رحل عنا مؤخراً الباحث والناقد والمترجم عيسى بلاطة، الذي ولد في القدس في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وعمل كمدرس وباحث في جامعات الولايات المتحدة وكندا، ومحرراً لمجلة بانيبال المهتمة بالأدب العربيّ، إلى جانب إصداره عدد من الترجمات الإنكليزيّة لكتّاب عرب كإيملي نصر الله و غادة السمان و جبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم، وتأليفه لسيرة مميزة للشاعر العراقيّ بدر شاكر السياب.
موضوعة فلسطين حاضرة على مستويين لدى بلاطة، على المستوى الشخصيّ يقول أنه من أصل كنعانيّ، ولربما كان أجداده من أتباع المسيح، فهو فلسطيني أصيل، وقد شهد كونه من مواليد 1929 تاريخ الاحتلالين الإنكليزي والصهيونيّ، وبالرغم من مغادرة أسرته القدس، بقيت تواريخ الـ 36 والـ 48 و الـ67 حاضرة في حديثه وفي أبحاثه، بوصفه متخصصاً في الأدب العربيّ الحديث، والتغيرات التي طرأت عليه إثر النكبات والهزائم المتتاليّة، مركزا على العلاقة بين الحدث السياسي والشكل الشعريّ، لكن بقيت طفولته وهجرته حاضرة في مؤلفاته.
لنقرأ عنها في كتابه الصادر عام 2014 "أجراس الذاكرة: طفولة فلسطينيّة في القدس" الذي يحدثنا فيه عن ذكرياته بين عامي 1929 و1948، والتي تتداخل فيها التجربة الشخصيّة مع معالم القدس التاريخية والسياسيّة، إذ نقرأ:
"يومي الأول في المدرسة كان في خريف 1934، كنت أنتظر هذا اليوم طوال الصيف. لم أعلم ما الذي علي توقعه حينها، كل ما كنت أرغب به هو أن أتعلم القراءة والكتابة كالبالغين، لكن، وجدت نفسي استمع لكلمات عربيّة لم أسمعها من قبل، ولم أستطع ترديدها مع الأطفال الآخرين لأني لم أكن حافظاً إياها عن ظهر قلب، استمعت لهم، وتيقنت بعدها أن هذه الكلمات كانت صلاة إلى الله، مختلفة عن تلك التي علمني إياها والداي في المنزل، وكنت أرددها بصمت في بداية و نهاية كل يوم.
توجه اهتمام بلاطة أيضاً إلى الدارسات القرآنيّة، وصدر له "إعجاز القرآن الكريم عبر التاريخ"، الذي يتناول فيه في الجدل الذي أثاره القرآن كنص يحوي إعجاز سواء على المستوى اللفظيّ، بوصفه كتاباً يتحدّى أن يأتي أحد بمثله، أو على المستوى البلاغي الذي تطور لاحقاً وأسر الباحثين في اللغة العربيّة على مر التاريخ، هذا الإعجاز تحول لاحقاً إلى مفهوم علميّ، جعل من الظاهرة القرآنيّة شكلاً من أشكال المعارف الدنيويّة، التي تحتويّ لا فقط "علوماً" آنية بل "حقائق" عن الغيب والماضي والمستقبل.
بلاطة أديب قبل كل شيء، صدر له عام 1998 رواية "عائد إلى القدس" وعام 2007، مجموعة قصصية بعنوان " جنتلمان متقاعد وحكايات أخرى" يتناول فيها قضايا الهجرة العربيّة إلى أمريكا وكندا، لنقرأ عن شخصياته التي تُسائل ذاكرتها وما حملته معها من بلادها الاصليّة وما تواجهه في سبيل التأسيس لحياة جديدة على المستوى المعاشي والشخصي كالبحث عن السعادة والحب والاستقرار.
عيسى بلاطة، أديب قبل كل شيء، صدر له عام 1998 رواية "عائد إلى القدس" وعام 2007، مجموعة قصصية بعنوان " جنتلمان متقاعد وحكايات أخرى" يتناول فيها قضايا الهجرة العربيّة إلى أمريكا وكندا
"لا تفاجئي إن لم يعترف النقاد ومراجعي الكتب بترجمتك، وكوني ممتنة حين يكتبون عنها، فعادة، يعتبر المترجمون والمترجمات أقل أهميّة من الكتاب الأصليين للنص، لكن بدونهم/ن لن يُعرف الكتّاب على نطاق واسع، لذا كوني واعية بجهودك وفخوراة بها." من قواعد عيسى بلاطة للترجمة
الناقد والمترجم عيسى بلاطة (1929-2019) الذي رحل عنّا مؤخراً، كان يعتبر أنّه من أصل كنعانيّ، ولربما كان أجداده من أتباع المسيح، فهو فلسطيني أصيل
من ضمن إرثه الواسع، ترك لنا بلاطة 10 قواعد عن الترجمة من العربيّة للإنكليزية، سواء كان المترجم مكلفاً من دار نشر أو قام هو باختيار ما يريد ترجمته باحثاً بعدها عن دار نشر، هذه القواعد هي:
1- ترجمي نصاً تحبّينه، نصاً يرضيك حين يُنشر.
2- اقرأ النص جيداً، وإن استطعت، اسأل المؤلف عن معانٍ أغفلتها أو تريد شرحها.
3- عليك أن تقبل حقيقة أن الثقافات مختلفة عن بعضها البعض، ولكل منها أسلوب خاص في قول ذات الشيء بكلمات وأسلوب مختلفين.
4- عليك أن تكوني عارفة بالأمثال والتعابير الخاصة بالثقافتين عبر البحث والقراءة المستمرة.
5- استخدم كل أنواع المعاجم التي ترتبط بموضوع النص الذي تترجمه، واستعن بمعجم مترادفات من أجل اختيار الكلمات المناسبة.
6- لا تجعل مسودة الترجمة الأولى تكون الأخير، اكتب وأعد الكتابة، ثم أعد الكتابة مرة أخرى بعد عدة قراءات لترجمتك، وأحياناً قد ترى نفسك مضطراً لترك النص المترجم جانباً، ثم العودة له لاحقاً بعد إلهام مفاجئ قد يضطرك لتغيير شيء ما.
7- استشيري متحدثاً/ة باللسان الأصلي عن ترجمتك، وتعاملي معه/ها كمراجع/ة لترجمتك إن كنت ستستشيره/ها بصورة دورية.
8- تقبل نصائح المحررين الذي تثق بهم وبجودتهم، فالمحررون الجيدون يمتلكون خبرة طويلة واطلعوا نصوص مترجمة يفوق عددها توقعك.
9- لا تفاجئ إن لم يعترف النقاد ومراجعي الكتب بترجمتك، وكن ممتناً حين يكتبون عنها، فعادة، يعتبر المترجمون أقل أهميّة من الكتاب الأصليين للنص، لكن بدونهم لن يُعرف الكتّاب على نطاق واسع، لذا كن واعياً بجهودك وفخوراً بها.
10- الترجمة فنّ أدبيّ وإبداعيّ، وعليك أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار
صورة المقال من غلاف كتاب عيسى بلاطة، "جنتلمان متقاعد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...