من ضمن لائحة المرشحين، لجائزة تُعدّ من أبرز الجوائز الأدبيّة عالمياً بعد نوبل للآداب، وضعت تحت مشرط المعلّقين في العالم العربي، (الرجال خصوصاً)، وهنا لا أتحدّث عن نقدٍ يأتي من نقّادٍ هذه صنعتهم وشغلهم، بل من ذرر مثقفين يدّعون فهمهم بالثقافة، أو من قبل شعراء أو كتّاب أغاظهم أن ترشَّح امرأة للجائزة، أو عوام مستفرسين بأنيابهم لأن الفائز امرأة، مفترضين أسئلةً مبهمة تزيد من استفراسهم الخبيث. ولو كان الفائز رجلاً لسمعنا التهليلات الكبرى لفوزه، كون هذه المنظومة من أصغر ناشر فيها إلى أكبرهم، يُشرف عليها الرجال، وبالطبع لا يهون على بعض الرجال أن تقودهم امرأة.
وأضاف فوز جوخة اليوم بعد تأكيده والاحتفاء به الى هذه التعليقات "ترجيحات" وتوقّعات عن السبب المباشر أو الأسباب كما تتراءى لبعض العرب، لمنحها الجائزة، ويغيب ربما عن بال هؤلاء أن السبب الكافي لفوزها هو شغلها الروائي (وليس ضرورياً أن يقارن بشغل أخريات أو آخرين)، الذي مارسته منذ زمن، بعد نشرها ثلاث روايات باللغة العربيّة ومجموعتين من الروايات القصيرة وكتاباً للأطفال، إضافةً إلى كونها أستاذة جامعية في جامعة السلطان قابوس في مسقط، وخلفيتها الأكاديميّة بعد نيلها دكتوراه من جامعة إدنبرة في اسكتلندا في الشعر العربي الكلاسيكي.
كلّ هذا لن يشفع لها وسنقرأ ونسمع ونشاهد (ربما معلّقين تافهين على انستغرام وفيديوهات يوتيوب) أن سبب نيلها الجائزة يعود إلى كونها امرأة. ويا لحظِّ رجالٍ عربٍ مثقفين، هؤلاء ممن ورثوا كلّ شيء بماكينة الثقافة، من جوائز ولجان وترقيات، وترأسوا أقساماً في صحف وجامعات، يستصعب عليهم فوز امرأة، فكيف لو كانت هذه المرأة محجّبة؟ سنجد بالطبع تعليقات واهية تشير إلى أن فوزها يعود إلى ترضيةٍ يريد الغرب إعطاءها، لتبييض صورته وسجلّه تجاه المرأة المسلمة، من باب أن الروائية محجّبة والغرب يريد أن يوصل رسالةً برّاقةً عنه، أنه لا يوجد عنده أي تحفظات على الحجاب والمحجّبات. مفترضين أن الغرب يعمل ضمن "برمجة" ثقافيّة هدفها البروبغندا والتلميع، وهنا لا شك أن بعض لجان التحكيم في العالم الغربي يمارس فيها التنميط، لكن لا يمكن "شيطنة" كلّ شيء من باب التآمر والتخوين.
تبدّى لي خوف مبطّن من تعليقات "بعض" الجمهور العربي، الذكوري خصوصاً، وبين مثقفين رجال، حول هذا الفوز. فلا بد من أن يصيب نجاح أيّ امرأة عربيّة نقداً في الوسط الثقافي والعام، نظراً لجنسها أوّلاً وأخيراً، فما بالك لو كان هذا النجاح قد أتت تبشيراته من الغرب؟
كلّ هذا لن يشفع لها وسنقرأ ونسمع أن سبب نيلها الجائزة يعود إلى كونها امرأة. ويا لحظِّ رجالٍ عربٍ مثقفين، هؤلاء ممن ورثوا كلّ شيء بماكينة الثقافة، من جوائز وترقيات، يستصعب عليهم فوز امرأة، فكيف لو كانت محجّبة؟
والحال، أن في بعض مواقع الصحف باتت عبارة "محجّبة ومسلمة تفوز بـ "مان بوكر"، تزيّن التعليقات لا بل تسبقها، وهي على شاكلة "لاجئ ومهاجر وجد محفظة ولم يسرقها". كأن الحكم المسبق لامرأةٍ محجّبةٍ هي أن تكون زوجة مع ضرّتين، لرجلٍ يتباهى بتعدّد الزوجات.
والحال، أن في "تويتر" وبعض مواقع الصحف باتت عبارة "محجّبة ومسلمة تفوز بالمان بوكر"، تزيّن التعليقات لا بل تسبقها، وهي على شاكلة "لاجئ ومهاجر وجد محفظة ولم يسرقها". كأن الحكم المسبق لامرأةٍ محجّبةٍ هي أن تكون زوجة مع ضرّتين، لرجلٍ يتباهى بتعدّد الزوجات. ليس مهمّاً أن الكاتبة أكاديميّة أو أنها روائيّة وكاتبة، لا بل قد يضيع السبب الكامن خلف فوزها، بجهالة المعلّقين واستنسابيّتهم.
الأمر ليس جديداً على العرب ومثقفيه الذكور، الذين ما إن يُعلن فوز أو ترشّح أو ترجمة عملٍ لكاتبة، أو اعترافٍ غربي بشغل أيّ أديبةٍ عربيّة، حتى تنالها سهام الغيرة وتكال لها كلّ الاتهامات.
الأمر ليس جديداً على العرب ومثقفيه الذكور، الذين ما إن يُعلن فوز أو ترشّح أو ترجمة عملٍ لكاتبة، أو اعترافٍ غربي بشغل أيّ أديبةٍ عربيّة، حتى تنالها سهام الغيرة وتكال لها كلّ الاتهامات، حتى أن بعضهم قد يصل إلى إقحام تحرّرها في الأمر أو نوع كتابتها الجريئة، أو المواضيع التي تناولتها، أو إقحام مذهبها أحياناً أخرى، وهو ما حصل في إحدى المرّات مع الروائيّة السوريّة سمر يزبك حين كتب أنها "شقراء" ولهذا فهي نالت شهرة في فرنسا وترجمت أعمالها لهذا الغرض. وهذا الاتهام المضلّل في الحقيقة لجوهر الشغل الفنّي الذي تقوم به يزبك (بغض النظر عن حبّ البعض له أو عدم تقاربه مع ذائقته الأدبيّة) أصاب أيضاً الروائيّة والصحافيّة السورية ديمة ونوس، والتي نشرت لها دار "غالميار" ترجمة روايتها "الخائفون" التي رُشِّحت لجائزة البوكر العربيّة. وهنا قرأت تعليقات كثيرة حول نجاحها. البعض برّر بكونها سوريّة والبعض لأنها من الأقليّات والبعض لأن والدها هو المسرحي الراحل سعدالله ونوس. واليوم سيطالعنا كثرٌ بعد فوز جوخة الحارثي بأسبابٍ وأسباب، والقائمة طويلة من الأسباب والترجيحات. فهل يعقل أن تنجو امرأة عربيّة من لسان الرجال؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...