شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأسبوع الأوّل من رمضان السودان: بنكهة الثورة والقلق والحرّ الخانق

الأسبوع الأوّل من رمضان السودان: بنكهة الثورة والقلق والحرّ الخانق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 15 مايو 201902:28 م

هذا العام، رمضان يحمل عبء تهديده لصمود الاعتصام، والقلق يستقبل الشهر الفضيل.

نقل المتطوّعون طقوس الإفطار إلى ساحة المعتصمين، وحمل البعض الزينة. أُحضرت خيمٌ مكيّفة تحمي الجموع من شدّة حرّ النهار، المحاولات كثيرة والهدف واحد: الحفاظ على تماسك العمل الثوري.

مرّ الأسبوع الأوّل من رمضان بسلام، ربحنا الجولة، حتىّ أن أحد ملامح الخريف الصعبة المتمثّلة بريحٍ محمّلةٍ بالغبار الخانق، مرّت على الميدان، وتقبّلها الثوّار بهتافٍ جديدٍ مندّدين برئيس المجلس العسكري. هذا مبهج، لكن الخريف بمطره وفيضان نيله لن يسمح لنا بترف الجلوس في انتظار نهاية مفاوضات تسليم السلطة للمدنييّن، الزمن ليس في صالحنا، شهر آخر وقد نجد الأرض مبلّلة.

بعد شهرٍ من سقوط البشير تعقّد الموقف، ومع تعقيده انقسمت يوميّاتي بين التشاؤم والحماس، إلّا أنني في الحالتين منفصلة عن الخاص ومستغرقة في الهمّ الجماعي.

كنتُ حتى أبريل الماضي ضدّ "المتطرّفين" من الذين يرفضون ممارسة الحياة بسبب الثورة. فساعة للوطن وساعة لك، الهوس يُضعف المقاومة، تعلّمت ذلك خلال رمضان 2012، بينما كنا ننتظر خبراً عن أخي المغيّب قسريّاً، كنا نفطر ونُحضّر البسبوسة والكنافة، نتابع المسلسلات ونتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء كي لا يلفَّنا الهمّ.

الأمر مختلف بالنسبة لي الآن، لأن بعد شهرٍ من سقوط البشير تعقّد الموقف، ومع تعقيده انقسمت يوميّاتي بين التشاؤم والحماس، إلّا أنني في الحالتين منفصلة عن الخاص ومستغرقة في الهمّ الجماعي.

رمضان في ميدان الاعتصام

استهلّ المعتصمون الشهر بصلاة التراويح، خلف سيّارةٍ تحمل مكبّر صوتٍ وتعمل كمنبرٍ متنقّل، يقف خلفها الإمام ومن بعده المصلّون. الليل في رمضان أيسر من النهار بالنسبة للمعتصمين، خاصّةً الشباب، فهم معتادون على السهر في لياليه، على أي حال، هذه المرّة لديهم رفاق أكثر عدداً وتنوّعاً.

في النهار أحياناً، تأتي أسرٌ كاملة، بالإضافة للمتطوّعين، لخدمة الحاضرين في الميدان. كعادة سفراء الدول الأوروبيّة، فإنهم يبحثون عن سبل التعرّف على العادات والتقاليد، قام عدد منهم بزيارة المكان، وتناول وجبة الإفطار، مروراً بحواجز التفتيش وكلّ مشاهد شارع القيادة العامّة للجيش.

أعدّت نسوٌة من حي بري، الذي اشتهر خلال الاحتجاجات بنضال سكاّنه، الأطباقَ التقليديّة الرمضانيّة، خاصّة العصيدة، وهي نصف كرةٍ من العجين المطبوخ تتوسّط مائدة الإفطار يوم الجمعة وأغلب أيام رمضان، وعليها يسكب أدام يختلف باختلاف القبائل شمالاً، شرقاً وغرباً. في اليوم الأوّل فقط جُهِّز ما يزيد عن ألفي طبق عصيدة من حي بري للمعتصمين.

بعد أيام، تردّد وجوب التخلّي عن مثاليّة الوجبة التقليديّة لصالح وجباتٍ أكثر عمليّة، معجّنات وفطائر وهكذا، لا أدري بالتحديد كيف تقبّل الثوارُ الأمرَ ولكنني أعلم يقيناً أن الأمهات في البيوت السودانيّة لن يتخلين عن تحضير العصيدة والقراصة وغيرها للمعتصمين، مهما كلّف ذلك من جهد.

التكافل الاجتماعي شيء أصيل في مجتمعنا، لولاه لقضى الفقر على طبقةٍ كاملةٍ من السودانيين. في رمضان يتضاعف الأجر ويتضاعف إحساس المسؤوليّة، وبحضور الروح الثوريّة، جمع المهاجرون من أبناء البلاد، أموالاً تُقدّر بملايين الدولارات لدعم الاعتصام، حسب إحصاءات منسّقين مستقلّين يعملون ليل نهار للتكفّل بتوفّر العلاج والغذاء وكامل احتياجات المعتصمين.

مواكب ليليّة ومظاهرات

لدعم الميدان يجب تسيير الحشود إليه، هذا سرّ استمراره لمدّة شهرٍ كامل، المواكب أتت من أحياء الخرطوم البعيدة والقريبة، بل قَدِمت من الأقاليم، وأشهرها قطارٌ كاملٌ شدّ الرحال من مدينة عطبرة إلى الخرطوم، قاطعاً 300 كيلو متر.

مع الصيام، تسارعت الحشود لدعم لجان الثوّار في الأحياء، مواكب ليليّة حدّدوا زمانها ونقاط تحرّكها وتبعتهم قوى الثورة بالإعلان، وهذا الأمر يشير لنبض الشارع الداعي للمزيد من الضغوطات على النظام.

كما يقول الثوّار: ما زالت الإطارات مجمّعة وجاهزة، يمكننا العودة للمربّع الأوّل متى شئنا، فنُشعل إطارات السيّارات المستعملة نغلق بها الشوارع، وتنطلق المظاهرات في الأحياء والطرقات، كما كان الحال في ديسمبر.

ويبدو أن المجلس العسكري يوافقهم الرأي، حيث بدأ استخدام أساليب قمع الاحتجاجات التي هجرها بعد ذهاب البشير، وذلك لزرع الخوف.

بعد أيام، تردّد وجوب التخلّي عن الوجبة التقليديّة لصالح وجباتٍ أكثر عمليّة، معجّنات وفطائر... لا أدري بالتحديد كيف تقبّل الثوارُ الأمرَ ولكنني أعلم يقيناً أن الأمهات في البيوت السودانيّة لن يتخلين عن تحضير العصيدة والقراصة للمعتصمين، مهما كلّف ذلك من جهد.

التكافل الاجتماعي شيء أصيل في مجتمعنا، لولاه لقضى الفقر على طبقةٍ كاملةٍ من السودانيين. في رمضان يتضاعف الأجر ويتضاعف إحساس المسؤوليّة إلى جانب حضور الروح الثوريّة.

مع الصيام، تسارعت الحشود لدعم لجان الثوّار في الأحياء، مواكب ليليّة حدّدوا زمانها ونقاط تحرّكها وتبعتهم قوى الثورة بالإعلان، وهذا الأمر يشير لنبض الشارع الداعي للمزيد من الضغوطات على النظام.

أزمة الكهرباء في رمضان

دعاء الصائم الأساسيّ وقبل طلب انتصار الثورة، هي ضدّ كلّ العاملين في هيئة الكهرباء. الوضع السياسي فَاقَمَ الأزمات التي ورثها المجلس العسكري من عمر البشير، صفوف سيارات أمام محطّات الوقود، وصفوف تنتظر الخبز، وأخرى تبحث عن الكاش من صرّافاتٍ شبه خاوية. يهون ذلك مقابل ثبات التيار الكهربائي: كيف نتحمّل الحرّ بلا مراوح ومكيّفات هواء؟

نتوقّع قطوعات الكهرباء الصيفيّة، فإن سدّ مروي الذي يتفاخر به النظام عاجز عن توفير احتياجات الطاقة الكهربائيّة في موسم ذروة الاستهلاك، والبدائل لم يُستثمر فيها حتّى الآن. القطوعات فاقت حدّ التوقع، حيث استمرّ غياب التيار الكهربائي لدى بعض الأهالي، مدّة 20 ساعة متواصلة.

بعد أن انهالت عليهم اللعنات وتوجّه المواطنين لمراكز خدمات الكهرباء للشكوى، قرّر العاملون بالهيئة أخيراً أن يثوروا على إدارتهم. الإضرابات الفئويّة والعماليّة قادها موظفو ميناء بورتسودان من شهور، وتلاحقت على فتراتٍ متباعدةٍ، وزادت وتيرتها خلال هذا الشهر.

مواصلة الهوّس بالأخبار

انتهى الأسبوع الأوّل من رمضان على جدول تصعيدٍ ثوري ومهلة 3 أيام من التفاوض، بين قوى الحرية والتغيير وإعلان إضراب عام لموظّفي هيئة الكهرباء. وأنا مازلت أبحث عما يخصّني بالتحديد وسط كلّ ذلك، أصابني تطرّف هزَّ بوصلة البُعد اللازم بيني وبين الشأن العام، وفشل المسلسل الذي أخترت متابعته في إخراجي من جوّ التوتّر، بالتأكيد، فأحداثه داخل دمشق اليوم، دمشق التي تُعاني كابوس الربيع العربي اليوم.

على أمل أن أجد رمضاني وأجدّد به روحي خارج عالم الثورة، في الوقت الذي لا رغبة عندي فيه بتناول القهوة والحلويات مع الأصدقاء، بل أن أمضي الوقت في قراءة الأخبار والتحليلات السياسيّة والبيانات، بهوسٍ، كالمعتاد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image